د. ياسر عبد التواب

مقالات

د. ياسر عبد التواب يكتب: صناعة الشبهات «1»

By د. ياسر عبد التواب

October 25, 2022

إن عوفيت أخي المسلم من فتنة الشهوات، فسكنت نفسك للذكر وأبعدتها عن مواطن الفتن وصحبة السوء فأنت بذلك تكون قد قطعت نصف الطريق إلى الله تعالى وحميت نفسك من نصف ما يؤذيك، أما النصف الآخر الذي ينبغي أن تحصن نفسك منه فهو الوقوع في الشبهات.

فنحن في زمن صار فيه بث الشبهات صنعة وفناً، يتم ذلك بتخطيط بعيد المدى وبنفس طويل وتساهم فيه أجهزة مختلفة تبدوا أحياناً بريئة وحيادية ولكنها في الواقع شيطانية ظلامية تبث السم في الدسم وتشوه صورة الحق وتغير معالم الخير وتزين الباطل وتمرر تعاليمه ليتلقاها المتلقي دون أن يفطن إلى ما فيها من فساد وتجن.

 كم من أحداث وقعت ولم نسمع عنها وكم من أشياء عاصرناها ورأيناها ثم رصدنا تعمد تشويهها على غير صورتها الحقيقية أو تجاهل كل ما يدحض الفكرة العامة التي يريدوننا أن نتبناها.

خذ مثالا غريبا ربما اعتبر الحديث عنه تهمة وانحرافا عن الجادة: حركة طالبان الأفغانية.

يكفي مجرد هذا الاسم ليستدعي الإنسان -مسلما أو غير مسلم- كل معاني الظلامية والانغلاق وإيذاء المرأة.. من أين استقينا تلك المعلومات؟..

من وسائل التشويه وصناعة الشبهات التي تصنع الرأي العام وتروضه؛

وإن سألنا عن تقارير الأمم المتحدة التي تمدح فيها نجاح الحركة في وقف زراعة المخدرات

أو شهادة العلماء الثلاثة الذين ذهبوا إلى هناك ليلوموا الحركة على اضطهاد المرأة فعادوا بغير الوجه الذي ذهبوا به؛

ومثلهم الصحفية الإنجليزية التي وقعت في الأسر ثم أعلنت إسلامها بعد أن خلوا عنها لما رأت من حسن معاملتهم لها.. مثال لا أكثر وقس أنت عليه.

 ومواقع بث الشبهات كثيرة منها الجامعات ومراكز البحث ومراكز حقوق الإنسان وأجهزة الإعلام،

وهي تدعي حيادية تنطلي على كثير من الناس فيعطيها ذلك ثقة ويمنحها مصداقية عند الناس يسهل ما تريد..

ولنذكر ببعض رؤوس أقلام لما يمكن لتلك الأماكن أن تبث من شبهات ولنضرب في هذه المقالة مثلا بالجامعات:

* في الجامعات لاسيما غير الإسلامية

تجد أقساماً تشرف على منح درجات علمية متنوعة لطلاب كثيرين من بلادنا الإسلامية،

وما دمنا نتحدث عن الفكر فإن الأقسام المتخصصة في التاريخ والاجتماع والعلوم الإنسانية بوجه عام تدرس أفكاراً لم تستضيء بنور وحي ولم تنضبط بشرع،

بل جلها نتاج فلسفات لا ترقى بحال إلى أن يؤخذ كلامها مأخذ الجد فضلاً عن أن يكون ذلك منهجاً علمياً،

وقد تأخذ نتائجها من اختبارات لا تخلو من أخطاء في الرصد أو تعصب في الاختبار،

وبالطبع قد يكون فيها جانباً أو شطراً من الحقيقة لا ننكره وإنما ننبه هنا على المشكلات.

المهم أن إلحاح التفوق الذي يطن في آذان الدارسين عندهم يجعلهم لقمة سائغة لتلك الأفكار فيأخذونها كمسلمات لا تقبل نقاشاً ولا تخضع لفحص ولا تمحيص،

فإذا أضفت إلى ذلك وجود مستشرقين متعصبين أو أصحاب أفكار معادية لمجتمعاتنا ولإسلامنا،

كمشرفين على تلك الأقسام أو على دراسات الدارسين هناك فإن صورة تلك الشبهات المبثوثة تتضح وتبين لكل عاقل منصف،

ويحضرني هنا مثال لأحد الطلاب كتب بحثاً فأشاد فيه بعمر بن عبد العزيز، رحمه الله، باعتباره باني حضارة ومعلم أمة وهو الحق،

لكن المشرف عليه قال له: إنا الصورة التي نتبناها عن عمر هو أنه رجل حالم وضعيف فينبغي أن تقدم بحثك من خلال هذا الإطار أو لن نقبله منك.

انظر إنها الحيادية العلمية التي يدعون!

فإذا كانت البحوث تخرج من رحم تلك العقول وبهذه الوضعية من الجبر والإلحاح فإن الطلاب

أو الخريجين قد يتأثروا بتلك الدراسة وبهذه الوضعية المجرمة

ليعودوا محملين بهذه الأفكار ليحتلوا مواقع مؤثرة وليؤدوا نفس الدور في بلادنا نيابة عن أسيادهم،

أما البحوث فهم ينشرونها بتلك الصورة المشوهة لتبقى شوكة في حلوقنا

وهي التي عليها لمعة البحث العلمي الحيادي ومن تلك الشبهات المبثوثة أيضاً أن تعتمد بعض الكتب كمصادر،

فكتاب ككتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني يعتبر عمدة تاريخية عندهم،

وهو كتاب أدب لم يدع مؤلفه وربما يخطر بباله أن يؤرخ لأي شخصية أو حدث في كتابه

لكن لكون في  الرجل انحراف وفجور فكان يدعي أشياء فاجرة ينسبها للمشاهير يروج لنفسه

فوافق ذلك هوى في نفوس أدعياء العلم ودعاة التشويه فاعتمدوه مرجعاً!

أما من لم ينصع لذلك التشويه من الدارسين فربما أصابه من غبارها شبهة أو غصة وألماً لما يكتشف عجزه عن الرد.

وعلاج ذلك وعلاج كل شبهة هو الاستضاءة بنور العلم الشرعي وتحصين النفس المسلمة بالعقيدة الصحيحة وسؤال أهل العلم فيما يشكل عليه

وقراءة كتب مقارنة الأديان والرد على الأفكار والشبهات قبل الشروع في تلك الأعمال الفكرية

لتكون حصناً لك من كل سوء وقبل كل ذلك وبعده وأثناءه أن تكون صادق اللجوء إلى الله تعالى بمثل دعاء المؤمنين

(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ( [آل عمران:8].