القاضي العمراني مفتي اليمن

تقارير

“العمراني”.. مفتي اليمن صاحب أثر في العلم والصلاح والقضاء

By حسن الأثري

July 17, 2021

غيب الموت، الاسبوع الماضي مفتي اليمن السابق القاضي محمد بن إسماعيل العمراني، عن عمر ناهز 99 عاما، بعد صراع مع المرض.

وكان الشيخ “الراحل كبير علماء اليمن بلا منازع ومرجعهم عند التتازع”، مشيرا إلى إسهاماته العلمية المتميزة في مجالات القضاء والتدريس وحلقات المساجد.

وفي 25 يونيو الماضي، نقل العمراني إلى أحد مستشفيات في صنعاء، إثر وعكة صحية لم يتم الإعلان عن طبيعتها، قبل أن يغادر المستشفى ويعود إلى منزله في اليوم التالي.

وفي السطور التالية نحاول الوقوف على حياته بشكل عام:

اسمه وكنيته ونسبه ومولده:

هو: أبو عبد الرحمن القاضي العلامة الفقيه ناصر السنة، قامع البدعة، صاحب التحقيق في العلوم -المشتغل بالعلم والتعليم والإفتاء في كل أوقاته: محمد بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن علي بن حسين بن صالح بن شائع العمراني اللقب، الصنعاني المولد والنشأة. وكان مولده في ربيع أول سنة 1340هـ.

متزوج، وله خمسة من الأبناء الذكور.

حياته العلمية:

مرحلة الطلب الأولى:

يتحدث فضيلة شيخنا القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني -حفظه الله- عن بداية طلبه للعلم قائلاً: بتشجيع من كبار السن ممن كانوا يعرفونني من القضاة والعلماء بقولهم لي: “أنت ابن القاضي إسماعيل بن القاضي محمد..، لقد كان جدك من كبار علماء صنعاء وكذلك جد أبيك”؛ ليحفزوني على طلب العلم واللحاق بركب العلماء، وبهذا التشجيع تاقت نفسي للعلم، فبادرت بالدخول في مدرسة الفليحي الابتدائية وأنا في السابعة من عمري، فأخذت القرآن الكريم على الأستاذ: محمد النعماني وغيره، وتعلمت -إلى جانب فن التجويد- مختصرات من العلوم ممثلة في منهج مدرسة الفليحي الابتدائية وهي: الأخلاق، النحو، الخط، الإنشاء، الحساب، الهندسة، الجغرافيا، الصحة، وأخذت من المدرسة شهادة في ذلك. انتقلت بعدها إلى مدرسة الإصلاح في اليوم الذي افتتحت فيه، فأخذت فيها جميع ما تقدم ذكره من المختصرات الابتدائية ولكنها كانت أرقى وأرفع من الأولى، وعلى رأس السنة من دخولي هذه المدرسة كان خروجي منها بشهادة أعلى من الأولى، وكانت هذه الشهادة التي حزتها مع زملائي في هذه المدرسة أول شهادات أعطيت لخريجيها وكانت أول دفعة تخرّجت منها.

مرحلة الطلب الثانية:

يقول فضيلة شيخنا الفاضل القاضي العلامة: محمد بن إسماعيل العمراني -حفظه الله تعالى- عن طلبه العلم في هذه المرحلة: “لقد قرأت أثناء دراستي في مدرسة بئر العزب وبئر الشمس عند الأستاذ: غالب الحرازي، وفي مدرسة الروضة عند الأستاذ: الحسن بن إبراهيم، وعندما بلغت الرابعة عشر من عمري 1354هـ انتقلت إلى الجامع الكبير بصنعاء وإلى مسجد الفليحي، فجودت القرآن الكريم على المقرئ: محمد بن إسحاق، والفقيه:المراصبي، والعلامة الضرير: يحيى الكبسي، والفقيه: حسين الأكوع، والسيد: محمد حميد الدب.

1ويضيف شيخنا حفظه الله تعالى قائلاً: “وحفظت المختصرات على السيد عبدالكريم بن إبراهيم الأمير وغيره ولزمت هذا المسجد (الفليحي) كثيراً”، واختلف إلى مساجد أخرى أجلس متلقياً على يد شيوخها ومن هذه المختصرات:

1) متن الأزهار في الفقه الهادوي.

2) متن الكامل في أصول الفقه.

3) متن الكافية في النحو.

4) متن الألفية في النحو.

5) قواعد الإعراب في النحو.

كما أخذت على السيد: عبدالكريم الأمير في شرح القواعد وشرح الفاكهي على ملحمة الإعراب وشرح قطر الندى في النحو وشرح السعد للتفتازاني في علم المعاني والبيان والبديع وغيره، وأخذت على الصفي: أحمد بن محمد السنيدار في مفهوم ومنطوق بعض متن الأزهار وفي صحيفة علي بن موسى الرضي، وأخذت على العلامة: العزي البهلولي في شرح الجوهر المكنون في علم المعاني والبيان والبديع وشرح ابن عقيل على ألفية بن مالك في النحو وشرح الطبري على متن الكافل في أصول الفقه وشرح السعد على التلخيص في علم المعاني والبيان والبديع وشرح عمدة الأحكام وفي أوائل غاية السؤل في أصول الفقه وفي أوائل كتاب الكشاف في التفسير وأخذت على الفخري: عبدالله بن عبدالرحمن حميد في قواعد الإعراب وشرح ابن عقيل وشرح الجوهر المكنون والكافل وتحفة الذاكرين ونخبة الفكر وبعض من المناهل الصافية في علم الصرف وغير ذلك من الكتب، وأخذت على القاضي: علي بن حسن المغربي بعضاً من كتاب قطر الندى في علم النحو وشرح نخبة الفكر في علم مصطلح الحديث وغير ذلك من الكتب.

وأخذت على القاضي: أحمد بن لطف الزبيري بعضاً من شرح القطر وبعض شرح الفاكهي على الملحة وشرح القواعد، وأخذت على السيد: أحمد بن محمد زبارة في أوائل شرح الأزهار وثلثي كتاب سبل السلام وبعضاً من كتاب الشفاء للأمير الحسين.

وأخذت على القاضي: عبدالوهاب المجاهد الشماخي بعضاً من الجزء الأول من شرح الأزهار وبعضاً منه من الجزء الثاني، وأخذت على القاضي: حسن بن علي المغربي في الفرائض وشرح الأزهار وأصول الأحكام وبيان ابن مظفر وغير ذلك من الكتب، وأخذت على السيد: عبدالخالق الأمير في شرح الأزهار وفي الفرائض وصحيح مسلم وغير ذلك من الكتب، وأخذت على القاضي: على الآنسي في الفرائض، وأخذت على غير هؤلاء المذكورين من رجال الفروع والفرائض، وعن السيد: محمد السراجي في شرح الغاية وفي شرح العمدة، وعلى السيد العلامة: أحمد….. -(هكذا في الأصل)- في شرح الغاية وفي الكشاف وفي شرح الأزهار وفي سنن أبي داود، وعلى القاضي العلامة يحيى محمد الإرياني في شرح الغاية في أصول الفقه وفي الكشاف وفي سنن أبي داود وفي البحر الزخار وفي الروض النضير وفي غيرها.

عقده الحلقات العلمية كوسيلة لتحصيل العلم وتعميقه:

يقول شيخنا حفظه الله تعالى: “وبينما كنت أختلف إلى مشايخي لآخذ عليهم كبار الكتب -كتب التخصص- كنت أستعين الله وأفتح حلقات علمية لطلاب أقل مني تحصيلاً في الكتب الأولية من المتون والمختصرات التي تشمل كتب الفقه واللغة والحديث وبهذا الأسلوب حصلت على فوائد جمة وعلوم نافعة قيمة أكثر مما لو كنت مقتصراً على التحصيل فقط” انتهى كلام الشيخ حفظه الله.

شيوخه:

تلقى تعليمه على أكثر من 50 شيخًا أبرزهم:

1) القاضي العلامة: عبد الله بن عبدالكريم الجرافي: (ت: 1387هـ) قرأ عليه موطأ مالك وكتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وأكثر سبل السلام وأكثر نيل الأوطار وسنن النسائي كله.

2) القاضي العلامة: عبدالله بن عبدالرحمن حميد: (ت: 1319هـ) قرأ عليه شرح ابن عقيل وشرح الجوهر المكنون وفي شرح الكافل في أصول الفقه وبعض شرح متن الأزهار وشرح قواعد الإعراب…وغير ذلك من الكتب.

3) السيد: عبدالكريم بن إبراهيم الأمير: (م: 1330م) حفظ عليه بعض المختصرات مثل: متن الأزهار ومتن الكافل ومتن الكافية ومتن الألفية وملحة الإعراب، ثم أخذ عليه شرح قطر الندى لابن هشام وشرح ملحة الإعراب للفاكهي وشرح قواعد الإعراب للأزهري وشرح ابن عقيل على الألفية وشرح كافل ابن لقمان والجزء الأول من مغني اللبيب والجوهر المكنون وشرح التفتازاني على الغزني في الصرف…وغيرها من الكتب.

4) القاضي العلامة: حسن بن علي المغربي: (ت: 1410هـ) قرأ عليه بعضاً من شرح الفرائض وبعضاً من شرح الأزهار وبعضاً من كتاب أصول الأحكام للإمام أحمد بن سليمان وبعض بيان بن مظفر…وغيرها من الكتب.

5) القاضي العلامة: علي بن حسن بن علي بن حسين المغربي: (ت:1948م) توفي وهو شاب، قرأ عليه شرح قطر الندى لابن هشام وكتاب نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر للحافظ ابن حجر العسقلاني.

6) القاضي: عبدالله بن محمد السرحي: (م: 1318- وتوفي قريباً) قرأ عليه بعض تفسير الكشاف للزمخشري.

7) القاضي العلامة: عبد الوهاب الشماحي: (ت: 1375هـ) قرأ عليه بعض شرح الأزهار قبيل موته أي قبل حوالي 63 عاماً.

القاضي العلامة: علي بن أحمد الخربي -عضو المحكمة العليا.

9) القاضي العلامة: يحيى بن محمد بن عبدالرحمن بن أحمد شرف الدين الكوكباني -أحد أعضاء المحكمة العليا سابقاً.

10) القاضي العلامة: غالب بن عبدالله راجح رئيس محكمة أمن الدولة سابقاً.

وغير هؤلاء الكثير ممن هم في مختلف وظائف الدولة والمهتمون بشئون المجتمع.

إجازاته العلمية:

وممن أجازه من أكابر العلماء في عصره:

السيد العلامة: محمد بن محمد زبارة: إجازة عامة في جميع إجازاته من مشائخه وغيرهم ممن أجازه من علماء مصر ومكة المكرمة وبغداد…وغيرها.

وقد بلغ عدد من أجازوا فضيلة الشيخ العلامة: محمد بن إسماعيل العمراني -حفظه الله تعالى- اثنان وعشرون علماً من كبار علماء الأمة الإسلامية.

أعلى سند له في صحيح البخاري:

أقرب سند يصل فضيلة القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني بالإمام المحدث العلامة محمد بن إسماعيل البخاري هو ما يروي عن:

شيخه الواسعي عن العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف عن العلامة عيدروس بن عمر بن العلامة عبدالرحمن بن سليمان الأهدل عن العلامة محمد بن محمد بن سنة الفلاني عن العلامة أحمد بن محمد العجل اليماني عن القطب النهرواني عن الطاووي عن بابا يوسف الهروي عن الجمل الفرغاني عن ابن مقبل الختلاني عن محمد بن يوسف العزيري عن البخاري.

المحن التي تعرض لها:

كما هي سنة الله في الابتلاء فإن الشيخ مثله مثل كثير من جهابذة العلم وأتباع السنة لابد أن يتعرض لمضايقات من المتعصبين لمذاهبهم وهذا أحد هذه المواقف: (بينما كان الشيخ يلقي دروسه في مسجد الفليحي في العاصمة صنعاء لطلاب جاءوا من المخلاف السليماني (صبيا جيزان) وكان هؤلاء الطلاب يدرسون كتب الشوكاني والأمير…وغيرهم، وكان يرتاد هذا المسجد أصناف من الناس لأداء بعض الصلوات الخمس منهم زيدية متعصبون وعلى رأسهم قاسم بن حسين أبو طالب الملقب بالعزي، وكان من أهل الوجاهة ورجال الدولة له أتباع من العامة.

وكان الشيخ قد حاول أن يلقي دروسه أثناء غيابة وأحياناً كان يتوارى داخل قبة المسجد حيث لها باب منفصل، وذات يوم جاء قاسم العزي إلى المسجد فجأة وهم يدرسون كتب السنة، وكان هذا جريمة في نظرهم، فسأل الشيخ: ماذا تدرسون؟ فأجابه الشيخ بصراحة وتحدي: كتاب نيل الأوطار للإمام الشوكاني، وإذا به يهاجمه بكلام ملؤه الغيظ والحنق وقد احمر وجهه قائلاً: اتقوا الله هل قد نسيتم دخول القبائل إلى صنعاء هاتكين الحرمات ناهبين المتاع والبيوت بسبب كتب أهل السنة المعادية لأهل البيت أتركوا كتب الناصبة، وكتب إلى وزير المعارف محرضاً له على قطع راتب فضيلة الشيخ الذي يستلمه مقابل تدريسه في المدرسة العلمية التابعة لوزارة المعارف.

ثم ذهب الشيخ لمقابلة ابن وزير المعارف -وكان ذكياً لبيباً مقدراً للأمور- وبعد أن أخبره الشيخ بالموضوع كتب له ورقة إلى والده فجاء الجواب: “درسوا ما أردتم فنحن لا نصدق أحداً”.

ولكن قاسم العزي بعد أن علم برد الوزير توعد بأنه سيكتب إلى الإمام أحمد بن يحيى بن حميد الدين إلى تعز وذهب الشيخ إلى شيخه العلامة السيد محمد زبارة فكتب له رسالة إلى الإمام مفادها (أن القاضي محمد بن إسماعيل العمراني رجل عالم فقيه غير متعصب ولا ميال إلى أي مذهب من المذاهب وهو يتصف بالإنصاف إلا أنه يخشى من الوشاة أن يغرروا عليكم يا مولانا بأنه يريد تخريب المذهب وأنه يناصب أهل البيت العداء، بل هو ينهى عن ذلك فلا تصدقوا قاسم العزي ولا غيره) فكتب الإمام جواباً مفاده: “حماكم الله، لا يتصور أحد أن نمنع كتب السنة أن تدرس في المساجد من إنسان عادي فضلاً عن عالم من العلماء، وإذا قيل لكم أن الإمام يمنع هذا فلا تصدقوه، ولكن أنصحكم إرغاماً للشيطان وإرضاء للرحمن أن تجمعوا بين الشيئين فتدرسوا شفاء الأوام للأمير الحسين والبخاري ومسلم…وغيرها حتى تقطعوا عنكم تقولات الآخرين” انتهى رد الإمام بن يحيى حميد الدين.

أهم الأعمال الرسمية التي تولاها:

ولاية المظالم الشرعية في رئاسة الجمهورية:

وهذا العمل يعتبر نوعاً من أنواع القضاء وفصل في الخصومات، وهي ولاية عظيمة وخطيرة، وإدارتها من أصعب الإدارات، وأعمالها مضنية جداً، ومع ذلك فقد قام بما أنيط به من عمل أحسن قيام، وما تخلى عن تدريسه وأعماله الدعوية قط، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على النفس الكبيرة التي يحملها فضيلة الشيخ محمد بن إسماعيل العمراني -حفظه الله- بين جنبيه والهمة العالية التي بلغها.