حاتم سلامة

مقالات

حاتم سلامة يكتب: أمة ماجنة أم مجاهدة؟

By حاتم سلامة

March 02, 2023

تتجمع فينا كل العلل، وتظهر فينا كل الهنات، فلا نحن أمة مجد، ولا نحن أمة جد.

إنني حينما أتأمل تلك الشُبه التي ألصقها التغريبيون بأمتنا واتبعوا فيها سادتهم وآلهتهم من المستشرقين، أتبين عجبًا.

فمرة يصفون ديننا وحضارتنا بأنها حضارة إرهاب ودماء، ومرة أخرى يصمونها بأنها حضارة دعة وترف ومجون وفسوق.

ولعمري كيف يستقيم الأمران معًا.؟!

كيف نكون أمة مجون وترف وفسوق وشهوات، وفي ذات الوقت أمة مجرمة تسفك الدماء وترهب العوالم؟!

لقد اجتهد طه حسين من قبل وتبنى منهج أساتذته المستشرقين، حينما وصف حقبة تاريخية من أزهى حقب الحضارة الإسلامية وهي العصر العباسي واتهمها بأنها حقبة داعرة ماجنة إباحية،

معتمدًا فيها على الروايات الكاذبة المدلسة الواردة في كتاب الأغاني، وحاول تصوير هذه الفئة الشاذة التي ضمها كتاب، بأنها المعبر الحقيقي عن حال الأمة وطبيعة العصر.

وزورًا وإفكا قال، فهذا العصر هو عصر البطولة والعلم والتقوى والزهد والورع والرقي والتقدم والتفوق والجهاد والحضارة في أزهى معالمها.

ولكنهم يغيظهم أن ينتسب للإسلام أي فخر فيحاولون أن يجتروا عليه السوء والتشويه.

كما زعم واهمون من أرباب الثقافة واستحسنوا عمل المستشرقين في ترجماتهم الأدبية،

 والقوم لم يكن لهم غرض شريف في هذا المنحى، فما أقدموا على ذلك إلا للترويج لأن هذه الأمة.. أمة الترف والشهوات والمجون.

ثم إنني أتعجب وأقول:

كيف تكون هذه الأمة أمة مجون وترف وفسوق، وهي التي ركّعت دول العالم بالسيف والقوة خاصة في هذا العصر الذي يتهمونه بأنه حقبة المجون.

كان المسلمون فيه هم القوة القاهرة، وجيوشهم لها الغلب العظيم، فلا تقوى أمة في العالم أن تقاومهم..

كيف لقوم يمتطون ظهور الجياد، يطلبون الموت، وينازلون العدو، ثم يكون مجتمعهم وحياتهم حياة المجون والترف؟

وكل هذه الحيل والتهم للأسف تجد الرواج عند كثير من الناس، لأنهم لا يقرؤون ولا يدرسون ولا يمحصون.

فالتلفزيون يفخم ليل نهار في عميد الأدب العربي، ويصور لك أنه أعجوبة عصره ومعجزة زمانه،

ومن ثم تقدم على اقتناء كتبه لترى مثل هذه السموم وهذا التجني الرهيب على مجدنا وحضارتنا وتاريخنا.

وهي ذات الفرية التي حاولوا خلعها على الخليفة المجاهد هارون الرشيد، فنسبوا له كذبًا وإفكًا ليالي المجون والعبث بالجواري وسماع القيان وشرب الخمور.

المجاهد هارون الرشيد.. ونقفور ملك الروم

وما كان الرجل إلا تقيا نقيا مجاهدا عابدا بكاء من خشية الله.

ولعلنا هنا نذكر أو ننقل طرفا من التاريخ لهذا الخليفة الذي يدعون مجونه، لترى وتنظر

كيف كان المجون على أصوله، خليفة ماجن لعصر ماجن.

بعث نقفور الأول إلى الخليفة رسالة تخلو من اللباقة والاحترام يبلغه فيها بتوقفه عن دفع الجزية: «من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب،

أما بعد

فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البَيْدق، فحملت إليك من أموالها، ما كنت خليقًا بحمل مثله إليها،

ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن،

فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وأفتدِ نفسك بما يقع به المبادرة لك،

وإلا فالسيف بيننا وبينك».

جواب مقتضب على ظهر رسالة نقفور

غضب الرشيد غضباً شديداً لدى قراءته رسالة نقفور فما كان منه سوى أن نص جواباً مقتضباً على ظهر رسالة نقفور وبعثه مع نفس الموفد الذي حمل الرسالة

«بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون الرشيد أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم. قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه»!.

لم يتأخر هارون الرشيد في تنفيذ وعيده.

فلقد شنّ الجيش الإسلامي هجوماً على كابودكيا بقيادة ابنه وحاصروا العديد من الحصون الحدودية وحرروا أكثر من 300 مسلم كانوا في أسر البيزنطيين.

لكن الرد الأقوى كان أواخر عام 803م عندما ترأس الخليفة الرشيد بنفسه جيشاً جرارا وهاجم الأناضول فحاصر حصن هرقلة المنيع.

هبّ نقفور لإنقاذ الوضع فانتقل إلى الأناضول وبعد شهرين من المفاوضات مع الخليفة تم التوصل لوقف الأعمال الحربية مقابل دفع الجزية مجدداً.