د. محمد الشرقاوي

مقالات

د. محمد الشرقاوي يكتب: اقتلاع الإسلام والمسلمين من الأندلس

By د. محمد الشرقاوي

April 16, 2022

مأساة (اقتلاع الإسلام والمسلمين من الأندلس؛ أي من إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا):

انتشر الإسلام وتجذّر في هذه البلاد الشاسعة، واستقر فيها قرابة  (800) عامًا؛

كان للإسلام فيها علماء وفقهاء وقرّاء وفلاسفة.. ومساجد وآذان وصلوات ومدارس.. وحضارة شاملة متكاملة مزدهرة، ودولة وخلافة.

هل نذكرمن بين هؤلاء العلماء الكبار: ابن حزم الأندلسي أو ابن رشد الحفيد، أو الشاطبي، أو القرطبي، أو المقري، أو ابن عبد ربه، أو الباجي، أو السرقسطي ..أو …

كانت لهم مدارس وجامعات يتعلّم فيها الطلاب من كل أنحاء أوربا.. الأمراء والبابوات ..إلخ. جعل المسلمون من الأندلس عاصمة النور والعمارة والعلم والحضارة في العالم كله !!

ثم وقعت للمسلمين (أسباب ذاتية) مكّنت أعداءهم (من الأوربيين الكاثوليك) من ارتكاب أبشع عملية ( تطهير ديني وعرقي وثقافي) -ربما- في تاريخ البشرية.. هل قرأتم عن (محاكم التفتيش) الكاثوليكية وبشائعها وفظائعها في ربوع الأندلس !!

لقد (خاب) المسلمون في الأندلس -حكاما ومحكومين- خيبة ثقيلة وبيلة.. تفرّقوا وتمزقوا.. وتنافسوا على الباطل والضلال…

واستقوى بعضهم على بعض بأعدائهم.. واستمر حالهم على ذلك.. إلى أن تمكّن أعداؤهم من ضرب بعضهم ببعض..

ثم القضاء عليهم جميعا.. وكانت اللحظة المأساوية الفارقة.. حين سلّم أبو عبد الله الصغير مفاتيح «غرناطة، وما أدراكم ما غرناطة!!» لفرناندو وإيزابل..

وبدأت حملة منهجية شنيعة لاستئصال الإسلام واقتلاعه تماما بنسبة 100% من (اسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا وجزر المتوسط والمحيط )،

وأصبح الإسلام أثرا بعد عين ، كأنْ لم يغن بالأمس !!

أرى -مع بليغ الأسى والأسف- أن شطرا غير قليل من «الأسباب الموضوعية» التي تفاعلت وأدّت إلى استئصال الإسلام واقتلاعه من الأندلس، قد حلّت بساحتنا في عالمنا العربي..

وهي آخذة في التفاعل.. وإن استمر الحال على ما هو عليه.. فإن سُنن الله ماضية لا تحابي أحدا، وما حلّ بساحة المسلمين في الأندلس ليس منا ببعيد!

والله غالب على أمره …

كنتُ منذ سنوات  في (المنيا) بصعيد مصر، برفقة ثلاثة من علماء المغرب الكبار؛ هم الأساتذة الدكاترة:

عبد الهادي التازي ومحمد بن شريفة وزكي مبارك (معلم الملك محمد الخامس في القصر)

وكان مضيفنا أخونا الكريم أ.د. محفوظ عّزام (رحمه الله  وغفر له)،

وحرصنا على زيارة  قبر الإمام (القرطبي الذي هاجر -تحت وطأة الظروف العصيبة- إلى مصر، وهجر الإمام القرطبي العواصم والناس،

وأقام -متوحدا في خلوة اختيارية..- في سفح جبل وعر، قريبا من المنيا، عابدا زاهدا مؤلفا لكتب العلم..

لقد أذهلني -والله- المكان الوحيش الذي انتهى إليه حال الإمام القرطبي.. الذي كان في قرطبة عاصمة العلم والحضارة في الدنيا كلها !!

إنّ فاجعة الأندلس.. والبشائع والفظائع التي وقعت للإسلام والمسلمين هناك ، ليست منا ببعيد !!

قلت: الأسباب التي أنتجت مأساة المسلمين والإسلام في الأندلس قد تحقق شطر كبير منها في عالمنا العربي اليوم!!

رجعنا مع ضيوفنا الأكارم من هذه الزيارة لقبر الإمام القرطبي وقلوبنا تكاد تنفطر..بل تكاد تقفز من صدورنا !!