حمدي شفيق

الأخبار

ملحمة «ملاذ كُرد»

By حمدي شفيق

June 08, 2021

أكّد كثير من المُؤرّخين أن هذه الموقعة الكبرى لا تقل أهمية عن المعارك الخالدة في تاريخ الإسلام، كالقادسية واليرموك وغيرهما..

وأمّا بطلها فهو السلطان الغازي ألب أرسلان، أحد أعظم وأنبل سلاطين السلاجقة الأتراك، رضي الله عنه وأرضاه، في مواجهة أحد أشرس وأخبث أباطرة الرومان الصليبيين.. وحتى الآن، ما زال الخبراء العسكريون والمؤرّخون الغربيون عاجزين عن فهم وتفسير كيف انتصر عشرون ألفًا من المسلمين على جيش تتراوح تقديرات عدده ما بين 300 إلى 400 ألفًا..

أما نحن فنعلم علم اليقين: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128).سورة النحل،و أنه ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}.سورة البقرة..

ونكتفي هنا بسرد ما كتبه مؤرّخنا العظيم الإمام ابن كثير رضي الله عنه عن الموقعة الخالدة: «أقبل ملك الروم أرمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج، وعدد عظيم وعُدد، ومعه خمسة وثلاثون ألفًا من البطارقة، ومعه مائتا ألف فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفًا، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفًا، ومعه مائة ألف نقّاب وخفار، ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير، وألفا عجلة تحمل السلاح والسروج والغرادات والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل، ومن عزمه قبحه الله أن يبيد الإسلام وأهله، وقد أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد، واستوصى نائبها بالخليفة خيرًا، فقال له: أرفق بذلك الشيخ فانه صاحبنا، ثم إذا استوثقت ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله مَيلة واحدة، فاستعادوه من أيدي المسلمين، والقدر يقول: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} سورة الحجر: الآية : 72.

فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفًا، بمكان يقال له الزهوة، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين، فلما كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرّغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره،

فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم أكتافهم، فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وأسر ملكهم أرمانوس، أسره غلام رومي،

فلما أوقف بين يدي الملك ألب أرسلان ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال: لو كُنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل؟

قال: كل قبيح،

قال فما ظنك بي؟

فقال: إما أن تقتل وتشهرني في بلادك، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني.

قال: ما عزمت على غير العفو والفداء.

فأفتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار.

فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة إجلالًا وإكرامًا، وأطلق له الملك عشرة ألف دينار ليتجهز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيعه فرسخًا، وأرسل معه جيشًا يحفظونه إلى بلاده، ومعهم راية مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله». انتهى.

—————————————-

ابن كثير –  البداية و النهاية – الجزء 12 – ص 108