رضا بودراع

الأخبار

الساحة الليبية.. والتوازن الاستعماري

By رضا بودراع

September 19, 2020

لنفهم الساحة الليبية، هناك مقدمات لابد منها؛ التوازن الاستعماري.. كيف علينا أن نفهم توازنات القوى الدولية؟.. قبل القرن السادس عشر كان يتم تعريف الشعور بالأمن وفق مقارنات ديموغرافية واقتصادية وعسكرية.

 

وتطور الوضع مع تشكل الظاهرة الاستعمارية والتي ارتبطت بالنهضة الأوروبية وعصر الاستكشاف وتعزز السلطات المركزية مع نشأة الدولة الحديثة وانهيار سلطة الكنيسة إلى إضافة المستعمرات كمعيار للمقارنة «Colonial balance of power»

 

ثم تطور الأمر بعد تشكل المجتمع الوستفالي «نسبة لصلح واستفاليا 1648بعد حرب الثلاثين سنة» إلى حل المشاكل على حساب الدول والشعوب الضعيفة تجنبا للحروب بين القوى الكبرى، وعلى حساب المستعمرين الأضعف كهولندا اسبانيا والبرتغال.

 

ثم ظهرت المسألة الشرقية بانكشاف ضعف العثمانيين واحتلال فرنسا لمصر 1798 واحتلال الجزائر 1830، وبين 1877 و1878 في الشرق الأقصى خسر العثمانيون أيضا الحرب أمام روسيا فانعقد مؤتمر برلين 1878.. و«من هنا تبدأ قصة الصفقات بالمستعمرات»؛ حيث عقدت الصفقات لاقتسام أول المناطق سقوطا من الخلافة العثمانية؛ فحصلت بريطانيا على قبرص مقابل أن تأخذ فرنسا تونس؛ وسكتت بريطانيا على الانتداب الفرنسي للمغرب مقابل الحصول على مصر 1882، كما سكت الفرنسيون مقابل ذلك للألمان وحصلوا على مناطق شاسعة من جنوب شرق افريقيا (تنزانيا رواندا وبورندي 1885-1919)، كما تم إرضاء الايطاليين بليبيا وجنوب الصومال مقابل إقرار الصفقات

 

وسيطرت النمسا على البوسنة والهرسك مقابل الهيمنة الروسية على بلغاريا ورومانيا (وقد نالتا الاستقلال بعد المقاومة ورفض التسوية)، وتمت السيطرة على طرق التجارة الدولية كقناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز وملقا ورأس الرجاء الصالح بجنوب إفريقيا 1806 رسميا.. وأصبح التوازن الاستعماري مسألة عالمية بدخول الولايات المتحدة الأمريكية باستعمارها الفلبين 1898 ثم اليابان .

 

فكانت كل قوة أوروبية صاعدة تغنم «ممتلكات الساقطة» وأقصد بها هنا المستعمرات، وذلك وفق اتفاقية واستفاليا 1648 وما عقبها من اتفاقات وتفاهمات بعد أن كادت تفنى أوروبا في الحروب الدينية و الطائفية.

 

وبلغ التوازن الاستعماري ذروته بعد تفكيك المسألة الشرقية وتقاسم الجغرافية (البرية والبحرية ) والديمغرافيا (الشعوب).. ولا زلنا لحد الآن نسلم من دولة لأخرى ومن قطب لآخر رغم حربين عالميتين تلتها حربا باردة وتغير موازين قوى بانهيار القطب الشرقي.

 

والخطر الداهم إن لم نخض مسارا تحرريا شاملا أن نكون أوطانا وشعوبا سلعة تباع وتشترى ونسلم من شركة لأخرى ومن لوبي لآخر مع التسلسل المفضي للتشظي بتعدد الشركاء والفواعل.