الأخبار

أخطاء شائعة في التلاوة والتجويد (1)

By مجاهد ديرانية

June 11, 2020

أكرمني الله عز وجل بتدريس التجويد زماناً، احتساباً أرجو به وجه الله، وقد لاحظت دائماً مشكلات شائعة في الأداء يعاني منها كثيرون. وهذا شهر القرآن الذي يتفرغ فيه المسلمون للتلاوة والختمات، فخطر ببالي أن أنشر بعض الفوائد والملاحظات، ليس على سبيل تعليم التجويد، فإنه لا يُتلقى إلا مشافَهة وله مدارسه ومدرّسوه، وإنما على سبيل التنبيه إلى طائفة من أكثر أخطاء الأداء شيوعاً بين المتعلمين.

 

سأبدأ بواحد من أشيع الأخطاء في الأداء، وهو “عدم تحقيق الضم والكسر”، وإمالتهما إلى صَوتين لا تعرفهما العربية الفصيحة وليسا من الأصوات الليّنة التي توجد في القرآن.

 

لنتعرف أولاً إلى الأصوات اللينة، ما هي؟ المشهور أن في لغتنا العربية الفصيحة ستة أصوات ليّنة، ثلاثة طويلة هي الألف والواو والياء، وهي حروف المد في التجويد، وثلاثة قصيرة هي الفتحة والضمة والكسرة. وأنا أستحسن أن أجعل الأصوات الطويلة أربعة لأن للألف الليّنة طبقتين، مفخَّمة ومرقَّقة بحسب ما قبلها، حرف استعلاء أو حرف استِفال، فهما صورتان في النطق وإن رُسمتا صورةً واحدةً في الكتابة. لاحظوا مثلاً الفرق بين نطق الألفَين في “قال” و”مال”. ضع إصبعَي السبابة والإبهام على طرفَي الفم ولاحظ كيف يتحرك الحنكان في فكك السفلي مع نطق هذه الكلمة وتلك، ومَن نظر إلى المرآة وهو ينطق الكلمتين لاحظ الفرق بوضوح.

 

هذا ما أراه أقرب إلى الصواب، وهو أكثر اتفاقاً مع قواعد علم الصوتيات الحديث.

 

ينبغي على قارئ القرآن أن يدرك أن كل ما في القرآن من أصوات ليّنة محصورٌ بهذه الأصوات السبعة، ما عدا كلمةً واحدةً فيها ألفٌ مُمالة، هي كلمة “مَجراها” (وتُرسم في المصحف بالياء “مَجريها”) في قوله تعالى في سورة هود: “وقال اركبوا فيها، باسم الله مَجراها ومُرساها”. وكلكم تعرفون طريقة لفظها، كما نلفظ ياء “بيت” في عامية بلاد الشام. وتعريف الإمالة في كتب اللغة هو أن ينحو القارئ في الألف نحو الياء، ومثلها أن ينحو في الفتحة نحو الكسرة.

 

ليس في القرآن (في رواية حفص عن عاصم التي نقرأ بها في المشرق) إمالة إلا في هذه الكلمة، وتوجد في مواضع كثيرة في المصحف عند غيره من القرّاء (باستثناء ابن كثير المكي وأبي جعفر المدني) على تفصيل يعرفه علماء القراءات.

 

أعود إلى الخطأ الشائع في التلاوة الذي بدأت به، وهو إمالة الكسرة والضمة وعدم تحقيق نطقهما على الأصل. ويمكن ملاحظة هذا الخطأ بوضوح في قراءة الصغار الذين لم يتعلموا التجويد عندما ينطقون حرفاً مضموماً أو مكسوراً قبل حرف ساكن، كالقاف المضمومة في قوله تعالى “قُلْ هو الله أحد” والباء المكسورة في قوله “فسبِّحْ بحمد ربك”.

 

الصواب هو نطق الضمة كما تُنطق الواو، فهما صوت واحد من حيث المخرج وإنما يختلفان بالطول، فوقت أداء الضمة هو نصف وقت أداء الواو، ولو نظر القارئ في المرآة فسوف يلاحظ أن شكل الفم لا يختلف عندما ينطق أياً منهما. والكسرة كذلك، فإنما هي ياء قصيرة فحسب. لذلك سمّى ابن جني الحركات “أبعاض حروف”، فالفتحة عنده بعض الألف والضمة بعض الواو والكسرة بعض الياء، وكان متقدّمو النحاة يسمون الفتحة “الألف الصغيرة” والضمة “الواو الصغيرة” والكسرة “الياء الصغيرة”.

 

فمن أراد أن يدرب نفسه على نطق الضمة بإحكام فليُشْبعها حتى تصبح واواً ويدّربْ نفسه على نطقها مرات ومرات: “قُولْ هو الله أحد”، وبعد أن يألفها يقصر طولها إلى النصف فتصبح ضمة مُشبَعة. وكذلك يصنع مع الكسرة فيشبعها حتى تصبح ياء ويدرب نفسه على نطقها مرات ومرات: “فسبِّيحْ بحمد ربك”، وبعد أن يألفها يقصر طولها إلى النصف فتصبح كسرة مُشبَعة.

 

وقد صار تدريبُ الإنسان نفسَه على النطق الصحيح أيسرَ مع انتشار أدوات التسجيل والسماع في هذه الأجهزة الذكية التي يحملها الناس. فمن أراد الإتقان فليبدأ بالمرآة: يقف أمامها وينظر إلى شكل فمه عندما يلفظ الضمة والواو، وينبغي أن يكون شكلاً واحداً، وكذلك الشأن مع الكسرة والياء. ثم ينتقل إلى التسجيل، فيسجل التدريب الذي وصفته في الفقرة السابقة ويعيد سماعه حتى يعلم أنه وصل إلى الإتقان. وأخيراً ليسمع تلاوة القرّاء المجيدين (وأفضلهم عندي الحصري رحمه الله) وينتبه إلى مواضع الضم والكسر في آي القرآن، وبذلك كله يصل إلى الإتقان الكامل بإذن الله.