الأخبار

جيش الجزائر والدولة العميقة

By عنتر فرحات

April 20, 2019

ما لم ينتبه إليه الكثير، بل لنا القول الكل، إلا من هو متعمق في أصل الصراع الحضاري في الجزائر؛ وذلك أن الحراك في الجزائر لم يخرج ضد بوتفليقة أو ضد مجموعة تحكم البلاد، وإنما ضد احتلال بسط نفوذه على الجزائر منذ سنة 1830م، حيث إنه لم يخرج من الجزائر حتى ضمن أذرعا وقِوى تسيطر على مفاصل الدولة، واستمر الوضع على تلك الحالة بعد 1962، وتأكد سنة 1992، وترسخ مع مجيء بوتفليقة سنة 1999م إلى أن جاءت 2015م والتي تعتبر تاريخا جديدا خاصة في المؤسسة العسكرية التي استطاعت قطع كل أذرع وأجنحة الاستئصال المتعمقة في الجيش الوطني الشعبي، وكانت هذه الأذرع والأجنحة هي التي تمنع أي تقدم أو تغيير في الدولة الجزائرية، حيث جعلوا من الجزائر فعلا مستعمرة فرنسية بامتياز، واتضح هذا أكثر مع مجيء بوتفليقة في العقدين الأخيرين ثم هيمنت اللغة والثقافة والاقتصاد الفرنسي، حيث إن المدرسة الجزائرية كادت على وشك أن تصبح فرنسية بامتياز، ولولا عُمق الإسلام في قلوب الجزائريين لتحولت المساجد إلى كنائس تقرع أجراسها كل يوم أحد.

 

حيثيات:

 

في سابقة من أمرها ومنذ أكثر من ثلاثين سنة استكان فيها الشعب للدولة العميقة، وفي لحظة وقد تكون غفوة من الدولة (بل بدافع قوي من رجال مخلصين الذين يعملون في الظلام والذين سَتَعْلُوا أسماؤهم لما يحن الوقت لذلك)، هَبَّ الشعب هبة نوفمبرية عظيمة يطالب فيها بكامل حريته وكرامته، ولكن ما لم يعلمه الحراك، أنه لما كان هو في الشارع يطالب بإلغاء العهدة الخامسة، كان الرجال المخلصين يَقصُّون أجنحة فرنسا جناحا تلو الآخر، حتى ضمنوا أن الجزائر سفينة من غير خونة، ومهما كان القبطان الذي يقودها فستصل إلى بر الأمان سالمة بإذن الله رغم الأمواج العالية التي تضرب هذه السفينة.

 

الجيش والدولة العميقة:

 

بعدما تأكد أن نظام بوتفليقة راحل لا محالة، وكان رجال الدولة العميقة في أماكن حساسة منها رئاسة الحكومة، سارعت أجنحتها وأبواقها الإعلامية إلى ضرورة تفعيل المادة 102 والتي تضمن لهم الحكم المباشر بعد نظام بوتفليقة، ما يعني تنظيم انتخابات في حدود ما يرسمونهم هم، ولكن الجيش الوطني الشعبي  فاجأهم بأمرين:

 

1- قص أجنحتهم في كثير من المؤسسات.

 

2- إقالة حكومة أو يحي.

 

وإقالة أويحيى يعني أن الدولة العميقة أصبحت من غير واجهة سياسية.

 

وهذا هو سبب تغيير مطالبهم من المادة 102 إلى المادة 7-8 أي من أجل خلق فراغ دستوري يستطيعون من خلاله لَمَّ شَتَاتِهم.

 

ولكن ما لخبط أوراق لعبتهم أكثر هو:

 

1- تضامن الشعب مع الجيش، ولم يخرج في مظاهرات ضده كما روجوا.

 

2- الوعي الشعب الكبير الذي أظهره الشعب.

 

وهذا يعني الخطر المحقق الذي يهدد كيانهم.

 

خطر يهدد الدولة العميقة:

 

وهذان الأمران (وعي الشعب، والتضامن مع الجيش)، ما يعني لا محالة نهاية الدولة العميقة  ومن دون رجعة، وأيقنوا أنهم إن هم ذهبوا إلى الانتخابات بهذه الوضعية، فهو الموت المحقق، خاصة أن صفحات التواصل الاجتماعي أصبحت تسمي من غير تحفظ رجالها وأذرعها وأدوارهم التي يلعبونها في الجزائر ما يعني أن كل شيء أصبح مكشوفا.

 

الوعي الشعبي والتضامن بين الجيش والشعب الذي أظهره الحراك، أصبح هاجسا حقيقيا يهدد الدولة العميقة وأذرع فرنسا الثقافية والاقتصادية في الجزائر، ولكن الدولة العميقة بقوتها ونفوذها في مؤسسات  الدولة مثل القضاء والتربية والإعلام والنقابات لن تستلم أبدا، وإن كلف الأمر سوريا جديدة، وهذا جواب للذي يسأل عن تصرفات النقابات المختلفة.