قبل أيام، خرج علينا بنك «جي بي مورغان» بتوقعات مرعبة يحذر فيها من أن أسعار النفط قد تقفز إلى 380 دولاراً للبرميل مقابل نحو 104 دولارا حالياً، إذا دفعت العقوبات الأميركية والأوروبية روسيا إلى تخفيضات انتقامية في إنتاج النفط الخام، وبواقع 5 ملايين برميل في اليوم دون الإضرار باقتصادها بشكل مفرط، ما قد يسفر عن نتائج كارثية لمعظم دول العالم.
كما توقع البنك الأميركي أن تصل أسعار خام لندن القياسي إلى 190 دولارا إذا خفضت روسيا الإمدادات اليومية من النفط بواقع 3 ملايين برميل، يزداد الأمر سوءاً في حال وقف روسيا إمداداتها من الغاز لأوروبا، وهنا نجد قفزة جنونية في أسعار الغاز قد تفوق القفزة المتوقعة في سعر الخام الأسود.
السيناريو الذي طرحه البنك الأميركي قائم خاصة مع إصرار التحالف الغربي على سياسة «تصفير» صادرات الطاقة الروسية من نفط وغاز طبيعي، وحظر تلك الصادرات بشكل تام بنهاية العام الجاري، وتحديد سقف لسعر النفط الروسي وإلزام المشترين به، والإصرار على خطة تجفيف منابع تمويل الحرب الروسية على أوكرانيا، وشل حركة الاقتصاد الروسي القائم على الإيرادات النفطية.
وهنا قد تلجأ موسكو إلى سياسة انتقامية للرد على الخطوات الغربية تتمثل في عدم تصدير إنتاجها النفطي، وبذلك تنتقم من العقوبات بوقف صادراتها أو على الأقل خفضها بما يتواكب مع مصالحها، مع البيع للدول الصديقة بخصومات كبيرة كما يحدث حاليا مع الصين والهند ودول جنوب شرق أسيا ومنطقة وسط أسيا.
وفي حال حدوث هذه التوقعات، فإن أسعار النفط ستصل إلى مستويات قياسية لم تصل إليها من قبل، حيث إن أعلى سعر سجله البرميل الواحد في التاريخ كان 147.02 دولارا يوم 11 يوليو 2008، وقبيل الكشف عن أسوأ أزمة مالية شهدها العالم، ولم يتجاوز السعر ذلك المستوى حتى في ذروة اندلاع الحروب والكوارث وزيادة المخاطر الجيوسياسية.
وجي بي مورغان JPMorgan Chase لمن لا يعرفه، هو واحد من أكبر بنوك الاستثمار في العالم، وأحد أكبر البنوك الأميركية، وهو حاصل اندماج بنكين أميركيين قبل سنوات، وتتجاوز أصوله 2.5 تريليون دولار، ولديه تواجد وأنشطة في أكثر من 60 دولة حول العالم، ولديه خبراء ومحللون محترفون خاصة في مجال إدارة الأموال والاستثمارات والمشتقات المالية والنفط وغيرها.
ولذا، يجب أخذ تلك التحذيرات الخطيرة والتحليلات على محمل الجد من قبل حكومات الدول المستوردة للطاقة خاصة أن وصول سعر النفط إلى هذا المستوى قد يقلب الاقتصاد العالمي رأسا على عقب، ويعجل بانهيار اقتصادات أسواق ناشئة وإفلاس دول، وشل قطاعات اقتصادية مهمة مثل الصناعة والإنتاج والخدمات في دول كبرى.
بل وقد تتسبب قفزة النفط في حدوث ظلام كامل في العديد من دول العالم خاصة وأن محطات الطاقة وتوليد الكهرباء تعتمد على النفط والغاز في عملية الإنتاج، إضافة إلى حدوث شلل في أنشطة رئيسية مثل النقل والمواصلات والشحن وتكاليف السفر والطيران وحركة التجارة غيرها.
قد تتسبب قفزة النفط في حدوث ظلام كامل في العديد من الدول خاصة وأن محطات الطاقة وتوليد الكهرباء تعتمد على النفط والغاز في الإنتاج
بالطبع، هناك مستفيدون من قفزة سعر النفط منها الدول العربية المنتجة وفي مقدمتها دول الخليج التي ستتدفق مئات المليارات من الدولارات إلى خزائنها وصناديقها السيادية واحتياطياتها من النقد الأجنبي.
وهناك دول عربية أخرى مستفيدة بشدة من قفزة سعر النفط سواء الحالية أو المتوقعة في مقدمتها العراق وليبيا والجزائر، فهذه القفزة تنقذ هذه الدول من أزمات مالية خانقة كانت تمر بها حتى وقت قريب، وتعيد بناء احتياطياتها من النقد الأجنبي التي تهاوت خلال جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، وتمنحها القدرة على سداد أعباء ديونها الخارجية وكلفة وارداتها.
لكن في المقابل، فإن معظم الدول العربية ستعاني بشدة من قفزة سعر النفط ومعها الغاز الطبيعي، فالقفزة ستؤدى الى حدوث طفرات أكبر في أسعار المشتقات البترولية ومنها البنزين والسولار والمازوت.
وهذه القفزة ستكون لها انعكاسات خطيرة على حياة المواطن وتكلفة المعيشة والإنتاج وأسعار الأغذية وأزمات مرور، والأنشطة الاقتصادية كافة، وتدفع الاقتصادات الوطنية نحو الركود والكساد، والموازنات العامة نحو عجز حاد.
وهنا يبقى السؤال مطروحاً: هل الحكومات مستعدة لهذا السيناريو الأسود إن صدقت توقعات «جي بي مورغان» وقفز سعر النفط إلى 380 دولاراً للبرميل؟
- مصطفى عبد السلام يكتب: لماذا تتهرّب الأموال الخليجية من البلدان العربية؟ - يونيو 28, 2023
- مصطفى عبد السلام يكتب: بزنس المرتزقة.. فاغنر نموذجا - يونيو 27, 2023
- مصطفى عبد السلام يكتب: ماذا ينتظر روسيا والعالم بعد تمرّد فاغنر؟ - يونيو 26, 2023