الأخبار

التسميم السياسي والإعلام الإسرائيلي

By د. وليد عبد الحي

August 28, 2019

من بين أدوات الصراع التي تعتمد عليها إسرائيل توظيف علم النفس السياسي، فلهذا العلم وحدة متخصصة في جهاز الموساد (Lohamah psichlogit) ووحدة الحرب النفسية في وزارة الدفاع والتي أعاد إحياءها موشيه يعلون عام 2005.

 

ودون دخول في تفاصيل جانبية لعمل هاتين الوحدتين(إلى جانب ما لدى الشين بيت)، من حقي أن أسأل:

 

1- هل كشف الصحف الإسرائيلية عن لقاءات العرب السرية مع المسئولين الإسرائيليين في فلسطين وخارجها هو من باب “السبق الصحفي” أم لغرض في نفس “يعقوب”؟ فلماذا لم يكن الإعلام الإسرائيلي يكشف لنا الاتصالات السرية سابقا وبخاصة قبل الانفتاح العربي على الكيان الصهيوني؟

 

2- هل كشف الصحف الإسرائيلية وأحيانا المسئولين الإسرائيليين عن لقاءات رئيس سلطة التنسيق الأمني مع قطاعات المجتمع الإسرائيلي ونقل ما قاله حرفيا واختيار بعض تعبيراته هو من باب ” المهنية الصحفية” أم لغرض في نفس يعقوب؟

 

دعونا نتوقف عند بعض الملاحظات للتعرف على أغراض “يعقوب”

 

أ‌- أن يوصي موشيه يعلون باستخدام تعبيرات محددة مثل “العبثية” لوصف عمليات المقاومة أو إطلاق صواريخها فيكررها مسئولون فلسطينيون “حرفيا”.فهل هذا صدفة؟

 

ب‌- أن يقول مسئول فلسطيني للإعلام الإسرائيلي إنه “لا يفكر بالعودة لصفد” (وهنا لا بد من ملاحظة إن المتحدث ليس فردا عاديا)، فهل هي “زلة لسان” أم هي فعل عن سابق إصرار وترصد؟

 

ت‌- أن يلغي التنسيق الأمني 58 مرة لفظا لا فعلا ثم يتبين أن أجهزته أحبطت 600 عمل مقاوم خلال عام واحد، ويتم الإعلان عن ذلك في الصحف الإسرائيلية؟

 

ث‌- أن يعد بوقف كل الاتفاقات مع إسرائيل وفي الأيام القليلة اللاحقة يكشف الإعلام الإسرائيلي وبالصور انه يحتضن حفيدة رابين ويغدق عليها الوعود ببذل الجهد للإفراج عن أسير إسرائيلي وفي نفس الوقت يقطع رواتب اسر الشهداء، وكل ذلك منشور على صدور الصفحات الإسرائيلية..

 

ج‌- أن يقول للمشاركين في برنامج “عرب آيدول” كنت أسمعكم وأنا في “إسرائيل” وليس وأنا في فلسطين (بحكم منصبه)

 

ح‌- تحقير خصومه الفلسطينيين في كل خطاب بل والتحريض الدولي عليهم، نقل الإعلام الإسرائيلي ذلك كله.

 

خ‌- عقد اللقاءات مع قادة المعارضة الإيرانية في فترات سابقة ، وتصدر مثل هذا الخبر الإعلام الإسرائيلي.

 

د‌- نقل الإعلام الإسرائيلي التقارير الدولية عن عمق الفساد في تلك السلطة.

 

ويمكن الإسهاب في هذا الجانب طويلا، ولكني أسأل هل كل ذلك مخطط له ومقصود أم أنه عشوائي؟ إن حسن النية في السياسة هو اقصر الطرق إلى جهنم.. إن ما يجري، له أهداف محددة:

 

1- الترويض التدريجي للحواس العربية على مفاهيم ومفردات وثقافة وتوجهات معينة يتم ترسيخها عبر عمليات “تسميم سياسي” مخطط له، فكلما تم امتصاص الرفض الشعبي وترويضه وكي وعيه تبدو الخطوات اللاحقة أقل إثارة، ويبدأ الفرد يتقبل كل شيء لان كل خطوة قريبة في تأثيرها للخطوة السابقة عليها، ولكنها تمهد لجعل رد الفعل على الخطوة اللاحقة أضعف من المطلوب.

 

2- تحطيم الروح المعنوية المتبقية لأي طرف ما زال يراهن على شيء من خلال تكثيف وتكرار المشاهد التي تكرس الإحباط.

 

3- التحويل التدريجي لمستوى التناقض مع العدو بالنزول بمستوياته من الصراع إلى النزاع فالتنافس فالخلاف..الخ

 

ويكفي للقارئ أن يعود لكتابات :

Schleifer. Ron

لا سيما كتابه

Psychological Warfare in the Arab-Israeli Conflict

أو كتابه

Psychological Warfare in the Intifada: Israeli And Palestinian Media Politics And Military Strategies

أو متابعة ما ينشره Amos Harel في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أو كتابات Ulrike Putz في صحيفة ديرشبيغل …الخ.

 

إن الفكرة المركزية في الإعلام الإسرائيلي أن المواطن العربي لديه قناعة أن المواطن العربي يثق بالإعلام الأجنبي أكثر من الإعلام العربي، وانه شغوف “بالإسرار” وكشف الفضائح وحب الظهور والميل للمبالغة والانتقام الأعمى ولا بد من توظيف كل ذلك والتلاعب به لتحطيم مقومات المقاومة في شخصيته وتسميمه سياسيا.

 

لا أظن أن إسرائيل تعمل عشوائيا.. إنهم يحسبونها “ببيض النمل” كما قال لينين مرة…ألم يكد ايلي كوهين أن يصل لرئاسة الوزراء في سوريا؟ وتخيلوا لو وصل كوهين لرئاسة الوزراء، فمن هو الذي كان سيوجهه؟ لكم حق الامتناع عن الإجابة.. مثلي..