د. صالح الرقب، أستاذ العقيدة، بالجامعة الإسلامية، فلسطين

مقالات

د. صالح الرقب يكتب: محطة الوقود؟

By د. صالح الرقب

April 06, 2022

يروي د. إبراهيم الفقي (رحمه الله) قصة حصلت له فيقول:

كنت مسافراً بسيارتي لمنطقة تُسمى بـ (العين السخنة) ومعي أسرتي.

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل.. وقبل انطلاقي وضعت في بالي أن أنتبه على (ضوء مؤشر البنزين) كون المؤشر كان يؤشر على قرب انتهاء الخزان …

توجهت لشراء بعض اللوازم وبعدها انطلقتُ ونسيت أمر البنزين.. تذكرت أن الخزان سيفرغ من البنزين وأنا في الطريق..

وما هي إلا فترة قصيرة حتى أضاء مؤشر البنزين معلناً أن وقودي سينفذ نهائياً بعد فترة.

لم أقلق في البداية ظناً مني أنني سأجد الكثير من محطات الوقود في الطريق،

ولكن.. ومع مرور الوقت والظلام الحالك والطريق الموحش بدأ القلق يتسرب.

اتصلتُ بصديق مستعلماً منه عن أول محطة بنزين فأنبأني بأنها بعد مسافة طويلة جداً

تحول القلق إلى رعب.. وتراجعت كل الاهتمامات والمشاغل والمشاكل. وانحصرت الآمال والأحلام والهموم كلها في أمر واحد فقط وهو:

محطة الوقود

ولم أعد أتمنى من الدنيا إلا محطة وقود إذ تضاءلت وتصاغرت كل المشاكل التي كانت تشغلني منذ دقائق.

لاح لي ضوء من بعيد فدب في قلبي أملٌ واهنٌ وفرحٌ مُعلق..

اقتربتُ من الضوء.. لم تكن محطة وقود بل استراحة فقيرة جداً.

شعرت بالإحباط.. وسألت الرجل عن أقرب محطة وقود، كياني كله تعلّق بـ«فم ذلك الرجل في انتظار إجابته».

قال الرجل: [المحطة بعد مسافة 3 كيلومتر]

كدتُ احتضنه.. لكني خشيت أن تكون إجابته غير دقيقة.. أو أن محطة الوقود ليس بها وقود الليلة..

انطلقتُ بعدها مكملاً طريقي وعيناي لا تفارق (ضوء مؤشر البنزين) ومرت الثواني كالدهر..

وأخيراً… لمحت من بعيد محطة الوقود.. وحين وصلت لم يكن هناك أحد. وجعلت أبحث عمن أكلمه ظهر رجلٌ أخيراً فسألته متلهّفاً : [عندك بنزين]

قال لي [[ نعم ]] كانت أجمل (نعم) سمعتها في حياتي فسجدت لله فوراً.. بعدها انطلقتُ لاستكمال الرحلة وأنا أشعر إني قد كُتب لي عمرٌ جديد

يكمل د. إبراهيم الفقي (رحمه الله) فيقول جاء في بالي معنى يأتيني كل رمضان فرمضان أصلاً هو محطة وقود.. يتزود منها أحدنا لباقي العام كيف نضيعه؟

كيف تجازف بالموت عطشا؟…

كيف نمر بمحطة الوقود الوحيدة فلا نتزود؟

وقد يكون رمضان هذا هو الأخير في حياة أحدنا! أي أنه آخر محطة للتزود بالوقود قبل القدوم على الله..

آخر محطة للتوبة والاستقامة ورد المظالم وبر الوالدين وصلة الرحم والعودة للقرآن..

يقول الله تعالى في سورة الذاريات: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ …}

اللهم اجعلنا من المتزوّدين في محطة رمضان هذا..

ولا تجعلنا من الساهين..

و لا تجعلنا من المقصرين..

ولا تجعلنا من الغافلين..

و لا تجعلنا من المحرومين..

اللهم آمين..

من لم يستطع الانتصار على الاستبداد في دوائر صغرى ويقاومه، فلن يستطيع أبدا أن يقضي عليه في دوائره الكبرى ويواجهه.

من انتصر على نفسه فهو على غيرها أقدر، ومن عجز عن نفسه فهو عن غيرها أعجز.