جنازة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة

تقارير

رابطة علماء المسلمين: مقتل شيرين أبو عاقلة وتداعياته

By سمير زعقوق

May 19, 2022

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده، وبعد:

فلقد تابع العالَم بأسره، واستنكرَ العدوانَ الصهيونيَّ على الإعلامِ والحقيقةِ، متمثِّلًا في مَقتلِ الإعلاميَّةِ المقدسيَّةِ: شِيرين أبو عاقلة، والتي عَمِلت زهاءَ ربعِ قرن في مواجهة وفضح جرائم الاحتلال الدمويِّ الأثيم،

ثمَّ لم تَشفع لها مهنتُها الصحفيَّة ولا جنسيتها الأمريكيَّة ولا ديانتها النصرانيَّة عند جيش الاحتلال، فأبوا إلَّا أن يستهدفوها بالرَّصاص الحيِّ، ليجمعوا بين سفك دماء المسلمين والمسيحيين على ثرى فلسطين وفي مخيم جنين!

كما لم يراعِ الصهاينةُ للمَوتِ هَيبةً ولا للنَّعشِ حرمةً؛ فاعتَدوا عليها في نعشِها بعد موتِها، كما اعتدوا على مشيِّعيها تحتَ سمعِ العالَم وبصره!

ومِن الجدير بالذِّكْرِ أنَّه قامت جهاتٌ علميَّةٌ إسلاميَّةٌ وشخصيَّاتٌ اعتباريَّةٌ بواجبها حيالَ تلك القضيَّة، فأحسنت البيانَ،

وتمثَّلَت الموقفَ الشرعيَّ الصَّحيحَ، وتميَّزت بالوسطيَّة الشرعيَّة المحمودة، إلَّا أنَّه من المؤسف أنْ دارت رَحى مناقشاتٍ جانبيَّة في مواقعِ التواصل ودوائرِ الإعلام تضمَّنت اجتراءً على الثوابتِ العَقديَّة وخَلطًا في الأحكامِ الفقهيَّة،

وخَرجت عمَّا يقتضيه الحَدَثُ وواجبُ الوَقت مِنَ الاحتشادِ لإدانةِ هذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها، وهو الأمر الذي استدعى من رابطة علماء المسلمين إصدارَ البيانِ التالي تبيانًا للحقِّ ونصحًا للخَلْقِ:

أولاً:

القضية الفلسطينية قضية إسلامية وعربية، وهي مسئولية كلِّ مسلم، وطريق تحرير المقدَّسَاتِ هو الجهاد بكل معانيه،

وذلك بإعداد المستطاع من القوة، واجتماع سواعد أهل فلسطين من كلِّ دِين على دَحرِ العدوان من جملة المهمَّات.

ثانيًا:

لقد اجتمع المُنصِفون الأحرارُ حولَ العالم في حِلفٍ واحدٍ لإدانة الصهاينة في جريمتهم النكراء، بل إنَّ بعض اليهود قد أعلن استنكاره وإدانته لتلك الجريمة! وألقى باللائمة على مرتكبيها من بني مِلَّته.

ثالثًا:

توجَّه أهلُ فلسطين ومِن ورائِهم العالَمُ بأسرِه بالعزاءِ لأسرة الفقيدة، وأهل بيت المقدس، كما أشاد المسلمون وغيرُ المسلمين بجهودها في نصرة قضية فلسطين، وذكرها الجميعُ بالثناء الحسنِ والقولِ الجَميل، وهو جائز في شريعة المسلمين بغير نكير.

رابعًا:

الواجب حيال هذه الأحداث أن تستثمر الجهود وتجتمع الطاقات على المطالبات الدوليَّة والحقوقيَّة، وتجريد الحملات الإعلاميَّة والسياسيَّة لإدانة تلك الجرائم، ومساءلة مرتكبيها، وإخضاعهم للعدالة النَّاجزة بكلِّ سبيلٍ ممكنة.

خامسًا:

إن منطلق كلِّ مسلم في صياغة موقف حول أي قضيَّة إنَّما يبدأ مِنْ شرع ربِّه كتابًا وسنَّة،

وما يقرِّره علماءُ الأمَّة الثِّقاتُ العدولُ، وعندَ اختلاف الآراء يتعيَّنُ الردُّ إلى ما به عِصمةُ الأُمَّة.

قال تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83].  

ولقد كشفت تداعيات الجدال الذي دار حول بعض العبارات والأحكام الشرعية عن جهلٍ فاضحٍ بين بعضِ المثقَّفين،

وخطأٍ واضحٍ عند بعض المتشرِّعين، كما تبيَّنت آثارُ الأفكار العلمانية والليبرالية التي يتديَّن بها بعض الجاهلين،

ووجود مبالغات ومجازفات ما كانت لتكونَ لو استعمل الجميع الحِكمةَ، واكتفوا بالعزاء والثناء، وانصرفوا للعمل وتركوا الجدل.

سادسًا:

إن حماية المحكمات العَقَديَّة والثوابت الشرعيَّة هي حماية لكلِّ مقدَّس بعدها،

فهي أصلها، وعنها تتفرَّعُ كلُّ حِماية مشروعة، فلا مَناص من ضبط العقائد وتحرير الأحكام،

وعدم الانجرار وراء العواطف المتأجِّجة، أو المواقف النفسيَّة المتشنِّجة،

أو الاعتبارات السياسيَّة المتقلِّبة، ووزن كل موقف وقول بميزان العدل الشرعي.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا قلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ [الأنعام: 152].

سابعًا:

لقد اتضح من خلال السياقات الجارية تقصيرٌ هائلٌ في بيان محكماتِ الإسلام وثوابتِ شريعته، والمسئولية عن ذلك ملقاة على عاتق العلماء والدعاة إلى الله تعالى، ومن تلك الثوابت الشرعية ما يلي:

1- إنَّ الدِّين الحقُّ الذي لا يقبل الله دينًا سواه بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم هو الإسلام الخاتم.

قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود:17].

وقال صلى الله عليه وسلم

«وَالَّذِي نَفْسُ محَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يؤْمِنْ بِالَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»( ).

2- لا تجوز صلاة الجنازة على غير مسلم بالإجماع،

قال تعالى: {وَلَا تصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84].

ولا يجوز الاستغفار إجماعًا، ولا الترحُّم باتفاق معتَمدِ المذاهبِ الأربعة على من مَاتَ من غير المسلمين( )  .

قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أولِي قرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: 113].

3- لا يجوز إطلاقُ لقبِ الشهيدِ في المعارك على غير مسلمٍ بالإجماع.

قال تعالى: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: 140].

ومن المعلوم أنَّه لا يشهد أصحاب الأديان لمخالفيهم بالشهادة المقتضية لدخول الجنَّة في الآخرة.

4- يتفاوت عذابُ الكُفَّار والمشركين في النار بحسب كفرهم ومعاصيهم، فمنهم من يضاعفُ له العذابُ،

ويزادُ له فيه، ومنهم من يخفَّفُ عنه مع خلودِه في النَّار أبد الآباد، قال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ َلِيمٌ﴾ [العنكبوت: 23].

وليس من خفِّفَ عنه من عَذابه بمرحومٍ؛ إذِ النَّار لا رحمةَ فيها، كما أنَّ من دخل الجنَّة فنزلت درجته ليس بمعذب؛ إذ الجنة لا عذاب فيها.

قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ﴾ [الجاثية: 30].

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا:

«قالَ الله تَبارَكَ وتَعالَى لِلْجَنَّةِ: أنْتِ رَحْمَتي، أرْحَمُ بكِ مَن أشاءُ مِن عِبادِي، وقالَ لِلنَّارِ: إنَّما أنْتِ عَذابِي، أعَذِّبُ بكِ مَن أشاءُ مِن عِبادِي…».

ثامنًا:

ىإنَّ المتابع لحالة التشنج الإعلامي اللافتة والممنهجة، والسعي الحثيث لتشويه أهل العلم،

وتوظيف هذا الحدث وغيره في الطعن في ثوابت الشريعة الإسلامية القطعية،

وتقليص الفوارق، بل إذابتها بين عقائد وشرائع الأديان كلِّها، حتى لا تبقى للدِّين الحقِّ خصوصيَّةٌ،

ولا لشعوب المسلمين هويَّةٌ – لَيدركُ يَقينًا أنَّ وراء هذه الحملة جهاتٍ نافذةً مشبوهةً تسعى جاهدةً لتمرير مشاريعها الخبيثة.

تاسعًا:

إن المحافظة على اللحمة الوطنيَّة ليس بأولى من المحافظة على الثوابت الإيمانيَّة،

وأنَّه لن يغنيَ عمَّن يستغلُ هذا الحدثَ في محاولة الظهور بمظهر المتفتح المتعايش، مع تهميش دِينه والإعراض عن محكماتِه وتمييع مواقفه.

ومن جهة أخرى فإنَّه لا يَصلحُ تَرْكُ العملِ والانشغالُ بالجَدلِ،

في الوقتِ الذي يَتوسَّعُ العدوُّ الصهيونيُّ في عدوانه على الأقصى وأهلِه، وبناءِ مغتصباتِه، وتوطيدِ أركانه.

فاللهمَّ ألهِم أمَّتنا رشدَها، وقِها شَرَّ المضلِّين، وانصرها على القوم الكافرين، يا قويُّ يا متينُ. وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

بيان صادر عن

الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين

الثلاثاء 16 / شوال / 1443هـ

الموافق 17/ مايو / 2022م