تقارير

اعتذار الملك المغربي عن القمة العربية في الجزائر ماذا تعني؟

By أبوبكر أبوالمجد

November 01, 2022

 

ألغى الملك المغربي محمد السادس، زيارته ومشاركته في القمة العربية المقررة في الجزائر، الأمر الذي يشير إلى استمرار القطيعة الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين، وابتعاد فرصة التقارب بينهما!

 

وأنهى وزير الخارجية المغرب، ناصر بوريطة، في تصريحات تلفزيونية مع قناة “العربية” جدل مشاركة العاهل المغربي للقمة العربية من عدمها، بإعلانه الأحد، تعذر حضور محمد السادس للقمة التي تحتضنها الجزائر لـ”اعتبارات إقليمية”، مشيرا إلى أن العاهل المغربي أعطى تعليماته للوفد الدبلوماسي المشارك من أجل “العمل البناء” رغم عدم حضوره شخصيا.

 

من جانبه، قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، الإثنين، إن بلاده تلقت رسميا بلاغا بغياب ملك المغرب محمد السادس عن قمة الجزائر، موضحا “بناء على ما أعلن من رسائل ومذكرات كنا نعتقد أن الملك محمد السادس سيشارك شخصيا في القمة، وأبلغنا صبيحة اليوم بغيابه”.

 

ولفت لعمامرة إلى أن الفرصة “كانت قائمة لدفع البناء المغاربي وتنقية الأجواء بين البلدين، لكن لم يستفد منها فعلا (..) لا أقول إنها فرصة مؤكدة، ولكنها كانت قائمة”.

 

وأورد لعمامرة في حوار مع قناة الحدث، أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، يستقبل كل رؤساء الدول في المطار وكل رئيس دولة يصل له حديث معه.. وكان من المتوقع أن يتم حديث من هذا النوع بالمطار مع جلالة ملك المغرب ويتقرر على انفراد آنذاك ماذا يمكن أن يتم وهذا لم يقع”.

 

أسباب الغياب

وقبل تأكيد ذلك رسميا في تصريحاته التلفزيونية، كانت مجلة “جون أفريك” الناطقة بالفرنسية قالت إن وزير الخارجية المغربي أبلغ رسميا الأمين العام لجامعة الدول العربية، مساء الأحد، بـ”إلغاء الملك المغربي زيارته إلى الجزائر للمشاركة في القمة العربية”، مشيرة إلى أن الوفد المغربي الذي كان من المفترض أن يحضر لزيارة الملك غادر الجزائر، يوم الإثنين.

 

وأبرزت المجلة، التي سبق لها تأكيد خبر حضور محمد السادس برفقة ولي عهده أكثر من مرة، أن الملك المغربي ألغى مشاركته في القمة العربية بالجزائر “بعد أن كان من أوائل القادة الذين أكدوا مشاركتهم”.

 

وتعود أسباب التراجع عن المشاركة، حسبما نقلت “جون أفريك” إلى عدة عوامل، في مقدمتها أن الرباط تعتبر “أن السلطات الجزائرية قامت بمعاملة غير دبلوماسية لناصر بوريطة والوفد المرافق له، الأمر الذي لن يسمح للملك بإقامة هادئة وسلمية”. كما أن المغرب “لم يتقبل استمرار الاعتداءات عليه في وسائل الإعلام الجزائرية”.

 

وبالإضافة إلى ما سبق، تنقل الصحيفة عن مصادرها التي لم تسمها، أن غياب قادة الدول الذين تعتبرهم الرباط مقربين منها عن هذه القمة (مثل، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، الأردن ومصر.. ) لعب دورا كذلك في غياب الملك.

 

ويجتمع عدد من القادة العرب، مساء الثلاثاء، في قمة تستضيفها الجزائر هي الأولى منذ ثلاث سنوات مع استمرار الانقسامات حول الصراعات التي تشهدها المنطقة، خصوصا في قضايا سوريا وليبيا، فضلا عن تطبيع بعض الدول علاقاتها مع إسرائيل، وفقا لـ”فرانس برس”.

 

وعقدت آخر قمة لجامعة الدول العربية التي تضم 22 دولة، في مارس 2019، بتونس، قبل تفشي وباء كوفيد-19.

 

فرصة ذهبية

أستاذ العلاقات الدولية، محمد الغالي، يقول إن “إلغاء العاهل المغربي لمشاركته في القمة العربية”، يعود إلى ما اعتبره “غياب الشروط والظروف الملائمة للحضور”، مشيرا إلى أنه “برزت أمور لا تليق، بحضور الملوك والرؤساء الكبار، بعدما حدث في الاستعدادات التي سبقت القمة خلال الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية وطريقة التعامل مع الوفد الدبلوماسي المغرب”.

 

ويتساءل الأستاذ الجامعي المغربي في حديثه لموقع الحرة، عن كيف يمكن انتظار حضور الملك في وقت “لم تعط فيه الجزائر الإشارات الإيجابية للتراجع عن خط التحكم في جدول وأجندة القمة العربية، ولم يتم احترام البروتوكولات المتعلقة برؤساء الدبلوماسية”، مشيرا إلى أن هذا ما أدى إلى غياب ملوك وأمراء دول أخرى الإمارات والبحرين والأردن والسعودية، “الذين لم يستبشروا خيرا بظروف تنظيم القمة ومخرجاتها”.

 

من جانبه، يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، أن المتتبعين بالبلدين، كانوا يأملون مشاركة الملك المغربي، “كونها ستساهم في خفض حالة التوتر البينية بين البلدين، أو على الأقل تجميد حالة الاستقطاب الشديد والبحث عن المخارج التي يمكن أن تؤسس لعلاقات طبيعية بين بلدين جارين”.

 

لكنه يورد بالمقابل، أن لـ”الأشقاء المغاربة رؤية أخرى”، حيث يريدون تسويق مشاركة العاهل المغربي لـ”العلاقات العامة ولأطروحات المملكة أكثر من رغبتهم في مشاركة تساهم في تخفيف التوتر”، مشيرا إلى أن ما قدمه المغرب حجج غير مقبولة، لأن الفضاء الإقليمي متوتر أصلا ولا يحتاج إلى المزيد”.

 

وشهد اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية “خلافات” بين الوفد المغربي برئاسة وزير الخارجية، ناصر بوريطة، وبين السلطات الجزائرية المنظمة للقمة العربية.

 

واحتج الوفد المغربي على نشر قناة الجزائر الدولية “AL24 News” خريطة للدول العربية على موقعها الإلكتروني تفصل المغرب عن الصحراء الغربية، قبل أن تخرج هذه الأخيرة باعتذار.

وأكدت الجامعة العربية، الأحد، أن “الخلافات التي شهدتها الاجتماعات التحضيرية للقمة الـ31، والتي حدثت السبت، تم تجاوزها”.

 

وتخللت الاجتماعات التحضيرية أيضا توترا توسطه الوفد الإعلامي المغربي، حيث نقلت وكالة الأنباء المغربية الرسمية، الأحد، بيانا عن الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين المغربية، والتي نددت بما وصفته بـ “الفضيحة” لـ “إرغام الوفد الإعلامي الرسمي المغربي (القناة الأولى)، على مغادرة الأراضي الجزائرية”، عشية انعقاد القمة العربية.

 

من جهته، نفى مصدر جزائري للحرة ما ورد مؤكدا الترحيب بالوفود الأجنبية. ويرى الجامعي المغربي أن الجزائر، “لم تلتزم بالحياد المطلوب لتيسير ظروف إنجاح اللقاء العربي”، موضحا أن التقاليد والأعراف وميثاق الجامعة العربية، تؤكد أن الدولة المحتضنة، تتكلف بالتنظيم في إطار حياد تام وتعمل على توفير سبل تقريب وجهات النظر بين المشاركين، “لكن الجزائر سعت منذ البداية إلى التحكم بجدول أعمال القمة”، وفق تعبيره.

 

وينتقد الخبير في العلوم السياسية، ما اعتبرها “السلوكيات الجزائرية التي لم تجعل منها المحتضن أو المضيف المحايد”، والتي تناقض شعارات “لم الشمل والصلح” التي ترفعها.

 

وفي رده على الانتقادات الموجهة للإجراءات التنظيمية المرافقة للقمة، يقول المحلل السياسي الجزائري، إن بلاده قدمت كل الضمانات لمشاركة كل القادة العرب، وأسمتها قمة “لم الشمل”، موفرة “كل الأدوات التنظيمية والإجرائية للترحيب بالجميع بما في ذلك لوزير الخارجية المغربي، رغم محاولة بعض الأوساط الترويج لعدم احترام البروتوكولات وهذا ما تم نفيه”.

 

مستقبل العلاقات

وتدهورت العلاقات الثنائية بين البلدين، بعدما أعلنت الجزائر، في أغسطس من العام الماضي، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متهمة المملكة بارتكاب “أعمال عدائية” ضدها.

 

وردت الرباط معربة عن أسفها لهذا القرار، ورفضت ما وصفته بـ “المبررات الزائفة”.

 

ويرى الغالي أن القمة العربية، كانت “فرصة ذهبية” لإعادة النظر في العلاقات مع المغرب، “لكن القيادة الجزائرية لم تعط إشارات إيجابية لرغبتها حل الخلافات، بل تظهر إصرارها على قطعها التام”، و”الدليل”، حسب المتحدث ذاته، أنه موازاة مع انعقاد القمة التي ترفع فيها شعارات الأخوة، “تخصص مليارات الدولارات في ميزانيتها للسنة المقبلة للتسلح ضد المملكة المغربية ووحدتها الترابية”.

 

وفيما يخص التأثيرات المرتقبة لغياب الملك المغربي عن قمة الجزائر على مستقبل العلاقات بين البلدين، يقول الجامعي الجزائري، إن من شأنها أن “تزيد من حالة الشحن على مستوى وسائل الإعلام في البلدين مع محاولة كل طرف تقديم حجج لإدانة الطرف الآخر”.

 

ويورد المتحدث ذاته أن “الجزائر تأمل في علاقاتها مع المغرب العودة إلى مبدأ تحييد الصحراء الغربية وجعلها قضية أممية، دون أن تؤثر في الروابط بين البلدين”، مبرزا، أنه “على العكس، سعت الرباط خلال السنوات الأخيرة إلى إقحام الصحراء في علاقاتها البينية مع الدول الأخرى، وليس فقط الجزائر، وجعلت القضية محل مساومة لهذه الدولة، تطبيقا لمبدأ من ليس معنا ضدنا”.

 

ويعرب بوقاعدة في ختام تصريحه عن أمله في أن تفلح الدولتان خلال الفترة المقبلة، في حلحلة للخلافات المطروحة واستئناف العلاقات بينهما، مؤكدا أن “هذا التوتر يضر بالجانبين، والاستمرار فيه يعقد من الأزمات الإقليمية بالمنطقة ويعقدها”.

الأمة ووكالات