قالت منظمة العفو الدولية اليوم إن قوات أمن ميانمار قد قصفت القرى واعترضت سبيل وصول الأغذية والمساعدات الإنسانية إلى الروهنجيا في ولاية أراكان، وسط حملة قمعية تُشن منذ الهجمات المسلحة التي قام بها “جيش أراكان” في أوائل يناير. كما استخدمت قوات الأمن قوانين غامضة وقمعية لاعتقال المدنيين في المنطقة.
وفي هذا السياق، قالت تيرانا حسن، مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية، إن “هذه العمليات الأخيرة ليست سوى تذكير جديد على أن جيش ميانمار يشن عملياته دونما أدنى اعتبار لحقوق الإنسان. فقصف القرى المأهولة ومنع وصول المواد الغذائية لا يمكن تبريره تحت أي ظرف من الظروف”.
وقد تلقت منظمة العفو الدولية تقارير بأنه قد أعيد نشر فرق عسكرية تورطت في الأعمال الفظيعة ضد الروهينغيا في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2017 في ولاية أراكان مجدداً في الأسابيع الأخيرة.
وأضافت تيرانا حسن: “على الرغم من الإدانة الدولية للأعمال الفظيعة التي قام بها جيش ميانمار، تشير جميع الدلائل إلى أنه عاد بصلافة ليرتكب انتهاكات أشد خطورة من سابقتها”.
وتأتي هذه الانتهاكات عقب دعوة أطلقتها “بعثة تقصي الحقائق للأمم المتحدة” إلى مباشرة تحقيق جنائي ومحاكمة مسؤولين كبار في ميانمار بتهمة ارتكاب جرائم يطالها القانون الدولي ضد السكان الروهينغيا في ولاية أراكان، وضد أقليات عرقية في ولايتي كاشين وشمال شان.
في 4 يناير/كانون الثاني 2019- الذي يصادف عيد استقلال ميانمار- شنت جماعة مسلحة من أصول الأراكان الإثنية تعرف باسم “جيش أراكان” هجمات منسّقة على أربعة مراكز للشرطة في شمال ولاية أراكان، وقتلت، حسبما ذكر، 13 رجل شرطة. ويقاتل “جيش أراكان” جيش ميانمار كجزء من تحالف يضم جماعات مسلحة ويعمل في شمال ميانمار، وركز اهتمامه في السنوات الأخيرة على ولايتي شين وأراكان، واشتبك بصورة متفرقة مع قوات الأمن فيهما.
وعقب أيام من هجمات 4 يناير/كانون الثاني، أمرت حكومة ميانمار المدنية الجيش بشن عملية “لسحق” جيش أراكان، الذي وصفه الناطق باسم الحكومة بأنه “منظمة إرهابية”. وقد نقل الجيش موارد وقوات كبيرة إلى المنطقة، منذ ذلك الوقت، وقال ناشطون محليون وتقارير إعلامية إن القوات شملت جنوداً من “فرقة المشاة الخفيفة 99”. وقد تحدثت منظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى عن تورط هذه الفرقة في اعتداءات على الروهينغيا في 2017 وعلى أقليات إثنية في ولاية شان الشمالية في 2016.
وطبقاً لمصادر الأمم المتحدة، اضطر ما يربو على 5,200 رجل وامرأة وطفل إلى النزوح بسبب القتال الدائر بحلول 28 يناير/كانون الثاني. وهم في أغلبيتهم الساحقة من أفراد الأقليات الإثنية البوذية، بما في ذلك من المرو والخامي والداينغنت والأراكان.
وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات عن طريق الهاتف مع 11 شخصاً من المتضررين جراء القتال، وكذلك مع مسؤولين في المساعدات الإنسانية وناشطين محليين في ولاية أراكان. وقال معظم هؤلاء إنهم فرّوا من قراهم عقب قصف قوات الأمن أماكن قريبة منهم أو فرضها قيوداً على تلقيهم المواد الغذائية.
ومضت تيرانا حسن إلى القول: “لقد استرشد عسكر ميانمار بدليل الأعمال الوحشية نفسه على مر عقود وينبغي أن يخضعوا للمحاسبة. ويتعين على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إحالة هذا الوضع على وجه السرعة إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
أبلغ ثلاثة أشخاص من قرية آوك بيين نيار، وهي قرية أغلبية سكانها من اثنية المرو في التجمع القروي ثا لو تشاونغ، بناحية كياكتاو، منظمة العفو الدولية بأن قذيفتي مدفعية أو هاون انفجرتا على بعد مئة امتر من محيط قريتهم في 21 ديسمبر/كانون الأول 2018. وأثناء فرار القرويين في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، سمعوا انفجار المزيد من القذائف في الجوار.
واستذكر مزارع يبلغ من العمر 64 سنة ما حدث بالقول: “سمعت انفجارات مصدرها مدفعية ثقيلة، حتى أن بعض الناس أصيبوا بالدوار”.
وقال مزارع آخر من القرية نفسها عاد بعد أيام لجمع حاجياته إن البيوت التي فر منها أصحابها تعرضت لسرقة ما فيها نقود. وألقى باللوم على جنود ميانمار، الذين شوهدوا في القرية ومحيطها في ذلك الحين.
ووصف رجل يبلغ من العمر 24 سنة من أهالي قرية أغلب سكانها من إثنية المرو في التجمع القروي ثا يت بيين، بناحية بوثيداونغ، بالمثل، كيف سمع أصوات قذائف المدفعية أو الهاونات وهي تنفجر حول قريته في 13 يناير/كانون الثاني 2019. حيث فر القرويون ليختبئوا في الدير المحلي ومن ثم، في وقت لاحق ذاك اليوم، إلى مخيم عشوائي للنازحين في قرية دون ذين، في التجمع القروي كين تاونغ المجاورة. وعاد الرجل إلى قريته بعد أربعة أيام لأخذ وثائق التسجيل الخاصة بعائلته ورأى بأم عينه الأضرار التي لحقت ببعض بيوت القرية والمدارس المحلية. وقال إن المال سرق من بعض البيوت في وقت كانت قوات أمن ميانمار تسيطر فيه على مداخل القرية.
ووصفت تقارير إعلامية بالتفصيل عدة حوادث أخرى. فذكر موقع إرّاوادي وراديو آسيا الحرة أن صبياً يدعى ناينغ سوي، ويبلغ من العمر سبع سنوات، أصيب بجروح بليغة عندما انفجرت قذيفة مدفعية بالقرب من بيته في التجمع القروي ثا مي ها، بناحية راثيداونغ، في وقت قريب من 26 يناير/كانون الثاني 2019. وورد في موقع راديو آسيا الحرة أن جيش ميانمار أطلق النار على القرية بعد أن أقدم الجنود على تفجير جهاز متفجر يدوي الصنع في مكان قريب. وقد أفاد كل من المنفذين الإعلاميين أن جيش ميانمار نهب الأشياء الثمينة من القرية. وذكر موقع إرّاوادي أيضاً أن شقيقين يبلغان من العمر 18 و12 سنة أصيبا بجروح خطيرة، في 16 يناير/كانون الثاني 2019، جراء انفجار قذيفة مدفعية بجوار بيتهما في ناحية ماونغداو.
ومع أن منظمة العفو الدولية لم تستطع أن تحسم بصورة قاطعة بشأن مسؤولية جيش ميانمار عن كل هجوم جرح فيه مدنيون أو دمرت أو تضررت فيه ممتلكات مدنية، إلا أن مثل هذه الأساليب الحربية طالما لازمت العمليات العسكرية التي كان يشنها ضد الجماعات المسلحة. ففي تقرير صدر في يونيو/حزيران 2017، وثّقت منظمة العفو الدولية بالتفصيل القصف العشوائي الذي قام به جيش ميانمار خلال عملياته في ولايتي كاشين وشان الشمالية، وأدى إلى مقتل وجرح مدنيين، وإلى نزوح آلاف الأشخاص.
وتعليقاً على كل ذلك، قالت تيرانا حسن: “إن هذه الهجمات غير القانونية تزرع الخوف في قرى عديدة. وقد كان من نتائجها المباشرة نزوح المئات من المدنيين، إن لم يكن الآلاف منهم، من ديارهم”.
وأبلغت امرأة تبلغ من العمر 34 سنة، وهي من سكان قرية نائية لإثنية المرو، في ناحية كياوكتاو، منظمة العفو الدولية أن جنود وشرطة ميانمار فرضوا قيوداً على كمية الأرز التي يمكن جلبها إلى قريتها. وكان القرويون يعانون حتى قبل ذلك من شح في المواد الغذائية الأساسية، نتيجة للقتال الذي اندلع بالقرب من منطقتهم في ديسمبر/كانون الأول 2018 وحال دون جنيهم محصول الأرز أو البامبو، وهو مصدر دخل لا يستهان به بالنسبة إليهم.
وجراء تدهور الأوضاع، ذهبت مجموعة من أهالي القرية، بمن فيهم امرأة تبلغ من العمر 34 سنة، إلى مخفر للشرطة وإلى نقطة تفتيش تابعة للجيش بالقرب من قرية تاونغ مين كو لار لطلب الإذن بنقل الأرز إلى قريتهم. وقالت إن قوات الأمن أبلغوهم بأن بإمكانهم جلب كمية من الأرز بحد أقصى مقداره 6 باي (وحدة قياس بورمية تعادل سعة وعاء من 2.56 لتر) وأن عليهم الحصول على تصريح من قوات الأمن.
وقالت لمنظمة العفو الدولية: “قلنا فيما بيننا إنه قد أصبح من المستحيل مواصلة العيش في قريتنا. لم نكن راغبين في الانتقال إلى المخيم [المخصص للنازحين]، ولكن لم يكن بإمكاننا المتاجرة بما وجدناه في الغابة، كما لم يكن بالإمكان الحصول على ما يكفي من المواد التموينية”.
وخلت القرية من أهلها، الأمر الذي تكرر في عدة قرى مجاورة تعرضت للظروف نفسها.
وأبلغ ناشط محلي منظمة العفو الدولية بأنه كان يساعد الأهالي على الحصول على رسائل توصية من الشرطة للسماح لهم بالتنقل في محيط ناحية كياوكتاو، غير أن السلطات ما زالت تمنع الناس من نقل الطعام، مدعية أن الغرض من ذلك هو قطع الطريق على وصول الامدادات إلى “جيش أراكان”.
وفرضت سلطات ميانمار كذلك قيوداً إضافية على دخول المساعدات الإنسانية إلى ولاية أراكان. ففي 10 يناير/كانون الثاني، حظرت حكومة ولاية أراكان على جميع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، باستثناء “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” و”برنامج الأغذية العالمي”، العمل في خمس من النواحي الإدارية المتأثرة بالنزاع. واضطرت العديد من المنظمات وقف تقديم مساعداتها الإنسانية، ما قوّض جهود الاستجابة لحالات الطوارئ والإغاثة في واحد من أشد أقاليم ميانمار فقراً وتخلفاً.
وقدّمت سلطات ولاية أراكان، إلى جانب “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” و”برنامج الأغذية العالمي”، بعض المبالغ والمساعدات العينية إلى من أدى القتال إلى نزوحهم، ولكن متلقي هذه المعونات وصفوها بأنها غير كافية وغير متواصلة. وقال عدة مسؤولين في مجال المساعدات الإنسانية إن فرض القيود، على ما يبدو، يشكل إحدى الطرق لإبعاد أنظار المجتمع الدولي عن العمليات العسكرية للجيش.
وعلقت تيرانا حسن على ذلك بالقول: “تتلاعب سلطات ميانمار بصورة متعمدة بحياة وسبل عيش المدنيين. وقد شاهدنا ذلك المرة تلو المرة، فأولوية العسكر لا تنصب على حماية الأهالي العالقين وسط القتال وإنما إخفاء انتهاكاته عن أعين المجتمع الدولي”.
يبدو أن قوات الأمن التابعة لميانمار تستخدم قوانين تنطوي على انتهاكات لاعتقال المدنيين ومقاضاتهم لدعمهم المزعوم “لجيش أراكان”، ما يثير بواعث قلق بشأن حالات اعتقال تعسفي، وربما إساءة المعاملة.
ففي الأيام التي أعقبت القتال في التجمع القروي ثا يت بيين، في 13 يناير/كانون الثاني 2019، احتجزت الشرطة أونغ تون سين، زعيم إحدى قرى أقلية المرو الإثنية، وما لا يقل عن 10 رجال آخرين، للاستجواب. وأفرج عنهم لاحقاً، ولكن أونغ تون سين استدعي بعد عدة أيام إلى مركز لشرطة حرس الحدود. ولا يزال رهن الاعتقال، وحالياً في سجن بوثيداونغ.
وقد وثّقت منظمة العفو الدولية، في تقرير صدر في يونيو/حزيران 2018، حالات تعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية ضد رجال وصبيان من الروهينغيا كانوا محتجزين في مراكز شرطة حرس الحدود، شمال ولاية أراكان.
ولم يستطع أفراد عائلة أونغ تون سين وقادة القرية الآخرون معرفة مكان احتجازه لأكثر من أسبوع عقب اعتقاله. وكان الجيش قد اتهمه، حسبما ذكر، بتسريب معلومات إلى “جيش أراكان” حول تحركات قواته. وقال أحد أبناء القرية إن أونغ تون سين يواجه تهماً بموجب “قانون الجمعيات غير القانونية”، وهو قانون قمعي غامض كثيراً ما تستخدمه سلطات ميانمار لمقاضاة الناشطين والصحفيين وسواهم في مناطق النزاع.
ويشير ناشطون محليون وتقارير إعلامية إلى أن الاعتقالات التعسفية واستخدام القوانين الغامضة والقمعية ظلا شائعين خلال العملية العسكرية الأخيرة في ولاية أراكان. وقد أورد موقع إرّاوادي أنه قبض على 26 شخصاً في 4 فبراير/شباط بتهمة الانتماء غير القانوني المزعوم إلى “جيش أراكان”. كما ذكر الموقع أن نحو 30 من الإداريين في القرى قدموا رسائل استقالة في يناير/كانون الثاني بسبب بواعث قلق من إمكان مقاضاتهم ظلماً بتهم مماثلة بالصلة غير القانونية مع هذا الجيش.