الأخبار

الرؤية الإسرائيلية للحراك الجزائري

By د. وليد عبد الحي

April 20, 2019

يمثل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أحد أبرز المؤسسات البحثية المؤثرة في إسرائيل، وهو مركز تابع لجامعة تل أبيب، ونشأ كرد فعل على الفشل الإسرائيلي في توقع حدوث حرب أكتوبر عام 1973 بين سوريا ومصر ضد إسرائيل.

 

في شهري مارس وابريل من عام 2019 الحالي أصدر المعهد تقييما للوضع في الجزائر إثر قيام ثورة ضد ترشح بوتفليقة لمرة خامسة، ويمكن تحديد الرؤية الإسرائيلية لهذا الحراك الجزائري في المؤشرات التالية:

 

1- يرى التقرير أن تحليل الوضع في الجزائر مرتبط بشكل وثيق بالوضع العام في المغرب العربي من ناحية وانعكاسات الربيع العربي من ناحية ثانية.

 

2- يحدد التقرير خمسة اتجاهات مركزية تفسر الحراك الجزائري وتحدد مساراتها خلال الشهور القادمة وهي:

 

أ‌- إن القوى المركزية في تشكيل بنية السلطة السياسية الجزائرية تنطوي على “عدم اتفاق” بينها على خليفة بوتفليقة وشكل السلطة السياسية، وهذه القوى هي القادة العسكريون، قادة الأجهزة الأمنية، رجال الأعمال، النخب السياسية بخاصة قادة الأحزاب السياسية.

 

ويرى التقرير أن الجزائر تمثل بوصلة الاستقرار أو عدم الاستقرار في المغرب العربي، لكنها حتى الآن نجحت في لجم تمدد عدم الاستقرار الليبي ومنعت تمدد الحركات المسلحة على طول منطقة دول الساحل وبالتالي حماية الجنوب الأوروبي من تداعيات ذلك. وقد تمكنت الجزائر من انجاز ذلك بسبب امتلاكها قوة “خشنة” قوامها 460 ألف عنصر من القوات المسلحة والاحتياطي والدرك.

 

ب‌- الأزمة الاقتصادية:

 

إن الاعتماد المركزي في كل من الجزائر وليبيا على الريع النفطي والفشل في تنويع مصادر البنية الاقتصادية جعل هذه الدول رهينة أسعار النفط التي عرفت انخفاضا حادا بعد عام 2014، وهو ما جعل الاحتياطي النقدي الجزائري يتراجع بنسبة 50% ودفع الدولة نحو المزيد من إجراءات التقشف، كما أن الصراع في ليبيا بين طرفي الصراع الداخلي على من يتحكم في المناطق النفطية زاد من عبء المراقبة الجزائرية لحدودها مع ليبيا.

 

أما في المغرب وتونس فإن الدول غير الريعية لم تتمكن هي الأخرى من ضبط الزيادة في معدلات البطالة بخاصة في المغرب التي يتحكم في اقتصادها ثلاث شركات ويصل معدل البطالة فيها إلى 18% بينما تصل النسبة في تونس إلى 36% التي تعرف ظاهرة عدم العدالة في توزيع الدخل بين أقاليم الدولة، وقد أدت هذه الجوانب لاضطرابات في الريف المغربي وعدم استقرار حكومي في تونس، فأصبحت الجزائر داخل دائرة من عدم الاستقرار، بخاصة مع هشاشة دول الساحل الإفريقية جنوب الجزائر.

 

ت‌- الإسلام السياسي:

 

يرى التقرير أنه رغم الضربة الموجعة التي وجهت للإخوان المسلمين في مصر وبعض الدول العربية الأخرى، فهم يتواجدون بشكل واضح في بنية السلطة في تونس والمغرب، وقد تزداد الأمور تعقيدا إذا تقدم الغنوشي أو من يدعمه لانتخابات الرئاسة القادمة في تونس. ويبدو أن الدول العربية الأخرى بخاصة الجزائر اتجهت نحو دعم التيار السلفي غير المسيس لامتصاص بعض الشعبية من الإخوان المسلمين، والملاحظ في ليبيا أن السلفيين أضحوا أقرب لتيار خليفة حفتر الذي تسانده مصر ومجلس التعاون العربي وتغض الجزائر الطرف عن ذلك.

 

ث‌- الإسلام الجهادي:

 

رغم هزيمة داعش وما تركته من مشاعر إحباط بين “الجهاديين”، لكن ذلك لا ينفي أن هذا التيار الجهادي سيواصل العمل في الشمال الأفريقي، ورغم الدعم الأمريكي للقوى المعارضة لهذا التيار فإن معدلات عمليات هذا التيار ازدادت نسبيا في ليبيا، وهو أمر له انعكاساته على المدى المتوسط والمباشر على الجزائر، بخاصة أن هذه المجموعات هي التي تنفذ العمليات ضد الوحدات التونسية في الهضاب التونسية الغربية، كما أن المغرب تعلن بين الحين والآخر عن اكتشاف خلايا لهذه التنظيمات التي أعلنت قبل فترة عن مسئوليتها عن قتل بعض السواح في المغرب.

 

ج‌- المتغير الأخير هو تنامي الدور الروسي في المغرب العربي:

 

تواصل روسيا توسيع دائرة تمددها الجيواستراتيجي والاقتصادي والسياسي في المغرب العربي، فالمغرب منحت روسيا موطئ قدم على المتوسط، وعقدت معها اتفاقيات في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، ودعتها للقيام بدور الوسيط في النزاعات الإقليمية في المنطقة، وتعد الجزائر بالمقابل ثالث أكبر مستورد للسلاح الروسي في العالم بخاصة في مجال الأسلحة التي أثبتت فاعليتها في الصراع في سوريا، كما أن التقارير المختلفة تعزز الفكرة القائلة بمساندة تسليحية من روسيا لحفتر، كما أن روسيا تحاول مد الجسور مع مختلف القوى الليبية لضمان دور لها، وتسعى روسيا إلى ملء الفراغ الذي تعتقد أن أمريكا مقبلة عليه في هذه المنطقة، واعتبار المغرب العربي بوابة لروسيا في أفريقيا.

 

ما هي الملابسات لإسرائيل:

 

ما يعني إسرائيل في هذه الصورة -طبقا للمعهد الأمني الإسرائيلي- هو:

 

القلق من توفير هذه الاضطرابات موطأ قدم للجماعات الإسلامية المسلحة ذات التوجه العدائي لإسرائيل، لأن ذلك يوفر الفرصة لتسلل عناصر وأسلحة هذه الجماعات إلى سيناء وصولا إلى غزة. وعليه يجب أن تبني إسرائيل إستراتيجيتها على اقتناص هذه الفرصة لخلق بيئة للتعاون الأمني والاستخباراتي مع مصر لضمان حدودها الغربية ، ولعل الانفتاح التشادي الأخير على إسرائيل يقدم نموذجا لحاجة هذه الدول للعون الإسرائيلي ويمكن مده للآخرين من الدول الإفريقية الأخرى والعربية.

 

وماذا بعد:

 

ستعمل إسرائيل بكل الطرق لعرض خدماتها على دول المغرب العربي بخاصة في المجالات التالية:

 

أ‌- المعلومات الاستخبارية حول القوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية في كل دولة مغاربية والعمل على تحجيمها وتشويهها إعلاميا.

 

ب‌- المساندة في الولايات المتحدة من خلال اللوبي اليهودي لطرف من أطراف الصراع الداخلي في كل دولة من دول المغرب العربي مقابل انفتاح هذا الطرف تدريجيا على إسرائيل على غرار ما جرى مع دول مجلس التعاون الخليجي.

 

ت‌- محاولة تحريك بعض الأقليات أو المذاهب أو خلق شقاق داخل المؤسسات العسكرية من خلال توظيف التحالفات الدولية مع الأطراف الداخلية.

 

ث‌- تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع كل من تشاد والنيجر، وتعميق التسلل داخل موريتانيا.