اكتسبت الشخصية المصرية سمات متعددة، وربما يناقض بعضها بعضاً في ظاهرة غريبة بفعل التغيرات التي ضربت صميم شخصية الشعب المصري بكل قوة بداية من 1952 حتى يومنا هذا.

يقول د. المهدي:

ولا شك أنه قد حدثت تغيرات شملت الطبيعة المصرية، وامتد تأثيرها إلى الشخصية المصرية؛ فقد أدى الزحام الشديد في المدن والقرى إلى الإحساس بالضيق والاختناق والحرارة الزائدة خاصة في الصيف، إضافة إلى ارتفاع معدلات التلوث السمعي والبصري.

كل ذلك أدى إلى تنامي حالة من العصبية وسرعة الاستثارة والعدوان لدى المصريين بشكل لم يكن معهوداً من قبل.

وعرف المصريون الزلازل في السنوات الأخيرة فاهتز الإحساس بالاستقرار بعض الشيء، ولم تعد خيرات الأرض تكفي المصري أو تطمئنه لذلك لم يعد مطمئناً كما كان، واضطر للسفر إلى شرق الأرض وغربها باحثاً عن لقمة العيش له ولأسرته، ثم عاد بعد سنوات وهو يحمل أفكاراً وتوجهات تنتمي إلى بيئات وثقافات أخرى، وضعف لديه الانتماء بدرجات متفاوتة عن ذي قبل؛ لأن البيئة المصرية لم تعد معطاءة كما كانت، ولم تعد مستقرة كعهده بها، ولم تعد وديعة مطمئنة كما عرفها [1].

وقد أدى هذا إلى بعض التغيرات نذكر منها:

1- الفهلوة

يرى د. المهدي “أن مفتاح الشخصية الإنجليزية هو (الجنتلمان)، ومفتاح الشخصية الأمريكية هو (البراجماتي)، أما الشخصية المصرية فمفتاحها هو (الفهلوي).

وهذا يوافق رأي المستشرق الفرنسي جاك باركن) الذي يقول: (إن الفهلوة هي السلوك المميز للشخصية المصرية)، ويرى جاك أن (هذا السلوك مكّن مصر من ألا تضيع أبداً، لكنه جعلها تخسر كثيراً) [2].

ويُصدِّق دكتور حامد عمار عميد التربويين المصريين على مقولة المستشرق الفرنسي محاولاً قطع شوط طويل في المسافة الشائكة بين كون الفهلوة سلوكاً أنقذ مصر على طول تاريخها من الضياع, والخسارة التي ما زالت مصر تتكبدها بسبب الفهلوة, ووصل دكتور عمار في رحلته إلى عمق رأى فيه أن الفهلوة قد توحشت وأصيبت بالسعار [3].

يقول دكتور عمار:

عصور طويلة مرت لكل عصر منها سماته المميزة، وخصائصه الفريدة وألوانه الخاصة في تلوين ملامح الفهلوة دون المساس بالأصل.

والحقيقة أنه لم يكن هناك متسع من الوقت والجهد لأن يتغير الأساس إذا كانت الفهلوة الوسيلة المثالية لبناء جسد يتجاوز به المصري المسافة الفاصلة بين قدرته اللامتناهية على الطاعة والقبول بأقل القليل وبين إحساسه بالبرودة والغربة تجاه السلطة؛ فهو -مثلاً- يخاف منها ويطيعها.. رهبته منها تمحو قدرته على الفعل والمشاركة.. يخادعها.. يتنكر لها.. ينتقدها سواء في نكتة أو “قعدة فرفشة”، وغالباً ما يصل نقده إلى حد السخرية اللاذعة والتجريح.

وطبقاً لذلك فقد كونت خفة الظل والحداقة والشطارة والقدرة على المراوغة كوكتيل سعادة أعطى المصري القدرة الفائقة على طي سنوات طويلة سكنها السواد والحزن.. ربما يكون هذا هو الجانب المشرق للفهلوة الذي قصده المستشرق الفرنسي.

أما الخسائر -كما يقول حامد عمار-

فتبدو في أن المصري البسيط لم يشارك في بناء بلده المشاركة الحقيقية، وإنما ترك المهمة لفئة واحدة اختارت نوع الحضارة والعمران وبلورة القيم والأعراف, وهذا -لا شك- خلق نوعاً من الإذعان والاستسلام مخلوطاً بالمخادعة والتملق المبالغ فيه, إضافة لشيء أخطر هو أن نهمه الشديد للكلام قد فجّر طاقات لسانه (عمّال على بطّال)، بينما أصيبت رغبته في الفعل وبذل الجهد والعرق بالشلل شبه التام.

وشخصية الفهلوي تراها وأنت تركن سيارتك بجانب أي رصيف أو تخرج بها فتفاجأ بأن الأرض انشقت وخرج منها شخص يقف وراءك أو أمامك ليقول لك: (تعالى.. تعالى)، ويتصرف وكأنه ينظم حركة دخولك أو خروجك.

والفهلوي المصري تراه عند شبابيك تجديد رخص السيارات في إدارات المرور يعرض خدماته عليك، وكثيراً ما يفرض نفسه عليك بتقديم مشورة لم تطلبها، والتلويح لك بقدرته على إنهاء الأوراق بسهولة وسرعة، وحمايتك من كل أنواع الروتين والبيروقراطية، وترى أخاه الفهلوي الآخر يعمل ساعياً أو عامل بوفيه في أي مصلحة حكومية يقابلك في مدخل المصلحة ويرى الحيرة والارتباك على وجهك فيصطادك ويعرض عليك تخليص أو تسهيل المهمة. والنظام البيروقراطي، والتعقيدات المكتبية وشيوع الرشوة والوساطة، كل ذلك أدى إلى تنامي دور الفهلوي حتى أصبح من مكونات المنظومة الاجتماعية المصرية المعاصرة [4].

الفهلوة وتوغلت في الدولة المصرية

وقد تمكنت الفهلوة وتوغلت في الدولة المصرية حتى أدق مراكزها الحساسة؛ فلم تتوقف الفهلوة عند المستويات الدنيا من الشعب، بل تسللت إلى المراكز الوظيفية العليا، وترى ذلك “حين يتلاعب رؤساء مجالس إدارات الشركات بالأرقام ويحولون خسائرهم إلى مكاسب، ويوهمون الآخرين وربما أنفسهم بتحقيق إنجازات عظيمة، ويتصورون أن للكلام تأثيراً يساوي الفعل فيضعون هذا محل ذاك، وحين تتكشف الأمور ويحدث الانهيار يلجؤون للتبرير والتهرب من المسئولية والبحث عن كبش فداء من صغار الموظفين.

والفهلوي تراه في مسئول كبير في وزارة الصحة يؤكد أننا في مصر قضينا تماماً على شلل الأطفال ولم تسجل في مصر حالة واحدة منذ عدة سنوات، ثم تكتشف أن هناك عدداً ليس بالقليل من الحالات مسجلة بالاسم والعنوان لدى المنظمات العالمية المهتمة بالصحة والطفولة.

والفهلوي يعلن أن الإرهاب انتهى في مصر إلى غير رجعة، وأن الأمور أصبحت كلها تحت السيطرة، وأنه تم القبض على فلول الإرهابيين، ثم تفاجأ بعدها بأيام بحدث إرهابي مروع تتلوه حوادث أكثر ترويعاً.

وتصل الفهلوة إلى ذروتها

حين تصل لمسئولين كبار يدغدغون المشاعر الوطنية والقومية بشعارات الريادة والسبق الحضاري (أننا أبناء حضارة خمسة أو سبعة آلاف سنة، وأننا رواد العالم العربي والإسلامي، وأن العالم يتعلم منا ومن قادتنا الحكمة)، ويغطون التخلف والجمود على كل المستويات بأرقام خادعة تعكس إنجازات وهمية، ويبررون الهزائم والنكسات والانكسارات ويحولونها إلى انتصارات تاريخية تستوجب إجازات رسمية للاحتفال بها، وتمتلئ الخطب والتصريحات بالمغالطات والمبالغات والتهويلات، ويكتفي بالكلام والشعارات الرنانة بعيداً عن التخطيط العلمي والعمل الدءوب والفعل الجاد والإنجاز النوعي المتراكم.

فنحن بلد له دستور مكتوب، ومع هذا تسير الحياة في واد والدستور في واد آخر، ولدينا أشكال ديموقراطية (انتخابات نيابية ورئاسية)، ولكن الواقع ليس ديمقراطيًا بالمرة، وإنما يكتفي بإطلاق صراخ وصياح وسباب في صحف معارضة أو مستقلة دون أن يكون لذلك صدى، كأنما يكتفي بالكلام والصراخ بديلاً للفعل والتغيير.

وحين ينتشر الإرهاب في العالم

ويكتشف الآخرون أن غياب الديمقراطية وانتشار الفساد في مصر والعالم العربي وراء هذه الظاهرة المهددة للعالم كله، وحين تشتد المطالبة بإصلاحات سياسية، تظهر الفهلوة المصرية في الالتفاف والمراوغة والتحايل، وعمل بعض التغييرات الشكلية، وإطلاق التصريحات اللفظية، وعقد بعض الندوات والمؤتمرات بهدف امتصاص الضغط الخارجي، وإبقاء الحال (المائل) على ما هو عليه.

والفهلوي يهتم بالشكل دون المضمون، ويهتم بالكلام بديلاً عن الفعل، ويمارس حالة من الازدواجية تمكنه أن يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول، ويمارس حالة من الخداع لغيره تنقلب بعد فترة إلى الخداع لنفسه، وبالتالي تغيب الحقيقة عن الجميع، وتغيب البصيرة اللازمة للتغيير، إذا افترضنا وجود نية للتغيير، وهذا أخطر ما في سلوك الفهلوة من الناحية النفسية والاجتماعية.

الفهلوة سلوك عام

وهكذا نجد أن الفهلوة لم تصبح سلوكاً فرديّاً لدى البائعين الجائلين أو منادي السيارات على الأرصفة أو المسهّلاتية أو المشهّلاتية من السعاة وعمال البوفيه في المصالح الحكومية، وإنما أصبح سلوكاً عامّاً لم ينج منه أحد على أي مستوى مهما علا أو نزل، وأصبح وباءً عامّاً لم تخل منه طبقة من الطبقات.

والفهلوي في التوصيف النفسي هو شخص لديه سمات سيكوباتية [5], وليس بالضرورة أن يكون سيكوباتيّاً بالمعنى الاصطلاحي المعروف، وهذا يعطيه قدرة على الخداع والمناورة, فهو كثيراً ما يبدو خفيف الظل, خفيف الحركة, يغري بالقدرة على تخليص الأمور الصعبة والمعقدة, ويغري بالرغبة في المساعدة في حل المشكلات العويصة, فكل عقدة عند الفهلوي لها ألف حل, وكل شخص عنده له مفتاح وثمن, والفهلوي لا يحل المشكلات بالطرق المعهودة من العمل والمثابرة والتفكير والتخطيط، وإنما يتخطى كل ذلك ويتجاوزه ويلجأ إلى الطرق الخلفية والخفية والسريعة بصرف النظر عن مشروعيتها.

والفهلوي بهذه السمات السيكوباتية يميل لأن يبدو مهذباً, وهناك تعبير:

(السيكوباتي المهذب)، والذي تراه في مستويات وظيفية أو قيادية أو سياسية عالية يتحدث بهدوء وأدب, ويعطيك شكل الأشياء دون جوهرها؛ لأنه يعرف حرص الناس على الشكل فهو لا يصدمهم بانتزاع الشكل, فيحافظ على الظاهر قانونيّاً أو أخلاقيّاً مع الاحتفاظ بحقه في العبث بالجوهر، أو انتزاعه تماماً بما يحقق مصلحته. والمحافظة على الشكل تحمي الفهلوي من المساءلة والانتقاد وتجعله قادراً على المناورة والدفاع عن نفسه إذا حاول أحد كشفه أو محاسبته, وهذا مما يرسخ لسلوك الفهلوة ويحبط كل محاولات الإصلاح الجادة؛ حيث تصطدم كل هذه المحاولات بأن كل شيء تمام على مستوى الشكل, ولا تستطيع أن تثبت غياب المضمون أو تشوهه؛ لأن الفهلوي (أو السيكوباتي المهذب) لديه القدرة على المناورة والجدال، تلك القدرة التي ربما يفتقدها دعاة الإصلاح بحكم طبيعتهم المستقيمة والبريئة [6].

عند قراءة هذا الكلام لا يمنع المرء نفسه عن إسقاطه على الكثير ممن يراهم ويشاهدهم كل يوم من الساسة، وخصوصاً عبد الفتاح السيسي الذي رأيت أن الشخصية السيكوباتية هذه تنطبق عليه تمام الانطباق.

2- العلاقة الملتبسة مع السلطة:

السلطة في مصر تتعامل بالمثَل القائل: «رهبوتٌ خيرٌ لك من رحموت»، «أي: لأن يُفْرَقَ منك فرقاً خيرٌ من أن تُحَبّ» [7]،

وهذا التوجه من السلطة وأدواتها انعكست على المواطنين؛ الذين يظهرون الاحترام والتوقير للسلطة وأدواتها وهم في دواخلهم يمقتونها وينتظرون الوقت الذي يتخلصون فيه منها.

فيرى الدكتور حامد عمار

 أن المصري الفهلوي برغبته الدائمة والملحة في تأكيد الذات يشعر في قرارة نفسه بالسخط على الأوضاع التي توجد التمايز والتفرقة أيّاً كان نوعها, ومهما كانت أسبابها ومبرراتها, ويتفرع من ذلك عدم الاعتراف بالسلطة أو الرئاسة, والتنكر لها في أعماق الشعور, مع أنه في الظاهر يبدي الخضوع ويستخدم عبارات فيها مبالغة شديدة للتفخيم (أفندي وبيه وباشا, سعادة الباشا)، ويلجأ إلى طقوس زائدة عن الحد للتعبير عن الاحترام, ويخفي كل ذلك الشعور بالامتعاض, ويعبر عنه أحياناً بقوله: «فلان عامل ريس»، أو «عايش في الدور».

لذا فهو لا ينظر إلى السلطة أو الرئاسة على أنها ضرورة من ضرورات التنظيم, يتطلبه توزيع المسئوليات وتحمل الأعباء في التنظيم الاجتماعي أو الإداري, ولكنه ينظر إليها على أنها قوة قاهرة يذعن لها إذعاناً لما تبعثه في نفسه من الهيبة والخوف [8].

وهذا النمط من الشخصية المصرية

لا ينتظر من السلطة المقتدرة أي نوع من الألفة أو رفع الكلفة, بل يتوقع أن يجدها حازمة صارمة كأنما ذلك من طبيعة الحكم والسلطان.

ولا شك أن الخوف من السلطة أو هيبتها من الأمور التي طبعتها الظروف التاريخية في شخصية المصري نتيجة لعلاقة الحاكم واستجابة المحكومين.

وقد أشار (الجبرتي) حين وصف شعور الأهالي نحو الملتزمين بجمع الضرائب إلى أن الفلاحين كانوا يهابون الملتزم القوي، أما إذا التزم بهم ذو رحمة ازدروه في أعينهم واستهانوا به وبخدمه، وماطلوه وسموه بأسماء النساء [9].

بعض الصفات التي ظهرت في الشخصية المصرية

أما الأستاذ علي سالم فتكلم عن بعض الصفات التي ظهرت في الشخصية المصرية، وختمها بالحديث عن العلاقة بين الشعب والحكومة فقال: “نحن نباهي الأمم صغيرة السن ذات التاريخ القصير الذي لا يتعدى عدة مئات من السنين انشغلت فيها ببناء الديموقراطية, بأننا أقدم منها، وننسى أننا نحكم أنفسنا منذ أقل من خمسين عاماً فقط, ولابد من الاعتراف بأن مئات السنين من الحكم الأجنبي المستبد أرست في عقولنا قواعد راسخة للفهلوة.

عقولنا مدربة على نحو شبه غريزي على الحذر من الحكومة، وعمل المستحيل للإفلات منها, من قوانينها ولوائحها وتعليماتها, ثم شن حملات مضادة عليها عندما تحين لنا الفرصة, حتى الآن يداخلنا شك في أننا نحكم أنفسنا, وفي المقابل سنجد الذين وصلوا إلى مواقع الحكم والسلطة يتوحدون على الفور بنفسية ذلك المملوك القديم المستورد من الخارج التي امتلأت أبعادها بالقسوة والحذر من هذا الشعب (النمرود)، وهكذا تستمر علاقات الحذر والتربص بين الحكومة والأهالي كامتداد لا واع لآليات الواقع في الحكم الأجنبي [10].

لذا حينما تسقط هذه الأنظمة

يدير لها معظم الناس ظهورهم كأن لم تكن من الأساس؛ فمن يرى هيبة الحزب الوطني بمصر وتسابق الكثيرين للانضمام إليه؛ للاستفادة من عضويته، ثم إن كبار أعضائه ينسونه الآن ويبحثون عن إطار آخر يستفيدون من خلاله، ويحافظون على مصالحهم، ويدورون مع مصالحهم أينما دارت أشرعة الحكم وأهواؤها.

وعندما سقطت الشرطة أظهر الناس شماتة عظيمة بها، وسخروا وتعدوا على مخبري أمن الدولة، الذين كانوا يستطيلون على الناس بتقاريرهم الأمنية، وكان الناس يخشونهم خشية كبيرة؛ فالتوقير لهم والمبالغة في ذلك كان مجرد قشرة ظاهرية تحمل في باطنها سخطاً عليهم وخوفاً منهم وبغضاً لهم، فلما زال سلطانهم وسقطوا أظهر لهم الناس وجه البغض والسخط.

3- الحرص على الوصول إلى الغنيمة بسرعة ومن أقصر الطرق دون الاعتراف بالمسالك الطبيعية:

البحث عن المكسب السريع، دون كد أو تعب عمّقه الإعلام في المصريين، لذا حاول البعض أن يعمل في الأمور المشبوهة، أو المحرمة أو غير النافعة؛ فتجد الشباب في المناطق الشعبية يتاجرون في المهلوسات والمخدرات والحشيش والبانجو… إلخ، أو يعملون في الملاهي الليلية، أو يحاولون العمل في التمثيل، أو البحث عن اللعب في نوادي كرة القدم، وقد يصل الحال ببعضهم أن يتاجر في الكلاب البلدي وهي تجارة لا نفع منها، أو يكونون حِلس بيوتهم وينتظرون أن يصرف عليهم آباؤهم دائماً.

فهذا النمط يبحث دائماً عن وسيلة تجعله يقفز على المراحل, ويتخطى الحواجز, باللجوء إلى الكذب أو التزوير أو الوساطة, أو الرشوة أو الغش, فإذا وجد أنه لن يصل إلى الهدف إلا بالطريق الطبيعي كغيره, وأن هذا الطريق يحتاج إلى المثابرة والصبر واتباع خطوات لابد منها, فإن الحماس للعمل ينطفئ في لحظة [11].

وهذا النمط من التفكير خطر يهدد المجتمع المصري، وتلك الشخصيات سوس ينخر في بنية المجتمع.

4- التكيف السريع والقدرة على التلون مع الموقف ونقيضه:

اكتسب المصري قدرة على التأقلم مع شتى الظروف، وإمكانية ترتيب أوضاعه وفق ما تمليه عليه تلك الظروف؛ فهو لا يسخط على حاله بقدر ما يسعى حثيثاً للتكيف مع الوضع الجديد سواء كان سياسيّاً أو اجتماعيّاً أو اقتصاديّاً.

والملاحظ لحالة الشعب خلال تلك المرحلة -مرحلة ما بعد الانقلاب- وما تمر به من تردٍّ اقتصادي يجد تكيفاً مع الظروف الراهنة، وتفنناً عجيباً من الناس في مسايرة تلك المرحلة.

لكن للتكيف والتأقلم حد ينفجر بعده الشعب في ثورة عارمة؛ إذ إن الشعب يثور حين يتم تهديد لقمة عيشه بشكل خطر.

وهذه الصفة لها وجهان أحدهما إيجابي والآخر سلبي.

فالإيجابي

يعني أن الشعب قادر على الصبر والصمود والرضا بشظف العيش وتقبل الواقع، فإذا أضفت إلى تلك المنظومة حكومة رشيدة عادلة حينها تتكامل أركان بناء الدولة وتتقدم خطوات إلى الأمام.

أما السلبي

 في تلك الصفة فإنها مدعاة لنمو الفساد وتفاقمه، فكلما احتمل الشعب وصبر زادت الحكومة من أثقاله وأوجاعه من: فرض ضرائب، رفع الدعم عن السلع الغذائية والوقود… إلخ؛ فالحكومة هنا تتوقع من الشعب تكيفاً مع ما تفرضه وتأمن من ثورته وغضبه.

وقد حلل الدكتور حامد عمار تلك الصفة فرأى أن صاحبها يتميز بإدراك “في لمح البرق، وفيما يشبه الإلهام بما هو مطلوب في هذه اللحظة فيستجيب على الفور، وهو قادر على أن يعيش في أي ظروف، ويتعامل مع أي شخصية, ويتباهى بأنه يستطيع أن يلاعب (الجن الأحمر) ويعايش (ملائكة السماء والأرض) في نفس اللحظة دون أن يجد في ذلك غضاضة، ودون أن يتطلب ذلك منه جهداً كبيراً.

ولذلك استطاع هذا النمط أن يتقبل ويساير كل تغيير، ويتعامل مع كل جديد دون ارتباك أو حيرة، ومظاهر الحياة تدل على هذه القدرة الفائقة، وإن كانت هذه المرونة والقدرة على التكيف السريع تتميز بأمرين: الأول: المرونة والقدرة على هضم وتمثيل كل جديد، والثاني: المسايرة وإخفاء المشاعر الحقيقية.

وهذه النزعة هي التي أعطت للمصريين القدرة على التعايش مع حكام وولاة بلغوا غاية في الظلم والاستبداد، ووجد المصري أنه إذا لم يذعن فسوف يتعرض للعقاب والنقمة، ولن يجني شيئاً، فأصبح التكيف السطحي في مثل هذه المواقف من ضرورات البقاء في ظروف متغيرة لا ضابط لها ولا قدرة على عواقبها.

ومع الزمن فإن هذا التكيف السريع الذي كان أسلوب الحماية والوقاية الذي كفل للمصريين البقاء مع التقلبات السريعة المتلاحقة، تحول إلى وصولية وانتهازية [12].

5- القابلية للتغير المستمر:

لا شيء أدل على تلك الصفة من تبدل الديانة واللغة ونظام الحكم؛ فقد شهدت مصر تغيرات جذرية في العناصر الثلاثة الفائتة؛ فقد تغير الدين من ديانات الفراعنة إلى المسيحية إلى الإسلام، وتبدلت اللغة من الفرعونية وتطوراتها إلى القبطية ثم العربية، وتبدل نظام الحكم من الفرعوني إلى الروماني إلى العربي، من دولة تابعة للخلافة إلى مملكة مستقلة وراثية الحكم، إلى نظام عسكري مستبد.

كل تلك المراحل والتغيرات تقبلها المصري وانصهر في بوتقتها واندمج معها تماماً.

فالمصري يتغير كلما تغيرت الظروف المحيطة بها فإذا كان الجو السياسي خانقاً ويسوده القهر تحول إلى كائن سلبي لا يبالي بما يدور حوله، لكن إذا حدثت حالة انفتاح من الحريات والسياسة تراه كائناً إيجابيّاً يتفاعل وبقوة مع المشهد.

فالشعب المصري المعرض عن الانتخابات والمشاركة السياسية في حقب ما قبل 25 يناير هو نفس الشعب الذي مُلئت حشوده أمام اللجان الانتخابية، وهو نفس الشعب الذي عاوده إعراضه القديم بعد انقلاب يوليو 2013م.

6- المبالغة في تأكيد الذات والإلحاح على إظهار قدرة فائقة:

يرى الدكتور حامد عمار أن هناك فرقاً بين الثقة بالنفس الناتجة عن الطمأنينة الداخلية والإدراك الواعي للقدرات والظروف من ناحية والموقف الخارجي من ناحية أخرى, وبين تأكيد الذات الناجم عن فقدان الطمأنينة, وعدم الرغبة, وعدم القدرة -أيضاً- على تقدير المواقف تقديراً موضوعيّاً, وإحساس داخلي بعدم الكفاءة, وشعور بالنقص أمام المواقف يحاول إخفاءه بالتهكم على الآخرين, أو بادعاء المقدرة الخارقة على حل العقد بما يشبه المعجزة، وإنجازها (هَوَا), أو عمل كل شيء بالإصبع, أو حل المعضلة بجرة قلم [13].

وهذه المبالغة في تأكيد الذات أفضت إلى نرجسية تعطي

انطباعاً بأن مصر هي محور العالم كله, وأن المصريين هم الأذكى والأقوى والأكثر حكمة وبراعة, والمحصنون ضد كل الأمراض المعدية, وأن العالم كله يقف على قدم وساق ليتابع أقوالنا وأفعالنا وتصريحاتنا, وأن كل الجهات العلمية والمؤسسات البحثية تتبع خطانا الهائلة نحو التقدم والرقي وتستفيد بتجاربنا الرائدة في العلوم والتكنولوجيا والديمقراطية وحقوق الإنسان.

هكذا نرى أنفسنا, ونغني كثيراً لأنفسنا ولمصر, ولا نرى في الدنيا شيئاً آخر يستحق الاهتمام فضلاً عن الإعجاب؛ فلدينا كل شيء, ونحن كل شيء.

هذا التضخم الذاتي يجعلنا بعيدين عن الواقع، وغير قادرين على رؤية أخطائنا، ومواطن ضعفنا وقصورنا, وغير قادرين على التعلم من خبرات غيرنا.

وللأسف الشديد تتكرر الصدمات ولكننا -على المستوى الرسمي والإعلامي- مصرّون على هذه النغمة النرجسية.

وهناك متغير شديد الخطورة,

وهو أن كثيراً من الشباب قد دخلوا في حالة رد فعل عكسي تجاه هذه التصريحات والبيانات النرجسية, وراحوا ينظرون إلى بلدهم بشكل دونيّ يضعف انتماءهم، ويجعلهم يحلمون بالهجرة إلى أي مكان، وفي أقرب فرصة سانحة.

وهذا رد فعل على حالة الفخر الكاذبة في الخطابين الرسمي والإعلامي [14].

ويرصد طارق حجي أمراً هامّاً وهو أن تلك النرجسية لم يكن موجودة من قبل كما هي عليه اليوم فقال: “إذا قارنا وسائل إعلامنا الحالية بصحفنا ومجلاتنا منذ نصف قرن لاكتشفنا أن هذه الصفة لم تكن متفشية في الماضي كما هي متفشية اليوم.

كذلك إذا قارنا هذه الصفة الشائعة عندنا بالأوضاع المماثلة عالميّاً، ولا سيما في الدول المتقدمة، وجدنا أنفسنا منفردين بهذا الكم الهائل من مدح الذات بصفة دائمة [15].

وينبه حجي

على قيام وسائل الإعلام كثيراً بنسبة عبارات إطراء الذات إلى مصادر خارجية، وهو ما يؤكد اعتقادنا بأن المصدر الخارجي يضفي مزيداً من القيمة على عبارات الإطراء المذكورة [16].

ومثال ذلك ما نجده على ألسنة عوام الناس في أحاديثهم المختلفة عن قوة الجندي المصري، والجيش المصري، وبراعة الطيار المصري وكيف أنه الأفضل عالميّاً… إلخ.

ويشير حجي إلى السبب الكذب المتعمد في الإعلام لغرس هذه الظاهرة في النفوس فقال: “إننا نفعل (في هذا المجال) ما لا يفعله (الآخرون)، وأننا بحاجة ماسة لهذا الإطراء للذات؛ لأنه يعالج عندنا (شيئاً ما).

إننا (رغم معرفتنا بأننا لا نزال في معظم المجالات على أول الطريق) نحتاج لخلق عالم خاص من اختراعنا (نرتاح فيه) [17].

7- الانفعال الفكري

يترك الاستبداد وتوابعه آثاراً كبيرة في تكوين الشخصية المصرية، ويصيبها بقصور حاد في التفكير نتيجة التشوهات النفسية التي ضربتها بعنف، فأصابها بما قد يمكن أن نطلق عليه «الانفعال الفكري»

يقول د. مصطفى حجازي:

تنتج عن هذه الحالة -يقصد الانفعال والقصور في التفكير- عدة ظواهر كثيرة الشيوع في العالم النامي، أبرزها سرعة تدهور الحوار العقلاني والتفكير المنطقي، والتعصب والتحيز وسرعة إطلاق الأحكام القطعية والأحكام المسبقة، وسيطرة التفكير الخرافي والسحري [18].

وقد تكلم الدكتور محمد المهدي عن نمط التفكير عند عامة المصريين فقال: “إننا نلحظ أن التفكير لدى المصريين يغلب عليه بعض الصفات التالية منفردة أو مجتمعة:

 غلبة المشاعر والانفعالات على المنطق والموضوعية.

الموقف الاستقطابي تجاه الأفكار الجديدة، والذي يظهر إما في الاستسلام والتسليم الكامل لها، أو في رفضها نهائيّاً دون المرور على المراحل البينية في الرؤية، وربما يعود هذا إلى النقطة السابقة من غلبة المشاعر وضعف الموضوعية.

    اللجوء للقوة أو للهجوم الشخصي للتعامل مع الأفكار بديلاً عن تفنيدها ودحض الحجة بالحجة.

وجود الكثير من أخطاء التفكير مثل: التعميم والتهويل والتهوين والاستنباط التعسفي والتفكير الخرافي، والتفكير الخرافي -بشكل خاص- يأخذ مساحة كبيرة في العقلية المصرية.

ضعف الجوانب المعرفية: أو كما أطلق عليها يوسف إدريس “فكر الفقر وفقر الفكر”، فعلى الرغم من أن رجل الشارع المصري يتحدث كثيراً إلا أنك تلحظ على محتواه المعرفي عدة أشياء منها:

سطحية المعلومات.

أغلب معلوماته عبارة عن انطباعات شخصية يغلب عليها الانفعال والتحيز الشخصي.

أغْلب المعلومات -إن لم تكن كلها- سماعية شفاهية؛ فقليلاً ما يلجأ رجل الشارع المصري العادي إلى قراءة كتاب ليحل مشكلة تواجهه، وإنما هو يفضل أن يسأل أحداً.

أحادية التفكير:

بحيث يرى الموضوع (أو يحب أن يراه) من جانب واحد يرتاح إليه، وهذا مرتبط بغلبة الجوانب الانفعالية المتحيزة، ومرتبط -أيضاً- بضعف الجوانب المعرفية والمعلوماتية والتي تجعل المعلومات المتوفرة غير كافية لرؤية محيطية شاملة أو رؤية متعددة المستويات، لذلك ترى أحكام كثير من المصريين قاطعة ومطلقة، وهي أحد سمات التفكير البدائي والدوجماتي [19] الذي ينطلق من قوالب ثابتة، ولا يرى غيرها بسهولة.

    ضعف ملكة الفكر النقدي:

ذلك الفكر القادر على رؤية الجوانب المختلفة لأي موضوع بحيادية وتجرد، والقادر على تجنب المنزلقات الفكرية (تحت الضغوط السلطوية)، أو التحيزات العاطفية (تحت ضغوط الاحتياجات الذاتية)، أو ردود الفعل الدفاعية.

    ثقافة «الكلام الكبير»:

هذا التعبير مأخوذ عن كتاب طارق حجي (نقد العقل العربي)، والذي يعيب علينا فيه لجوأنا إلى المبالغات السطحية والكاذبة، والتي تعزلنا عن حقائق الأمور، وعن الرؤية الموضوعية، فنحن نتعامل مع تاريخنا الماضي بحسناته وسيئاته بالكلام الكبير، ونهاجر إليه بعيداً عن الفعل الواقعي الآني والمسئول والمثابر، ونحن نتحدث عن أنفسنا بكلام كبير يعطينا تصوراً أسطوريّاً عن قدراتنا وإنجازاتنا ونجاحاتنا، ثم نكتشف عند مواجهة الواقع أننا كنا واهمين.

وهناك أمثلة عديدة لهذا الداء في حياتنا وآثاره المدمرة, نذكر منها: إحساسنا بالزهو والانتفاخ وإطلاقنا للتصريحات العنترية الفارغة قبل حرب 1967، ثم هزيمتنا النكراء بعد ذلك, وأيضاً كلامنا عن انتصاراتنا الرياضية وأغانينا عنها رغم تواضع مستوانا وإنجازاتنا فيها, وكلامنا عن مصر واحة الأمن والأمان في الوقت الذي تعددت فيه أعمال العنف والبلطجة والإرهاب, وكلامنا عن نزاهة الانتخابات في الوقت الذي شهد القاصي والداني بما حفلت به من أعمال تزوير وبلطجة.

هذا الكلام الكبير يعزلنا عن الحقيقة ويخدر أحاسيسنا ويجعلنا نعيش في وهم نصحو منه على كوارث محققة [20].

والإسلاميون لم يكونوا بعيدين عن هذا الأمر؛ فقد دخلوا معركة سلاحهم فيها الكلام، والعسكر مدجّجُون بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة.

ظنوا أنها ستكون معركة كلامية فحسب، ثم وقع ما لم يكن في الحسبان من القتل في شوارع مصر وأزقتها.

8- التسامح:

هي من السمات المشتهرة عند المصريين قديماً وحديثاً؛ فقد تعايش داخل المجتمع المصري ديانات وأعراق شتى ولم يشهد التاريخ حوادث تمييز عرقي أو طائفي بينهم، حتى الطبقية بشكلها البشع لم تعرفها مصر ولم تعرف التعصب، أو الجنوح للعنف مع المخالفين في العرق أو الدين أو الفكر.

وهذا لا يمنع من بعض الاشتباكات أو المناوشات بين الحين والآخر، لكنها لا تصل لفكرة الاجتثاث أو التطهير العرقي، بل هي تبقى في حدود الملاسنات أو الاعتداءات المحدودة غير واسعة النطاق، والدولة غير مبرأة في صنع بعض القلاقل بين المسلمين والنصارى، وما حادثة القديسين عن المصريين ببعيدة، التي قام بها جهاز الأمن واتهم فيها الإسلاميين؛ فهو دائم التخويف للنصارى من الإسلاميين حتى يظلوا في جانبه وتحت رحمته ورهن تصرفه.

وبصفة عامة فقد تراجعت تلك السمة مؤخراً وتقلصت بشكل كبير، ويُرجع طارق حجي ذلك التناقص في روح التسامح إلى أشكال من الفشل جعلت المناخ الثقافي التسامحي يتزلزل، وكانت بداية ذلك الفشل نكسة 1967م، والتي جسدت الفشل الكامل لتيار سياسي برمته، وخلال السنوات التالية ظهرت معالم الفشل في إدارة الاقتصاد، وتبع ذلك تشققات كبرى في واقعنا الاجتماعي.

يقول طارق حجي:

إننا لا نملك إلا أن نعترف بحقيقة بالغة الخطورة، وهي أن درجة تسامحنا قد أخذت في التقلص والضمور خلال العقود الأخيرة بشكل مذهل.

فمنذ قرابة نصف القرن[21] كان المناخ الثقافي العام لدينا مشحوناً بعدد من القيم الإنسانية المستقرة في وجداننا بوجه عام، وفي وجدان الطبقة التي تمثل قيادة المجتمع فكريّاً وثقافيّاً بوجه خاص، وكان من هذه القيم أن الاختلاف سنةٌ من سنن الحياة، ومعْلم من معالم الوجود الإنساني على الأرض.

وكان هذا الجو الثقافي يجعلنا أبعد ما نكون عن (الصيغة الفكرية) التي نمت خلال السنوات الأخيرة، والتي تقسم الناس إلى (نحن) و(هم)، وفي نفس الوقت تجعل (نحن) في رصيف الصواب، أما (هم) ففي (رصيف الخطأ). وهي صيغة أقل ما يقال عنها: إنها تتسم بالسمات التالية:

أنها صيغة غير إنسانية، وعدوانية، وغير سلمية تقود إلى (المواجهة) و(التضاد) و(الصدام) مع الآخرين [22].

وهذه الحال قد وقع فيها الإسلاميون فيما بينهم؛ فإذا اختلفت مع جماعتك أو مع قادتها وآثرت الاعتزال عنهم؛ فإن الجماعة بخروجك تنفي خبثها.

ويستمرئ الإسلاميون في العمل السياسي أن يتعامل مع المخالف له أيديولوجيّاً، ويتأبّى كل الإباء أن يتعامل مع أخيه الذي كان معه يوماً ما.

ولا يشفع التاريخ المشرف والعمل الطويل لمن خرج عن جماعته؛ فتكون الألسنة عليه حداداً، ويُطعن فيها طعناً شنيعاً.

ومن عيب الإسلاميين أنهم إذا أحبوا أحداً قدسوه، وإذا سقط من نظرهم لأي داع من الدواعي جعلوه في أسفل سافلين.

من ليس معنا.. التأثير المملوكي

يقول حجي:

من اختلاط (تقلص السماحة) و(تآكل هامش الموضوعية) ينبثق عيبٌ آخر جديد هو عجز الكثيرين منا عن رؤية (من ليس معنا) إلا بصفته (ضدنا) أو (علينا).

وقد ضاعف من عمق جذور هذا العيب، أن تاريخنا المملوكي الذي ترك أعمق الآثار في تكوين شخصيتنا قد عرف هذا الأسلوب في التفكير والحكم على الآخرين على أوسع نطاق؛ فطيلة القرون التي قبض فيها المماليك على زمام الأمور في حياتنا، كان المجتمع يرى بوضوح وكل يوم تطبيقاً عمليّاً على (أن من ليس معنا فهو ضدنا أو علينا) مع توابع هذه المقولة وآثارها المترجمة في مواقف كثيراً ما اتسمت بالعنف والقسوة والدم.

وكما يقول أستاذ جامعي مرموق: فإن علم الاجتماع التاريخي يؤكد أن آثار العهد المملوكي على التفكير المصري لا تزال قوية وحية رغم انتهاء المماليك في مصر بمذبحة القلعة سنة 1811م [23].

9- الميل إلى الاستقرار

يميل المصري إلى الاستقرار بشكل كبير، ولا يفضل التغيير؛ فحتى لو ساءت الأحوال وتفاقمت يقنع نفسه دائماً بأن ذلك الحال هو أفضل المستطاع؛ فالخوف من المجهول يراوده دائماً، ويتردد على لسانه: «اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش».

يقول د. المهدي:

والشعب المصري ليس شعباً ثوريّاً؛ لذلك تمر سنوات طويلة على أي ظروف غير مواتية يعيشها، وغالباً يتحرك بعوامل خارجية نحو التغيير تضغط عليه فلا يجد مناصاً من الحركة، أما لو ترك لذاته فهو يميل إلى استقرار الأوضاع إلى درجة الجمود أحياناً؛ طمعاً في الأمن وبقاء لقمة العيش حتى ولو كان أمناً ذليلاً أو لقمة مُرة [24].

وأنا أختلف مع هذا التوجه، وقد أثبتت ثورة يناير عكس ذلك؛ إذ إن من خرج للتغيير وطلباً للحرية كان معظمهم من الفئات الميسورة ومتوسطة الحال، أما الطبقات الدنيا وذوو المصالح مع النظام فإنهم من ينطبق عليهم قول الدكتور المهدي.

فالتعميم يظلم فئات وطبقات لا ترضى الدنية وتأبى العيش في المذلة.

وغالب الشعب يقبل بالأمر الواقع من الطغيان إما للقهر الواقع له، أو للخداع الذي يقع فيه، ونتيجة لهذا القهر أو الخداع أو كلاهما معاً يقبل الشعب بالديكتاتورية بعد الحرية، يقول إيتيان دو لا بويسي:

إنه لأمرٌ لا يُصدَّق أن ترى كيف أن الشعب -من بعد أن جرى إذلاله- يسقط بغتة في نسيان للحرية عميق جدّاً حتى ليغدو مستحيلاً عليه أن تستيقظ ليعود فينالها[25].

ويعود باللائمة على هؤلاء الراضين بالذل والاستعباد دون تململ أو ضجر فيقول:

هو يؤدي دوره رقيقاً بكل طيب خاطر، حتى ليسعنا القول: إنه لم يفقد فقط حريته، بل هو قد فاز بعبوديته.

صحيح أن المرء يخدم بادئ ذي بدء مرغماً ومهزوماً أمام القوة، لكن الناس التابعين يفعلون ذلك غير نادمين، بل يقومون عن طيب خاطر بما قام به سابقوهم قسراً؛ فالناس الذين ولدوا تحت النير، ثم نموا فترعرعوا في ظل العبودية، من غير أن ينظروا البتة إلى ما قد سبق، يرضون بالعيش على نحو ما ولدوا ولا يفكّرون قط في الحصول على خيرات أخرى أو حقوق أخرى سوى ما وجدوا [26].

والجزء الأخير من كلامه لا أوافقه عليه؛ إذ إننا نرى الجيل الجديد يتحرر مما رسف فيه الآباء والأجداد، ويكون غير مكبّل بأوزار ماضٍ قيّد من سبقه؛ لذا فإن النور ينبلج مع هذا الجيل الجديد الذي له حسابات تختلف مع حسابات سابقيه، وله رؤية تختلف مع رؤيتهم للواقع والأنظمة.

فمن أشعل ثورة يناير هم شباب ولدوا في عصر مبارك الذي كان الأمن فيه يفرض سيطرته وسطوته، ويعُدّ على الناس أنفاسهم.

وما حدث في الجزائر بعد 22 فبراير 2019م من دفعٍ للرئيس عبد العزيز بوتفليقة للاستقالة فإنهم شباب لم يعايشوا العشرية السوداء في التسعينيات التي كان رؤوس النظام دائماً ما يخوفون بها الشعب.

10- النكتة الساخرة:

من أسلحة المصريين السلمية منذ عصور بعيدة إطلاق النكات والسخرية من الحكام والسلطة والمجتمع وربما من أنفسهم شخصيّاً.

وتعتبر تلك السخرية تنفيساً وتخفيفاً من آلامهم النفسية، وما يعانونه من قهر وظلم يدفعهم إلى إطلاق مسميات ساخرة على الحاكم أو رجاله؛ “فحين تحاصر المصري الهموم والأزمات، وتثقل كاهله، وتتقلب أمامه الأمور تقلبات لم يشارك فيها, فإنه يشارك في الأحداث بالتعليق الساخر عليها, ويُطلق النكتة بعد النكتة, فيضحك, ويخفف بذلك من التوتر العصبي الذي كان يمكن أن يدفعه إلى الغضب, ويستريح بما تحققه له السخرية بالذين انفردوا بالعمل من ترضية[27], وتصرفه عن الواقع إلى عالم من الخيال والمرح, وهذا ما جعل أحمد أمين يقول في كتابه الشهير (قاموس العادات والتقاليد المصرية): إن النكتة كانت سلاحاً مصريّاً يلجأ إليها المصري تعويضاً عما أصاب الشعب من كبت سياسي واجتماعي, وتنفيساً له من الضائقات التي تنغصه, مما يجعل الحياة أمراً محتملاً.

والنكتة عند المصريين

تختلف عن النكتة عند غيرهم من الشعوب؛ فهي أولاً إحدى السمات المميزة للشخصية المصرية, فهو يستمتع بتأليف النكتة والاستماع إليها حتى لو تكرر سماعه لها.

وأهم الوظائف التي قامت بها النكتة المصرية هي التغطية على الموضوع, وأخذه على المحمل الهين, والانصراف عنه انصرافاً يعفي من التفكير فيه تفكيراً جديّاً، وكأن (فرقعة) النكتة تكفي لإنهاء المشكلة, أو هي في حد ذاتها حل لها (راجع النكت السياسية في فترات الحكم الاستبدادي وما أكثرها في حياة المصريين، وستكتشف أن النكتة كانت تصرف طاقة الغضب اللازمة للتغيير، وبذلك يظل الأمر على ما هو عليه) [28].

والدكتور المهدي يدندن حول نفس الفكرة فيقول:

ولكي يتمكن المصري من مواصلة التكيف وتحمل ثقل الأمر الواقع (الذي لا يسعى جديّاً لتغييره) فإنه يستخدم النكتة والقفشة والسخرية سلاحاً يواجه به من فرض عليه هذه الظروف.

وهذه الوسائل تقوم بتفريغ طاقة الغضب -إن كان ثمة غضب، وتؤدي بالتالي إلى استقرار الأمور, أو بالأحرى إلى بقاء الوضع على ما هو عليه، رغم قسوته وضغطه وتشوهه. ولهذا نجد الحكام, أو على الأقل بعضهم, لا يضيقون بما يصدره الشعب من نكات سياسية تمسهم؛ لأنهم يعرفون أن في ذلك تفريغاً لطاقة الغضب الشعبي, وتأجيل لأي محاولة للتغيير [29].

وأنا أختلف معه في أن النكتة تصرف طاقة الغضب اللازمة للتغيير عند الشعب، بل هي للنكاية في الحاكم ونظامه وحاشيته، وسب له دون مؤاخذة قانونية، والمعارضة له ولأسلوبه في الحكم ولمواقفه ولقراراته.

والنكات على الطغاة تؤثر فيهم وتؤلمهم؛ لأنهم يريدون أن يكونوا أشباه آلهة مقدسة لا يمس جانبها ولو بكلمة، بل تريد المدح الدائم والثناء الذي لا ينقطع، فتأتي النكتة الساخرة منهم فتنغص عليهم حياتهم.

وللأسف يظل التعميم هو السمة الغالبة، فلو قلنا: بعض، أو الكثير، أو القليل، أو الغالب، لكان أولى من وصم المصريين بأمر لا ينطبق على مجموعهم.

11- المقاومة السلبية للنظام

ذكرنا أن المصري دائم التوجس من الحكومة، وهو شديد الاقتناع بأن الحكومة تسرقه وتنهبه، وأنها دائمة الآخذ نادرة البذل، وأنها معادية له بالكلية؛ لذا دائماً ما يلجأ المواطن إلى مقاومة السلطة متخذاً أشكالاً سلبية للمقاومة مثل: التهرب من دفع الضرائب – التحايل على بعض اللوائح والأنظمة – الرشوة للتخليص الجمركي بدلاً من دفع الرسوم كاملة – الهروب من دفع تذاكر القطارات – سرقة الكهرباء من وراء العداد – تهنئة الخارجين من السجن واعتبارهم من الفتوات… إلخ.

وكلما زاد الضغط على الشعب ازداد تفلته من النظام والقانون، وقد استقر في العقل الجمعي للشعب أن الفقير إذا سرق يحاكمه القانون، والغني إذا سرق سرق بالقانون.

لذا فإنه من النادر أن تجد مواطناً يؤدي ضرائبه بانتظام ودقة، وإذا فعل ذلك كان مثار التندر والسخرية، مثلنا في ذلك مثل الفرنسيين تماماً، يقول أندريه سيغفريد:

نحن نعتبر الدولة أشبه ما تكون بكيان خارج على الفرد وأعلى منه, ومن المحتمل أن يكون خطراً عليه. والواقع أننا نعتبر الدولة عدوّاً إلى حد ما, يجب على المرء أن يحمي نفسه منها, ومن الحرص أن يبتعد المرء عنها ما أمكن.

فنحن في فرنسا نحمل شيئاً من الاستنكار الخفي لكل من يدفع ضريبة أو يسدد رسم الجمرك من دون أن يحاول أن يتخلص منها. إننا لا نعتبره شخصاً سيئاً، وإنما نراه مقصراً لم يبذل ما كان في وسعه القيام به [30].

وتظهر المقاومة السلبية -مثلاً-

في عدم المشاركة في مسرحيات الانتخابات والاستفتاءات التي يجريها النظام، ومعلوم أنه يقوم بتزويرها، وأنه لا قيمة لصوت المصري، وإنما يريد النظام أن يظهر للعالم أنه نظام ذو شرعية.

وهذه الحالة التي يراها البعض سلبية هي رسائل للنظام؛ إذ إن الشعب في أقرب فرصة يخرج ليعبر عن صوته الحقيقي، مثلما فعل الشعب في ثورة يناير، وقد شاهدنا ذلك في الجزائر؛ إذ إن الشعب كان عازفاً تماماً عن المشاركة في أي انتخابات بلدية أو تشريعية أو حتى رئاسية، وقد يئست الأحزاب من الشعب واتهمته، وظن النظام بأنه يستطيع أن يفعل بالشعب ما يشاء، وإذا به في لحظة على غير تقدير من النظام والأحزاب يخرج ليغير قواعد اللعبة في الدولة.

 ومن المقاومة السلبية في وجهة نظري أنه في وقت وجود الفتوات في مصر، والذين قد تحدث في بعض الأحيان أن يتم القبض عليهم وسجنهم، فكان أبناء الحي عندما يخرج هذا الفتوة يقيمون له الاحتفالات ابتهاجاً بخروجه، ويأتون إليه زرافات ووحداناً مهنئين بقولهم: “كفارة يا معلم”.

فهذا الفتوة رمز لمقاومة الدولة، الذي يكسر هيبة الشرطة، وينتصر للمساكين، ويقف في وجه الطغاة من ذوي النفوذ.

والمصريون كانوا يقاومون أشد الطواغيت،

وليس صحيحاً أنهم يسكتون دائماً، بل لهم تفانين عجيبة في مقاومة الطغاة.

ومن ذلك ما فعلوه بالحاكم بأمر الله الفاطمي؛ فقد “كان المصريون موتورين منه؛ فكانوا يدسون إليه الرقاع المختومة بالدعاء والسبّ له ولأسلافه، والوقوع فيه وفي حرمه، حتى انتهى فعلهم في ذلك إلى أن عملوا تمثال امرأة من قراطيس بخف وأزوار ونصبوها في بعض الطريق، وتركوا في يدها رقعة مختومة تتضمن كل لعن وشتيمة.

فلما اجتاز بها لم يشك أنها امرأة، وأن الرقعة رقعة ظلامة، فتقدم فأخذها من يدها، ففتحها فرأى في أولها ما استعظمه، فقال: انظروا هذه المرأة من هي؟

فقيل: إنها تمثال معمول من قراطيس.

فقرأ الرقعة كلها وعاد إلى القاهرة، ودخل إلى قصره، وتقدم باستدعاء القواد والعرفاء، فلما حضروا أمرهم بالمصير إلى مصر وضربها بالنار ونهبها، وقتل من ظفروا به من أهلها، فتوجهوا لذلك.

وعرف المصريون ذلك فقاتلوا عن نفوسهم قتالاً بلغوا فيه غاية وسعهم، ولحق النهب والنار الأطراف والسواحل التي لم يكن في أهلها قوة على امتناع، ولا قوة على دفاع.

واستمرت الحرب بين العبيد والرعية ثلاثة أيام، والحاكم يركب كل يوم ويشاهد النار، ويسمع الصياح، ويسأل عن ذلك فيقال له: العبيد يحرقون مصر وينهبونها، والنار تعمل في الموضع الفلاني والموضع الفلاني، فيظهر التوجع، ويقول: من أمرهم بهذا لعنهم الله.

فلما كان في اليوم الثالث اجتمع الأشراف والشيوخ في الجوامع، ورفعوا المصاحف، وعجوا بالبكاء، وابتهلوا إلى الله -تعالى- في الدعاء، فرحمهم المشارقة والأتراك، فانحازوا إليهم وقاتلوا معهم،

وأرسلوا إلى الحاكم يقولون:

نحن عبيدك ومماليكك، وهذا البلد بلدك، وفيه حرمنا وأولادنا، وما علمنا أن أهله جنوا جناية تقتضي سوء المقابلة، فإن كان هناك باطن لا نعرفه أشعرتنا به وانتظرت علينا إلى أن نخرج أموالنا وعيالنا، وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفاً لرأيك أطلعتنا في معاملتهم بما تعامل به المفسدين.

فأجابهم: بأني ما أردت ذلك ولا أذنت فيه، وقد أذنت لكم في نصرتهم والإيقاع بمن يتعرض بهم.

وراسل العبيد سرّاً: بأن كونوا على أمركم، وحمل إليهم سلاحاً قوّاهم به، فاقتتلوا، وأعادوا الرسالة إليه: إنا قد عرفنا غرضك، إنه إهلاك هذا البلد، وما يجوز أن نسلّم أنفسنا.

وأشاروا إلى بعض العبيد في قصد القاهرة، فلما رآهم مستظهرين ركب حماره ووقف بين الفريقين، وأومأ إلى العبيد بالانصراف، وسكّن الآخرين فقبلوا ذلك وشكروه، وسكنت الفتنة.

وكان قدر ما أحرق من مصر ثلثها، ونهب نصفها.

وتتبع المصريون من أُخذ من زوجاتهم وبناتهم، وابتاعوا من العبيد بعد أن فضحوهن حتى قتل منهن نفوسهنّ خوفاً من عار الفواحش المرتكبة منهم [31].

فالمصريون قاوموه بكل طريق وسبيل، لكن البعض يُظهر فقط الصمت ويعتبروه رضا بفعله وإقراراً منهم له بدعواه، ولعل في هذه القصة ما يغير تلك الصورة عن المصريين.

12- ضعف الإدارة الجماعية:

قد ذكرنا أن البيئة الزراعية قد فرضت على المصريين من قديم العمل الجماعي، لكن الظروف قد تغيرت، فتغير الأمر فيما بين المصريين؛ إذ زاحمت الفردية وغلبة الـ”أنا” التوافق مع العمل الجماعي، “وليس هذا من قبيل الأنانية لمجرد الأنانية، ولكنه تأكيد للذات من ناحية, وانصراف عن احتكاك الذات بغيرها من ناحية أخرى مما يعرضها لمواقف تنكشف فيها حقيقتها, أو تذوب فيها شخصية الفرد في شخصية الآخرين.

ويضاف إلى ذلك جذور العصبيات القبلية والعائلية، ونقص التربية الاجتماعية؛ لأن الإنسان يولد بنوازع الفردية والأنانية, ثم ينجح المجتمع أو يفشل في عملية (التطبيع الاجتماعي)، أي: جعل الفرد يتخلى عن جانب كبير من فرديته، والاندماج في الجماعة، واكتساب القدرة على التفاهم والتعاون، والعمل بجدية وإخلاص مع الآخرين, وفي ظل تنظيم اجتماعي أو إداري أو قانوني, فإذا لم تتم عملية التطبيع الاجتماعي كما يجب فإن شخصية الفهلوي تظهر وهي تجيد إظهار الموافقة, ومسايرة الآخرين والتعاون معهم, ولكنه يتخذ هذه المواقف الشكلية من قبيل المجاملة, أو الخوف من الحساب أو العقاب, فيتظاهر بالعمل مع الجماعة ولكن بلا روح ولا التزام.

وهذا هو سر الشكوى من غياب (روح الفريق)، والقدرة على العمل الجماعي في ظل قيادة، ولتحقيق هدف عام وليس لهدف شخصي, بولاء للجماعة.

وفي الأمثال المصرية الكثير مما يعبر عن الروح الفردية مثل: (حصيرة مِلْك ولا بيت شِرْك), ويظهر ذلك -أيضاً- في تعبير كل فرد: (أنا عملت) بدلاً من (احنا عملنا).

بينما سر القوة والنجاح في الدول الكبرى في هذا العصر

هو أنها تؤمن بروح الفريق, وبالعمل الجماعي, وبتعاون عدة أفراد معاً وكأنهم كيان واحد, ينسب إليهم جميعاً النجاح, وينال كل فرد في الجماعة نصيبه من هذا النجاح الجماعي [32].

وعلى الرغم من كثرة الكفاءات الفردية فهناك فشل في توظيفها في فريق جماعي، وتجد التنافر الغيرة والتنافس المذموم، يقول الدكتور المهدي: “فهناك غياب ملحوظ في القدرة على العمل كفريق على الرغم من وجود كفاءات فردية متميزة في كل المجالات، ولهذا نجد بطولات وإنجازات متعددة على المستوى الفردي يقابلها فشل ملحوظ في الإدارة الجماعية.

ففي مصر دائماً أزمة قيادة وأزمة إدارة، ومشكلة دائمة في أي عمل جماعي يزيد أفراده عن شخص واحد، فما اجتمع شخصان إلا ودبت المشكلات في العمل.

وربما يرجع هذا إلى الغرام بالتفوق الفردي والبطولات الفردية والنجم الأوحد والزعيم الأوحد، ذلك الغرام الذي يجعل همّ الناس الانفراد بالمكان والمكانة، والبحث عن الشهرة والمجد الفرديين بصرف النظر عن الإنجاز العام الذي يحتاج لجهود متآزرة ومتناسقة.

تأخر صعود مصر

وقد أدى هذا الوضع إلى تأخر صعود مصر إلى ما تستحقه من مكانة على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الصناعي أو الرياضي، وإلى سبق كثير من الدول الأقل منها حظّاً في الحضارة والملكات الفردية (ماليزيا وتايوان وكوريا كأمثلة).

وحالة الفردية والتفرد تنتشر من أعلى قمة الهرم (السياسي أو الاجتماعي أو الديني) لتصل إلى أدنى مستويات العمل (الأسطى في ورشته)، وتمنع الاستفادة من تراكم العمل الجماعي المتناسق والمتعاون، وتمنع تكوين منظومات عمل قابلة للنمو والتطور من جيل لجيل، وهذا الغياب لتلك المنظومات يجعلنا نبدأ من الصفر في كل مرحلة ونعيد نفس الأخطاء [33].

ولعل تجربة ثورة يناير خير مثال على كلام د. المهدي؛ فقد فشلت التيارات السياسية قاطبة في إيجاد صيغة عمل جماعي يمكّنها من العمل مجتمعة في بناء الوطن تحت مظلة واحدة أو فكرة جامعة، لكن الفردية والميل نحو المكاسب الشخصية للأفراد أو الأحزاب أو الجماعات كان لها اليد الطولى في إدارة العمل وتوجيهه.

وحتى بعد انقلاب 30/6 لم تنجح قوى المعارضة حتى الآن في تأسيس عمل جماعي له أطر محددة وأهداف معينة، بل يسلك كل تيار مسلكاً مختلفاً وطريقاً مغايرة لباقي الأطراف.

والجماعات الإسلامية لم تنجح في الاستفادة من قدرات أفرادها،

ورغم أنها تقوم على العمل الجماعي، إلا أنه العمل الجماعي الذي تجتمع كل خيوطه في يد قلة قليلة تتحكم في كل شيء، هو تنظيم هرمي قد يتحكم فيه من لهم القدرة على إحكام القبضة التنظيمية، وليس إدارة الكفاءات وتوظيفها.

ومعظم المؤسسات التي تنشئها تلك الجماعات تفشل، إما لجلب قيادة ليس لها علاقة بمجال عمل المؤسسة، أو لتدخل القيادة في سير عمل المؤسسة، أو لعدم وجود روح الفريق بين أفراد المؤسسة.

والعجيب أنه في عصر التكتلات الكبرى تزداد الحركات الإسلامية تشظياً، وأهل الفكر يعملون بطريقة فردية.

ولأن الجماعات الإسلامية ترعرعت في الجامعات، فإنها تعتبر جماعات يغلب عليها النخبوية، وتلمس في بعض الأحيان أنهم غير مطواعين لبعضهم بعضاً في مجموعات العمل؛ إذ يرى كل واحد في المجموعة أنه أولى من غيره في المسؤولية، فتفشل المجموعة واللجنة من هذا الباب.

وتلمس هذا أكثر في الانشقاقات والانعزال عن العمل الجماعي.

13- الهروب من المسئولية الشخصية ووضع الأشياء على مشاجب خارجية

وهذه أحد السمات البارزة والمشكلة في الشخصية المصرية؛ حيث ترى في أغلب الأحوال أن ما حدث هو نتيجة للحظ أو الصدفة أو القدر أو تأثير أو تقصير أشخاص آخرين.

وهذا الإسقاط يريح الشخص ويجعله يشعر أنه غير مسئول عن شيء، ولكنه في ذات الوقت يعطل نضجه ونموه ويجعل مشاكله تتراكم؛ لأنه لا يوجد شيء يفعله طالما هو غير مسئول، ويجعل الأمور تسير على نحو غامض وضبابي، فليست هناك علاقة واضحة -في وعي المصري- بين العمل والنجاح أو بين الاجتهاد والإنجاز؛ لذلك حين يريد النجاح والإنجاز فهو يكتفي إما بالتوجه إلى الله بالدعاء، أو التوجه إلى أشخاص ذوي نفوذ يتملقهم ويطلب رضاهم.

وإذا فشل في تحقيق أهدافه فالسبب في ذلك يأتي من هنا أو من هناك، ولكنه ليس منه، وبالتالي فليس لديه شيء يفعله ليغير النتيجة غير الانتظار حتى تتعدل الظروف أو تتحسن الأحوال.

وهذا الموقف هو عكس وجهة الضبط الداخلية التي تكون لدى الشخصيات الناضجة والشعوب الناضجة التي ترى أنها مسئولة مسئولية مباشرة عن نجاحها أو فشلها، وترى أن ما يحدث لها هو نتيجة لما تقوم به من أفعال، وأنها تملك السيطرة على حياتها، وأن هناك قوانين واضحة ومحددة للنجاح وللإنجاز، وأن تفكير وجهد الإنسان اليوم هو الذي يصنع الغد [34].

ومن هنا نستطيع تفسير ظاهرة المؤامرة التي غلّفت عقول المصريين، وجعلتهم ينسبون كل كارثة أو انكسار أو هزيمة إلى قوى خفية عالمية. حتى داخل التيار الإسلامي وما تعرض له من انكسارات وسقطات يرجعها برمتها إلى تكالب القوى العالمية عليه والتخطيط لإسقاطه، تاركاً التفسيرات العقلية والعلمية جانباً، وتاركاً جوانب القصور والضعف التي أوتي من قبلها بدون علاج أو حلول.

والبعض قد ينسب تلك السقطات والنكسات إلى القدر، وأنها كانت قدراً مقدوراً متجاهلاً أن أخطاءه وكوارثه السياسية والفكرية هي التي أودت به إلى التهلكة.

وذلك النهج من التفكير يعمل على تفاقم الكوارث وزيادة حدتها؛ فالشخص يتجاهل هنا مشكلته الحقيقة وأسبابها الفعلية، ويركن إلى تلك النظرية المريحة الناعمة بأنه ليس بيديه شيء، وأن الظروف والأحوال كما انقلبت من تلقاء نفسها ستعتدل وتتحسن من تلقاء نفسها.

14- تفادي الخطر والبعد عن المشاكل

جاء في كتاب (وصف مصر): المصري خجول بطبعه، وهو يتفادى الخطر بقدر ما يستطيع، لكنه -ما إن يجد نفسه وسط المخاطر بالرغم من حيطته- يبدي همة ما كنت تظن في البداية أنها لديه، وليس ثمة ما يساوي رباطة جأشه وفي نفس الوقت تواكله، ولقد واتتنا الفرصة لتسجيل هذه الملاحظة عدة مرات أثناء حملتنا، وهذا ما يبرهن على ما سبق أن قلناه من أن إصلاح مساوئ نظام الحكم سوف يؤدي -بسهولة فائقة- إلى أن يرد لهذا الشعب كل الفضائل التي فقدها، بل التي لا يظنها هو نفسه كامنة فيه.

كما أن ذلك سوف يوقظ فيه كل مشاعر النبل والهمة وعظمة الروح التي خنقتها إلى حين تلك الأنظمة الشيطانية التي يرزح تحت نيرها؛ إذ تعمل هذه الأنظمة الخبيثة على تدمير أخلاقيات الأفراد بشكل محزن.

ومن هنا ذلك الشح الوضيع الذي يلاحظ عند أبناء الطبقة الدنيا من المجتمع، وذلك الرياء الذي نجده لدى كل أفراد المجتمع؛ فحيث إن المصري يلقى الهوان في طاعة الكبار -الذين يعرفون تماماً معنى تلك السلطة التي في حوزتهم والتي لا حدود لها، والذين يتحكم فيهم خيلاؤهم الشرس- فإنه -أي: المصري- يحمل بين جوانحه روحاً منكسرة تشي عن نفسها في كل حركاته وإيماءاته، فيتذلل ويتحسس كلماته مع كل من يخشى قوتهم ونفوذهم، وعندما يتاح له أن يُدرج في مصاف الأثرياء فإنه يعمل على إشعار البؤساء الذين يأتمرون بأمره بوطأة استعلائه وتحكمه، وتلك نتيجة طبيعية للتربية التي تلقاها، وللأمثلة والقدوة التي رآها في حياته، والتي آن أوان أن يحتذي بها [35].

15- ادعاء الفهم في كل شيء:

بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت سلبية خطيرة، وهي أنك تجد كثيراً من رواد تلك الوسائل يدلون بدلوهم في كل حادثة في العالم، وفي كل نازلة، ويأتون فيها برأي، ولا ينتظرون حتى تستبين الأمور وتتضح.

وهذه الظاهرة لها تسميات مثل: «الفَتْي – الهَرْي – الهَبْد».

فكأنهم يفهمون في كل شيء، ويقومون بتحليل كل شيء دون معطيات أو معلومات دقيقة أو حتى أدوات سليمة للتحليل.

16- المزاح وقت الجد

غلبة المزاح على المصريين  في مواقف الجد تجعلهم لا يقدرون الأمور قدرها الصحيح، وعند نزول الحادثة والنازلة بهم تطيش عقولهم، وقد يصاب الكثير منهم بصدمات نفسية تكسر هذه الروح التي كانت تغلب عليهم.

ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما كان يحدث في الاعتصامات بعد انقلاب 3/7؛ فقد كان النظام الانقلابي وشرطته يرسلون رسائل للمعتصمين بالفض، فكان المعتصمون يأخذون هذه الرسائل مأخذ الهزل.

ومن أشهر ما كان يقال: «ساعة الفض لا تُعوّض».

ولما نزلت النازلة لم يغن المزاح والهزل عنهم شيئاً، وكانت الصدمة التي كسرت النفوس.

وفي المحاورات بين المصريين لما يكثر الهزل والمزاح يضيع الفائدة المرجوة من الكلام الجاد، ويظهر هذا العيب بوضوح كذلك على منصات الوسائل الاجتماعية، فيكتب أحدهم منشوراً جادّاً، فيدخل المعلقون بروح مازحة هازلة فيضيع الجد وتذهب فائدة المنشور سدى.

فهذا الاستظراف غير مطلوب في مثل هذه المواقف والظروف.

وفي منثور الحكمة: من أحب البقاء فليعد للمصائب قلباً صبوراً.

وقال بزرجمهر: لم أر ظهيراً على تنقل الدول كالصبر، ولا مذلاً للحساد كالتجمل، ولا مكسبة للإجلال كتوقي المزاح، ولا مجلبة للمقت كالإعجاب، ولا متلفة للمروءة كاستعمال الهزل في موضع الجد [36].

وقال الوضاحي: وجّه أنوشروان رسولاً له إلى ملك قد أجمع على محاربته، وأمره أن يتعرف سيرته في نفسه ورعيته.

فرجع إليه فقال: وجدت عنده الهزل أقوى من الجد، والكذب أكثر من الصدق، والجور أرفع من العدل.

فقال أنوشروان: رزقت الظفر به.

وقال بزرجمهر: المزح آفة الجد، والكذب عدو الصدق، والجور مفسدة، فإذا استعمل الملك الهزل ذهبت هيبته، وإذا استصحب الكذب استخف به، وإذا بسط الجور فسد سلطانه.

وكان نقش خاتم رستم وهو أحد ملوك الفرس: الهزل مبغضة، والكذب منقصة، والجور مفسدة [37].

منحدرات الشخصية المصرية

يقول الدكتور المهدي: “تسير الشخصية المصرية على منحدر في بعض من سماتها؛ حيث يبدأ المنحدر في أعلاه بصفة إيجابية، ثم يتدرج إلى أن يصل إلى صفة سلبية, وفيما يلي بعض الأمثلة:

1- من التسامح إلى التساهل إلى التسيب

في ظروف معينة نجد هذه الصفة الإيجابية تتحول تدريجيّاً إلى حالة من التساهل مع الآخرين في ظروف العمل، أو في الأخطاء التي يرتكبونها؛ فهناك ميل دائماً للعفو والتساهل, وهذا الميل يصل في النهاية إلى حالة من التسيب تترك آثاراً سيئة على الانضباط والالتزام المطلوب لنجاح أي عمل.

2- من الكرم إلى الإسراف إلى البذخ إلى السفه

صفة الكرم قد تتحول عند البعض إلى حالة من البذخ والسفه؛ فنجد أنه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة ينفق الناس بسفه في الأفراح والحفلات, ويكلفون أنفسهم ما لا يطيقون، وربما يستدينون في سبيل الظهور بمظهر الأثرياء.

3- من المطاوعة إلى المسايرة إلى الخضوع

المصري لا يميل إلى التصلب أو العناد، بل هو أقرب للمرونة والمطاوعة، وكثيراً ما تتحول إلى حالة من المسايرة حيث يلغي الشخص خياراته لحساب الآخر خداعاً (خذه على قد عقله), أو تكيفاً (اربط الحمار مطرح ما يعوز صاحبه)، أو يأساً وضعفاً (هو احنا ها نغير الكون) (ما يقدر على القُدرة إلا اللي خالقها)، أو سعياً نحو الراحة السلبية (كبّر – نفّض – فوّت – طنّش – عدّيها).

وإذا زادت الضغوط -خاصة إذا كانت تحمل بصمة سلطوية- فإن خيار الخضوع -لا المواجهة- يصبح أكثر احتمالاً, والخضوع هنا يلبس مسوح الحكمة أو تقدير الظروف, أو الحفاظ على لقمة العيش, أو تربية العيال.

وأحياناً يلبس الخضوع رداءً دينيّاً -يعضده علماء السلطة- يدعو إلى طاعة أولي الأمر وجعلها ردفاً لطاعة الله وطاعة الرسول.

وفي مرحلة تالية قد يتبنى الشخص المطيع أو المساير أو الخاضع خيارات المتحكم فيه ويقنع نفسه بوجاهتها وأهليتها للاتباع, وهذا ما يطلق عليه: (التوحد مع المعتدي), فنجد المصري يبرر آراء المستبدين ويتبناها وربما يروج لها.

ولا ينجو من هذا المصير غير أصحاب البصيرة القوية، ومن لديهم القدرة على الفكر النقدي بعيداً عن الانزلاقات الدفاعية، أو التحيزات الوجدانية.

4- من حب الاستقرار إلى فرط الاستقرار إلى الجمود

لقد فرض نهر النيل وما أرساه من طبيعة زراعية مستقرة على شاطئيه حالة من الاستقرار المعيشي جعلت المصريين يميلون للمحافظة عليها، والتمسك بها حتى أصبحت هذه الحالة جزءاً من سماتهم الأصيلة لقرون طويلة، حتى تحولت مع الوقت إلى حالة من فرط الاستقرار, وفي كثير من الأوقات إلى حالة من الجمود, على اعتبار أنه (ليس بالإمكان أبدع مما كان – اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش – من فات قديمه تاه – من طلع من داره اتقلّ مقداره).

وسمة الاستقرار -التي تحولت إلى فرط الاستقرار ثم إلى الجمود- تحظى بحفاوة وتشجيع ممن حكموا مصر على مر العصور,

وهم يجعلونها مصدراً للفخر لدى شعوبهم؛ لأنها في النهاية تصب في مصلحة الحاكم الذي يريد أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه.

5- من الصبر إلى الرضى بأقل القليل إلى قلة الحيلة إلى التسليم

إذا كان الصبر هو التحمل وضبط النفس على مضض فإن الإنسان المصري يتحول مع طول الصبر إلى حالة من الرضا قد يسعى إليها سعياً أو يضطر إليها اضطراراً.

وشيئاً فشيئاً يتحول الصبر إلى صبر سلبي يعاني منه المصريون دون أن يفعلوا شيئاً لتغيير واقعهم, ثم يتحولون إلى حالة من الرضى بالفتات يفقدوا معها الدافع للنمو والحركة والتطور,

ثم يصلون إلى حالة من قلة الحيلة وفقد القدرة على التغيير تنتهي بحالة من التسليم أو الاستسلام للأمر الواقع.

6- من المرح إلى الصخب إلى الفوضى

حين يتحول المرح إلى صخب كما هو الحال في الأفراح والموالد وكل المناسبات، فإن هذا يؤكد فكرة رد الفعل أو التكوين العكسي,

وكأن المصري يحاول أن يبالغ في فرحه ليهرب من الحزن الكامن بداخله.

وشيئاً فشيئاً يتحول المرح إلى فوضى حيث تنطلق الميكروفونات بالأغاني والموسيقى في كل فرح وفي كل مقهى, وفي كل رحلة أو معسكر,

وفي كل نادٍ أو باخرة نيلية, دون اعتبار لعوامل الراحة أو السكن لبقية الناس,

فمظاهر الفرح تفرض على الجميع قهراً وقسراً بأشكالها المعتدلة والفجة على السواء.

والتحول عبر صفات المنحدر ليس حتميّاً لدى كل المصريين؛ فبعضهم يحتفظ بالسمات الإيجابية دون تحول إلى الدرجات السلبية الناشئة عن تشويهها,

ولكن الملاحظ أن نسبة غالبة من المصريين قد انزلقت أقدامهم إلى درجات أدنى على المنحدر

فتحولت كثير من الصفات الإيجابية إلى صفات سلبية دون الانتباه إلى ما حدث, أو قد يحدث الانتباه دون إرادة حقيقية للتغيير[38].

الهامش

[1] الشخصية المصرية، الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية.

[2] د.ناجح إبراهيم: الشخصية المصرية.. أين مفتاحها؟ (مقالة)، نشرت في 25يونيو 2018م، موقع الوطن.

[3] هاجر حسونة: شهامة المصريين.. ومن الفهلوة ما قتل (مقالة)، نشر في الشروق الجديد يوم 19/8/2010م، موقع مصرس.

[4] مفتاح الشخصية المصرية (الفهلوة)، رابطة الاخصائيين النفسيين بإدفو، نشرت في 14مايو 2013م.

[5] وهو شخص معتل نفسيّاً يجيد تمثيل دور الإنسان العاقل،

ولديه القدرة على التأثير على الآخرين والتلاعب بأفكارهم، ويتلذذ بإلحاق الأذى بالآخرين، ولا يهمه إلا نفسه وملذاتها.

[6] الشخصية المصرية (الإيجابية أو السلبية)،

http://forums.learn4arab.com/viewtopic.php?f=37&t=522،

نشرت في 7يناير 2009م.

[7] أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري: مجمع الأمثال،

تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، (2/76).

[8] الشخصية المصرية (الإيجابية أو السلبية)،

 http://forums.learn4arab.com/viewtopic.php?f=37&t=522،

نشرت في 7يناير 2009م.

[9] الفهلوي.. النمط السائد في الشخصية المصرية، نشر في القاهرة يوم 8/6/2010م،

موقع مصرس.

[10] الشخصية المصرية، موقع واحة النفس المطمئنة.

[11] الفهلوي.. النمط السائد في الشخصية المصرية، موقع مصرس.

[12] الشخصية المصرية (الإيجابية أو السلبية)،

http://forums.learn4arab.com/viewtopic.php?f=37&t=522،

نشرت في 7يناير 2009م.

[13] السابق.

[14] د.محمد المهدي: الشخصية المصرية، موقع واحة النفس المطمئنة.

[15] نقد العقل العربي، ص(30).

[16] السابق، ص(31).

[17] السابق، ص(31-32) باختصار.

[18] د.مصطفى حجازي: التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ص(72).

[19] “هي حالة من الجمود الفكري، يتعصب فيها الشخص لأفكاره لدرجة رفضه الاطلاع على الأفكار المخالفة،

وإن ظهرت له الدلائل التي تثبت له أن أفكاره خاطئة، سيحاربها بكل ما أوتي من قوة،

ويصارع من أجل إثبات صحة أفكاره وآرائه” [موقع ويكييبيديا].

[20] الشخصية المصرية، موقع واحة النفس المطمئنة.

[21] صدر الكتاب عام 1998م.

[22] نقد العقل العربي، ص(20-22) باختصار.

[23] السابق، ص(61-62) باختصار.

[24] الشخصية المصرية، موقع واحة النفس المطمئنة.

[25] العبودية الطوعية، ص(160).

[26] السابق، نفس الصفحة.

[27] كذا.

[28] الشخصية المصرية، موقع واحة النفس المطمئنة.

[29] السابق.

[30] أندريه سيغفريد: روح الشعوب، ترجمة: عاطف المولى، سلسلة ترجمان،

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، الطبعة الأولى، 2015م، ص(66-67) باختصار.

[31] جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك،

تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ – 1992م، (15/139-140).

[32] الشخصية المصرية، موقع واحة النفس المطمئنة.

[33] السابق.

[34] السابق.

[35] علماء الحملة الفرنسية: وصف مصر المصريون المحدثون، ترجمة: زهير الشايب،

إهداءات 1993 صندوق التنمية الثقافية، مصر، الطبعة الثالثة، 1992م، (1/128).

[36] سراج الملوك، ص(98).

[37] السابق، ص(188) باختصار.

[38] الشخصية المصرية، موقع واحة النفس المطمئنة.

من محمد فتحي النادي

باحث في الفكر الإسلامي - مؤلف ومحقق