د. أبوبكر عبدالرحمن

حوارات

خبير في الشأن الإفريقي يكشف الوضع في تشاد.. ومخاوف فرنسا (1)

By أبوبكر أبوالمجد

April 24, 2021

هل كان للجيش التشادي دور في مقتل “ديبي”؟

وما هي تبعات ما يجري في تشاد على الوضع الإقليمي وخاصة السودان؟

حوار: أبوبكر أبوالمجد

تم تعيين محمد إدريس ديبي (37 عامًا، وهو نفس عمر والده عندما تولى السلطة من خلال انقلاب عسكري في عام 1990) زعيمًا جديدًا لتشاد، بعد مقتل والده إدريس ديبي خلال اشتباكات مع المتمردين شمالي البلاد.

ويتمتع محمد بسمعة حسنة ولا يحبذ الأضواء، بعكس بعض إخوته غير الأشقاء، رغم أنه جندي مخضرم مثل والده. ويرأس محمد، الآن المجلس العسكري الانتقالي المكون من 15 عضوًا وسيكون بيده السلطة لمدة 18 شهرًا القادمة.

وترفض أحزاب المعارضة هذه الخطوة، بينما يعتزم المتمردون مواصلة القتال.. أوضاع تثير انزعاجًا فرنسيًا ودوليًا، حيث كان حجر الزاوية في مقارعة الجماعات الإسلامية المتشددة وخاصة تنظيم “الدولة الإسلامية” وجماعة بوكو حرام.

ويمثل مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو (68 عامًا) يوم الاثنين، عبورًا إلى المجهول بالنسبة إلى 16 مليون تشادي عاشوا أكثر من 30 عامًا تحت حكم هذا الرجل الذي توفي بعيد انتخابه لولاية سادسة.

كما سيكون لها تأثير على جيرانها وخاصة دولة السودان، التي ينحدر منها خبيرنا المتخصص في شؤون القرن الإفريقي د. أبوبكر عبدالرحمن، والخبير السابق لدى مركز السودان والبحوث الإستراتيجية. ‏ ‏من قتل الرئيس التشادي؟

المراقب للتطورات في تشاد، علي مدي الثلاثة شهور الماضية، ووضعية التحركات واللهجة الأخيرة للرئيس الراحل، تشير الي أن الجنرال “ديبي”، لم يكن يومًا يقيم وزنًا للتحركات الخارجية للمعارضة بقدر تركيزه علي الوضع الداخلي، أعني هنا القوى السياسية والطابور الخامس داخل الجيش الذي كان يقود حراكًا تفاعليًا متعدد الاتجاهات، مع قوي دولية في ليبيا، وبالتنسيق الكامل مع قوى المعارضة العسكرية التشادية الموجودة هناك، والتي تقاتل لصالح قوى متعددة مستفيدة من مناخ الفوضى السائد الذي فرضته المعادلة الليبية للترتيب لعمل ما.

عند هذا الوضع أعتقد أن “ديبي” تجاهل هذه التفاعلات برمتها بفعل تغييب ربما، وبالتالي هذا ما انعكس علي التحولات الميدانية وعلي وضعيته في قيادة تشاد، وهذا الفصل يجب قراءته ضمن مصفوفة علاقة الجنرال بالجيش خلال فترة توالي الأحداث، وحينها سنعرف من قتل الرئيس التشادي.

كذلك لا يجب أن ننسى الجرأة التي دفعت بكبار قادة الجيش للدفع بالمذكرة الأولي التي رفعها مجموعة من الضباط وأمهلوا فيها الجنرال المقتول آنذاك 72 ساعة علي خلفية الاحتجاجات التي قادت الي اغتيال والد ووالدة المعارض التشادي يحي ديلو (المرشح الأوفر حظًا لإحداث تحولات أمام نظيره دبي وقدمته قوى المعارضة التشادية لمنافسته وهو يحظى باحترام كبير بين القوى السياسية التشادية)، هذه الجرأة لم تكن موجوده داخل قيادة الجيش التشادي؛ بل في الواقع كانت مقدمات تشي بأن هناك ما يحاك، وقد رمي “ديبي” بمذكرة الجيش في سلة المهملات واعتقد هو ما قاد للتطورات الأخيرة ودفع الوضع الحالي لهذه الخلاصات.

ماذا عن موقف فرنسا مما جرى ودورها مستقبلًا؟

رغم أن وضعية التحركات التي أغلقت كل من فرنسا الدولة الأولي التي تعاني من تضعضع لعلاقاتها بشعوب الساحل كان واضحًا منه أنها لن تستطيع الصمود في معركة كسر العظام مع شعوب دول الساحل (G 5)، التي بدأت بتجفيف تواجدها والإضرار بمصالحها في أي مكان وجدت فيه، وبالتالي قناعتي أن باريس لن تكن لتوافق علي أي انتقال أو اضطرابات في أي دولة من دول الساحل بما في ذلك تشاد دون وجود بديل يضمن مصالحها، وهنا أشير للتدخل المحدود فقط لباريس عبر برخان (هي عملية فرنسية جارية لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الإفريقي، بدأت في 1 أغسطس 2014)، في اليوم الثاني من بدء المعركة مع القوى القادمة من ليبيا ولم تحدث أي خسائر بل هي التي قادت لاحقًا لقيادة “ديبي” وابنه للمشاركة في قيادة المعارك بصفة شخصية وهذا إن دل يدل علي أمرين:

الأول: أن فرنسا كانت تقف على مسافة واحدة حتي لا تتورط في حرب ضد قوى مدنية أو حتى عسكرية أخري داخلية، وهذا سيضمن لها مراقبة الأوضاع والتحالف مع القوى التشادية الجديدة، وهو ما أخر تدخلها الفاعل الذي يمكن أن يدك ارتال المعارضة ويشتت توجهها.

ثانيًا: أنها وجدت تطمينات ووعود من كبار قادة الجيش بعدم الإضرار بمصالحها بغية الوقوف علي وضعية حياد مناسبة تحقق لها تطلعاتها وتجعلها لا تخسر تشاد، وبالتالي هو أيضًا دافع ثاني يجعل أمر التصفية أو البيع واردة، وهي تخاذل قيادات الجيش عن القيام بدور حاسم، مما اضطر رئيس دولة شخصيًا أن يعلنها آخر معاركه مقابل البقاء، وهذا الذي قاد للتطورات الراهنة.

كما يجب ان لا نهمل هنا أيضًا نظرة القوى الدولية الكبرى العائدة للمنطقة اليوم وتقاطع مصالحها مع باريس في أكثر من موقع، وخاصة روسيا وتركيا وحتى واشنطن، يجعلها هنا في موضع اتهام بأن لها دور ولو لم يكن كبيرًا، فإنه سيتجاوز مد هذه التحركات العسكرية بالمعلومات والبيانات، وربما التسليح الذي خاضت به هذه القوى الحرب لتنتصر علي تقنية التسليح الفرنسية.

هل يمكن القول إذا أن ما جرى هو انقلاب عسكري؟

دعونا نُفَسِر أن ما حدث هو أن الجيش نَصِبْ نفسه لفترة انتقالية مدتها عام ونصف بقيادة محمد إدريس ديبي (كاكا) وأعلن تَعّطيل العمل بالدستور وحل البرلمان.

هذا العمل تم في ظروف غامضة ضمنها البحث في كيفية التسويق لرواية واضحة عن ما تم للجنرال “ديبي” هل هو تصفية عسكرية مطبوخة بين قيادات الجيش ومنح ابنه سدة الحكم مقابل التجاوز وعدم الانتقام؟

هذا إذا وضعنا في الحسبان أن طموح دبي ومنذ زمن بعيد كان يحلم بخلافة ابنه له في الحكم وهو ما تم بالضبط بمباركة الجيش وبالتأكيد فرنسا.

أما النقطة الثانية الأهم فهي أنه وبحسب الدستور التشادي المادة (113) من دستور الجمهورية الرابعة: “إن رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) هو من يتولى رئاسة الجمهورية في حال شغور منصب رئيس الجمهورية”!.

إذا وفي تفسير نص المادة أعلاه نجد أن ما تم هو أمر مطبوخ عشية انتخابات أعلنت نتائجها الأولية فاز فيها الجنرال ديبي، ويفترض هنا أن يكون هناك تقييم لما تم فيها وهو تأجيلها بأسوأ الظروف، ثم دعمها ليصبح المناخ مواتيًا لاختيار القوى السياسية لقيادة مدنية جديدة وهو ما لم يحدث أبدًا؛ بل لم يشار إليها في بيان المجلس الانتقالي بأي وضعية.

وعلي ضوء هذه المتغيرات نحن نتساءل بما أن هذا التحول فيه ضبابية و يشي بترتيب سابق على مستوى عسكري عالٍ وهو يشابه الحالة السودانية تمامًا؛ لأن المرحلة القادمة سيكون لدى الحركات المسلحة تفاهمات مع الدولة وستدخل معها في تسوية لتقاسم السلطة في البلاد.

وبالتالي حتى يتم إجهاض ما حدث لابد للقوى السياسية المدنية وكبار قادة الجيش أن يرفضوا هذا السيناريو الذي وضع لتشاد باكرًا والذي سينذر بمستقبل قاتم للبلاد بعيدًا عن التحولات المنوط حدوثها.

فماذا عن مستقبل المنطقة بعد رحيل “دبي”؟

توافق فرنسا علي التحولات التي رسمت لها في السابق من وعود من القيادة وهو مضي الوضع علي ما هو عليه ومحاولة المحافظة علي الوضع الراهن والتركيز علي معركة الفوضى المتوقعة بحيث لا تفقد الكثير من مصالحها، والذي سيدخلها فقدان ثقلها الجيوسياسي في تشاد والساحل.

ثانياً: ألا تكتفي القيادة الجديدة في انجمينا بوعودها السابقة لفرنسا وتعلن ولاءها لقوى دولية ثانية مما يجعل فرنسا تعيد قراءة المشهد التشادي من جديد وبالتالي سترفض الوضع الراهن، وسيكون الإرهاب (بوكو حرام والقاعدة وداعش) هو البديل لإدارة مصالح فرنسا الإستراتيجية في تشاد.

ثالثاً: سيناريو الفوضى والذي ستتحارب فيه المجموعات القبلية التشادية نتيجة اختلال التوازن السياسي الداخلي خاصة بين القرعان والزغاوة، كما لا ننسي وضعية العرب الجديدة في المعادلة التشادية والذين يطمحون أيضًا في التواجد الرأسي في قيادة الدولة، وهذا مرهون بطبيعة الأدوات التي تمتلكها هذه القبائل، وبما أن السلاح هو الأداة الأساسية فالمتوقع ربما إذا مضي الوضع بهذا الاتجاه سنشهد ليبيا جديدة في تشاد.

كما أن هذه التحولات ستكون هي الأصعب؛ لأنها ستمتد إلي بعض دول الساحل وستأجج الحرب مجددًا في ليبيا، وبالتأكيد لن تستثني السودان، بل هذه التحولات سيكون السودان في قلبها نتيجة لمجموعة من الاعتبارات خاصة طابع الصراع الذي يدور اليوم في “الجنينة” أقرب ولاية سودانية لتشاد، وستتأثر بأي تفاعلات تحدث هناك بأي حال.

أما دوليًا فإن اوروبا ستقف إلي جانب باريس ولن تتراجع في دعمها وكذلك واشنطن، والوضع برمته في صالح روسيا وهي تفكر باكرًا في أن تجد حليف يؤمن لها وضعية فوستيها رشانج تواديرا، في إفريقيا الوسطى، وستدعم التحولات الرافضة لفرنسا حتي داخل قيادات الجيش التشادي، كما حدث للحالة المالية إبان اقتلاع ابراهيم أبوبكر كيتا.

أما سودانيًا فإن السودان ستحصل على الكارت الأحمر، إذ لم يتحرك عاجلًا في ايجاد صيغة تعامل لأمرين مهمين:

1- كيفية تأمين الحدود الغربية بصورة سريعة وعاجلة لمنع تسلل المجموعات وانتقال العمليات العسكرية إلي داخل العمق السوداني، فالسودان غير مستعد لفتح جبهات جديدة، إضافة للفشقتين (هي إحدى المحليات الخمس المكونة لـولاية القضارف بشرق السودان، وتضم نحو 2 مليون فدان، تحتل منهم إثيوپيا نحو مليون فدان) وملف سد النهضة.

2- مستقبل البروتوكول الأمني السوداني التشادي وكيفية الإبقاء عليه نشطًا في ظل قيادة مدنية أو عسكرية جديدة في تشاد.

فأين المعارضة المدنية والعسكرية وما هي ردود فعلها تجاه المجلس العسكري الجديد؟ وما هو موقف بقية القيادات العسكرية من تجاوز الدستور؟! وإلي أي قوى دولية تتبع المجموعة الجديدة في الجيش فرنسا أم روسيا أم هي هجين لإدارة المصالح الدولية؟!.

نستكمل الحوار في الجزء الثاني…

اقرأ المزيد

تايمز: متمردو تشاد يزحفون إلى قلب أفريقيا

أردوغان لديبي الابن : نقف مع الشعب التشادي لتجاوز المحنة

متمردو تشاد يتوعدون من يحضر جنازة الرئيس ديبي