د. وليد عبد الحي، أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات

د. وليد عبد الحي يكتب: الصدمة القادمة

By د. وليد عبد الحي

January 13, 2022

 

لن تكون صدمة المستقبل التي بشرنا بها «ألفين توفلر» في مطلع السبعينات من القرن الماضي هي الخاتمة بل هي التمهيد لكتاب ومسلسل الصدمات، فنحن مقبلون على  تطورات تقنية ستهز منظومات القيم السائدة في العالم كله:

أولا:

الوصول إلى الإنسان الهجين المكون من نصف بشري ونصف آلي «cyborg»، فماذا سيترتب على هذه النتيجة؟

يخبرنا علماء البيولوجي والطب أن عشرات الأعضاء في الجسم تم استبدالها بتقنيات صناعية، والتطور في هذا المجال يسير نحو:

أ‌- زراعة رقائق الكترونية في الدماغ تجعل من غوغل مستقرا في رأسك

ب‌- سيكون هناك سباق جينات بدلا من سباق التسلح بين المجتمعات لخلق مجتمعات كل أفرادها «آينشتاين» أو «ستيف هوكينغ»

ت‌- يمكن أن تعيش المخلوقات الجديدة في أماكن لم يكن الإنسان بنسخته الأولى قادرا على العيش فيها مثل قيعان البحور والمحيطات والفضاء الخارجي.

ث‌-  إذا تم السماح باستنساخ البشر رغم المعارضة الرسمية حتى الآن لتكرار نموذج «النعجة دولي» بشريا فإن مفهوم الأسرة والأبوة والأمومة  والقبيلة والعشيرة والقومية سيتغير تماما.

ثانيا:

إن الإنسان الهجين سيدفع نحو إعادة النظر في القوانين كلها وفي إعادة النظر في النسيج الاجتماعي،

وقد اثبت العقل البشري أن التراكم المعرفي وتحلل المفاهيم المحاطة بوجدان تاريخي وإعادة التنظيم المستمر من مرحلة لأخرى في الوجود الإنساني هو الذي يجب التنبه له لأنه ثابت من ناحية وله طابع خطي من ناحية ثانية.

ثالثا:

فإذا كان «توفلر» قد نبهنا قبل خمسين سنة تقريبا في كتابه صدمة المستقبل بأننا في الطريق لإلغاء المسافة والزمن (بمفهومهما العلمي) وبأن إيقاع التغير وتسارعه سيخلق شبكات علاقات تعيد النظر في كل منظوماتنا القيمة ،

فإن «كريس هابلز غري» يبشرنا في كتابه: «المواطن السايبورغي: سياسات ما بعد العصر الإنساني» بآفاق جديدة كان عالم الكيمياء «بريجوجين» والحائز على جائزة نوبل قد بشر بها،

إنه يرى أن تداخل الآلة والإنسان ببعضهما سيمثل مرحلة ثورة اعتبرها أهم نقلة في التاريخ الإنساني.

وهنا تتداعى سلسلة من الأسئلة المستقبلية:

– كيف سيكون شكل الحكومات.. أم أننا ذاهبون لحكومات روبوت كما تقول دراسة صادرة عن الاتحاد الأوروبي؟

– هل نحن على أعتاب مرحلة «الثنائية الجنسية» أي أن تكون أنت نفسك ذكرا بشريا وأنثى صناعية في ذات اللحظة أو العكس؟

– هل سيصبح الموت موضوع مناقشة إذا كان هناك استبدال لكل عضو تالف في الجسد؟

بالقطع كان الحديث قبل مئات السنين عن إلغاء المسافة والزمن أمرا خياليا،

لكنك الآن تعلم أن بعض الأطباء يجرون عمليات جراحية وهم على مسافة من مريضهم تفوق المسافة التي قطعها كولومبوس ليكتشف أمريكا (33 يومأ)،

وأنت ترى المتحاورين على شاشات التلفزيون يستمعون ويرون بعضهم رغم أن كلا منهم في قارة.. إنهم يبحثون في تزويد الكومبيوتر والروبوت بالعواطف بكل أشكالها..

وهناك الكثير مما يجري في مختبراتهم علانية حينا وسرا أحايين أخرى.

إن العقل الراكد هو ذاته العقل الذي يغالبه الحنين إلى الثواء عند الأطلال، عيناه تنظران إلى الخلف،

بينما العقل الديناميكي هو الذي يغادر باستمرار،

فهو قلق لأنه محروم من ألفة المكان ومن النازع المكاني (يسميها لورينز Territorial Drive)

لكنه أدمن السفر في قوارب المعرفة، فمكانه الكون وزمانه الحركة.

لقد زرع الأطباء قلوبا جديدة لـ47 شخصا، ثم سألوهم بعد العملية عن مشاعرهم فأجاب 44 منهم أن عواطفهم وميولهم لم يطالها أي تغيير،

بينما قال ثلاثة أنهم يشعرون بالتغير لكن أطباء النفس أخضعوهم للفحص فتبين أن التغير ناتج عن هواجس تركتها العملية الجراحية والخوف من شخصية المتبرع  …الخ،

بل إن المريض الجنوب الأفريقي الذي زرعوا له قلب قرد أكد أن حبه لزوجته وأبنائه ووطنه لم يتزعزع.. فأين نذهب الآن بتراث كل شعراء القلوب؟

إن الصدمات التي تلوح في الأفق تدعونا للتأمل، إنها تقول لنا أن القمر الذي جعلتموه مثالا للجمال والضياء تبين انه غبار وخواء وحنى الضوء مصدره من غيره…

نعم، إن المسافر الحقيقي هو الذي لا يصل كما يقول الشاعر الألماني غوته..ربما.