د. هاشم غرايبه  

أقلام حرة

د. هاشم غرايبه يكتب: استعادة الوعي  

By د. هاشم غرايبه

October 25, 2022

قد يتفق الجميع على أن «سيد قطب» يعتبر من أبرز مفكري العرب المسلمين في القرن العشرين، وذلك لأنه في طليعة الذين كتبوا في التعبير عن عزة الإنسان وكرامته،

ومن أفضل الذين قدموا الإسلام بشموله وحيويته وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقدرته على الحكم وعلاج مشاكل الحضارة،

وتحقيق التوازن بين متطلبات الروح والمادة، وفوق ذلك كله فهو مؤلف أوسع وأعمق تفسير معاصر للقرآن الكريم (في ظلال القرآن).

إلا أنه من أكثر من أثار جدلا وحقق اصطفافات بائنة بين من يؤيدونه ومن يعارضونه.

ربما لا تجد من يعارضه فكريا ولا عن خلاف فقهي، بل هو تحديدا بسبب انتمائه الى الإخوان المسلمين، فالتحزب السياسي، يستجلب عداء الخصوم سواء كانوا من ذوي الاتجاهات العلمانية كالقوميين والناصريين والماركسيين،

أو ذوي الفكر الإسلامي المتشدد كالسلفيين، أو عملاء الأنظمة والغرب كالتكفيريين، أو المخبرين الذين يرتدون مظاهر التدين للتمويه.

أبناء الأمة المخلصين لعقيدتهم

لم يمنعهم انتماؤه السياسي من تقدير إبداعاته الفكرية، لأن المسلم الحق يقدر جهود كل من أثرى الفكر الإسلامي، حتى ولو لم يتفق مع توجهه السياسي، والأمثلة التاريخية كثيرة، في إخوان الصفا (المعتزلة)، الشريف الرضي (الشيعة)، ابن المقفع (الفرس)، ابن عربي (الصوفية)..الخ.

كان سيد قطب في بداية وعيه السياسي ميالا إلى حزب الوفد ومعجبا بكتابات العقاد، وعندما أرسلته الحكومة المصرية في بعثة إلى أمريكا عام 1948 لإكمال دراسته العليا، لم ينبهر بالحضارة الغربية،

مثل معظم أقرانه الذين درسوا في الغرب، لأنه كان متعمقا في فهم الحضارة الإسلامية وصاحب رؤية فكرية راسخة مستندة إلى ثوابت العقيدة ، فكتب مقالة يصف فيها الشعب الأمريكي:

«شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى بل أقل من بدائي».

يقول: إن حادثة اغتيال حسن البنّا، أثرت في مساره السياسي، فعندما رأى فرح الأمريكيين واحتفالهم بالحادثة، آلمته كراهية الغرب للإسلاميين العرب، فأراد أن يتعرف على هذه الحركة عندما يعود إلى بلده فبدأ في التحول.

بدأ نشاطه السياسي فور عودته بالانضمام إلى مجموعة الضباط الأحرار،

وكان ملهمهم الفكري، وكاتب أدبياتهم، وبعد الثورة كان المدني الوحيد في مجلس قيادة الثورة،

إلا أنه حينما أحس بخيبة أمله في انتهاجهم الإسلام ابتعد وانضم الى هيئة التحرير، وحاول عبد الناصر استعادته لصفه،

لكنه رفض الوزارة وتحول الى صف الإخوان المسلمين حيث تولى إدارة جريدتهم.

اعتقل بعد حادثة المنشية التي دبرتها مخابرات «صلاح نصر» لسجن آلاف من تنظيم الإخوان،

وسجن حتى عام 1964 وعندما قبضوا على أخيه محمد احتج فسجنوه معه،

وحكموه بالإعدام بتهمة تشكيل تنظيم مخالف للدستور والتخطيط لانقلاب،

وظل التفاوض معه لإعلان ولائه لعبد الناصر إلا أنه رفض فأعدم عام 1966.

كان يقول:

الإسلام الذي يريده الأمريكان وأتباعهم في الشرق الأوسط، ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار،

يريدونه يستفتى في منع الحمل أو في دخول المرأة البرلمان،

أو في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتى أبدا في أوضاعنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو نظامنا المالي والسياسي،  إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم،

لأن الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى، وسيُعلم الشعوب أن طرد المستعمر فريضة”.

السياسي يعادى طالما هو في موقعه، لكن المفكر يبقى فكره بعد موته،

لذلك تجد العداء لسيد قطب باقيا، يتناقله كل معادي منهج الله، وذلك دليل على ان خصومته ليست لانتمائه السياسي

بل لفكره التنويري الممهد للنهضة المؤدية لعودة الإسلام.

المفارقة

أننا نجد أن كل من يناصبونه العداء، يتكونون أساسا من عملاء للمخابرات المصرية وأخواتها،

ومن خصوم للتيار الإسلامي من باحثين وكتاب علمانيين ويساريين، ومن سلفيين تكفيريين، لم يقرؤوا كتبه، بل بنوا موقفهم على انتمائه السياسي.

بحثوا طويلا عما يدينه، فلم يجدوا تهمة سوى القول أنه يكفر المجتمعات، كل ما كان يذكره الحاكمية والجاهلية،

وهذا ليس بتكفير، وقد صدرت أبحاث كثيرة أكدت كذب مزاعم منتقديه،

وأهمها بحث العلامة الشيخ «عمر الأشقر» الذي أكد أن كتابات سيد لم تَحوِ نصا واحدا يُصرِّح فيه بتكفير المجتمعات والأفراد.

رحم الله المفكر الشهيد، فعنده فقط سيجد العدالة التي افتقدها طوال حياته وبعد مماته.