منذ إعلان اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، مساء الخميس الماضي، “المعركة الحاسمة” للتقدّم نحو قلب العاصمة طرابلس، بدأت الأزمة الليبية تتدحرج سريعاً نحو تصعيد إضافي، لم يقف عند حدود الداخل بل امتد لينفجر استقطاباً وتوتراً إقليمياً، خصوصاً مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أسبوع استعداد بلاده لإرسال قوات إلى ليبيا إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني ذلك، وذلك بعد توقيع اتفاقيتي تعاون أمني وبحري بين أنقرة وحكومة فائز السراج المعترف بها دولياً، ثم دخول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الخط، مساء الأحد، متهماً حكومة السراج بأنها “أسيرة للمليشيات الإرهابية”، وهو ما استدعى رداً مباشراً من الأخيرة.
وفي وقت يزداد فيه التوتر الداخلي، عبر مواجهات ومحاولات تقدّم تقوم بها مليشيات حفتر في جنوبي طرابلس تتصدى لها القوات الحكومية، يتصاعد الاستقطاب الإقليمي مع مؤشرات على استعداد أنقرة لإرسال قوات عسكرية إلى طرابلس إذا استدعت الحاجة. وفي هذا السياق، وافقت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان التركي، أمس الإثنين، على مقترح قانون للمصادقة على مذكرة التفاهم المبرمة بين أنقرة وحكومة السراج بشأن التعاون الأمني والعسكري بين البلدين. وتشمل مذكرة التفاهم التعاون في مجالات الأمن، والتدريب العسكري، والصناعات الدفاعية، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، واللوجستيات والخرائط، والتخطيط العسكري، ونقل الخبرات، وتأسيس مكتب تعاون دفاعي وأمني متبادل حال المطالبة به. وكان أردوغان قد استقبل السراج، مساء الأحد، في إسطنبول بعيداً عن الإعلام، وذلك للمرة الثانية خلال ثلاثة أسابيع.
“وخلال مقابلة مع قناة “خبر” التلفزيونية التركية، مساء الأحد، اكتفى أردوغان في ردّه على سؤال عن هذا اللقاء بالقول إن “تركيا تقرر لوحدها المبادرة التي تتّخذها” في حال طلبت حكومة الوفاق من أنقرة إرسال قوات تركية. وأضاف “لقد قلت سابقاً إننا مستعدون لتقديم كل أنواع الدعم إلى ليبيا”. وتابع: “سنحمي حقوق ليبيا وتركيا في شرق المتوسط… نحن أكثر من مستعدين لتقديم أي دعم لازم إلى ليبيا”. وأضاف أردوغان أن حفتر “زعيم غير شرعي… ويمثل هيكلاً غير شرعي”.
وفي هذا السياق، أكد مصدر في الخارجية التركية أن أنقرة لا تستبعد أي تدخل عسكري ميداني في ليبيا، وكل شيء وارد، لأن القضية مصيرية بالنسبة لتركيا، خصوصاً ما يخص التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، مشدداً على أن أنقرة مستعدة للمضي قدماً في تنفيذ الاتفاقية مع حكومة الوفاق ودعمها وهي جاهزة لكافة الاحتمالات.
وفي سياق الحراك الدولي في الملف الليبي، أعلن الكرملين، أمس، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أشارا، في اتصال هاتفي، إلى أهمية منع التصعيد في ليبيا. وأوضحت الرئاسة الروسية أن بوتين “أكد استعداد روسيا لمواصلة المساعدة في جهود الوساطة الذي تبذلها ألمانيا والأمم المتحدة في هذا المسار”.
في موازاة ذلك، يزور وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو طرابلس، اليوم الثلاثاء، لبحث “عدد من ملفات التعاون المشترك التي تشمل مجالات الأمن والاقتصاد”، وكذلك “التنسيق المشترك في مواجهة الهجرة ومكافحة الاتجار بالبشر”.
داخلياً، شددت الحكومة الليبية، أمس، على رفضها أي تهديد يمس السيادة الوطنية، داعية السلطات المصرية إلى لعب “دور إيجابي” يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين. وفي بيان صدر عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أعرب الأخير عن استغرابه الشديد تصريحات أدلى بها السيسي، الأحد، واتهم فيها الحكومة بأنها “مسلوبة الإرادة” و”أسيرة للمليشيات الإرهابية”. وأضاف السيسي: “كان الأولى بنا أن نتدخل بشكل مباشر في ليبيا، ولدينا القدرة، لكننا لم نفعل ذلك”.
وإذ ذكر المجلس الرئاسي أن الحكومة “تتفهم حق الدولة المصرية في تحقيق أمنها القومي”، أكد “عدم القبول بأي تهديد يمس السيادة الوطنية الليبية”. وأكد البيان شرعية الحكومة ومشروعيتها في أداء عملها واستقلالية قراراتها وبسط سلطتها على كافة المؤسسات، مذكراً “الجميع بالملحمة الوطنية التي قادتها ضد تنظيم داعش الإرهابي في سرت والقضاء عليه في زمن قياسي”. ولفت المجلس إلى أنه “يأمل أن يكون لمصر دور جوهري يحظى بثقة الجميع في إطار دعم الاستقرار والسلم الأهلي في ليبيا، بدلاً من دعم تشكيلات مسلحة خارجة عن الشرعية المعترف بها دوليا يقودها مجرم حرب قامت بالاعتداء على العاصمة، رمز وحدة ليبيا واستقرارها”، في إشارة إلى حفتر.
ميدانياً، تجددت الاشتباكات، أمس، بين القوات التابعة لحكومة الوفاق ومليشيات حفتر، في محور صلاح الدين، جنوبي طرابلس، وسط سماع أصوات للمدفعية الثقيلة. وقال مصطفى المجعي، المتحدث باسم المركز الإعلامي لعملية “بركان الغضب” التابعة لحكومة الوفاق، لوكالة “الأناضول”، إن “مسلحي حفتر هم الذين بادروا بالهجوم على تمركزات قواتنا”. كما كشفت مصدر عسكري مقرب من “بركان الغضب”، لـ”العربي الجديد”، عن استعدادات عسكرية كبيرة لعملية واسعة في جنوبي العاصمة.
جاء ذلك فيما كانت مدينة مصراتة، شرقي طرابلس، قد أعلنت حالة النفير ووضع كل ثقلها وإمكانياتها تحت تصرف حكومة الوفاق لمعركة الحسم في العاصمة. وفي بيان صدر عن المجلس البلدي للمدينة، نشره المركز الإعلامي لعملية “بركان الغضب”، أعلن تشكيل غرفة طوارئ في المدينة لتسخير كافة الإمكانيات والقدرات لمعركة الحسم.
“في السياق، نفى المتحدث باسم الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، محمد قنونو، صحة ما يتردد عن اقتراب مليشيات حفتر من السيطرة على طرابلس. وعن تأكيد أردوغان استعداد بلاده لإرسال قوات إذا طلبت حكومة الوفاق ذلك، قال قنونو في حديث لوكالة “الأناضول”: “سيكفينا الدعم اللوجستي، وفقاً للاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، وفي أمور محدودة”. وبشأن مستجدات معركة طرابلس، قال قنونو إن “الأوضاع الميدانية ما زالت لصالحنا، لكن المدنيين يعانون بسبب القصف الجوي من الطيران الداعم لمجرم الحرب حفتر”. وأضاف: “بالحسابات العسكرية التي نعرفها، وبمعرفتنا بما لدينا وما لدى العدو، فإن أبوظبي أقرب إلى حفتر من طرابلس”.