عادل الشريف

أقلام حرة

عادل الشريف يكتب: مسافات القلوب

By عادل الشريف

February 10, 2023

حججت أنا وزوجتي بفضل الله حجة الفريضة عام 2004 واتفقنا أن نصوم بعض أيام ذي الحجة تهيئة للنفس وتجهيزا للقلب لما هو مقبل عليه من نسك الحج.. فقد علمنا شيوخنا أن ما قبل الفريضة يعينك على تذوق الفريضة…

واتفقنا أن يكون إفطارنا خفيفا.. فاشترينا علبة من الجبن وأربعة أرغفة دسَّتهم زوجتي في حقيبتها ودخلنا بهم المسجد الحرام قبل المغرب،ونيتنا إفطار واعتكاف..

صلينا المغرب وأخرجنا فطورنا فوجدت عن يميني رجلا يمنيا مسنا فناولته رغيفا عليه قطعة من الجبن فأخذه شاكرا دون تردد، ثم نظرت عن يساري فإذا رجل جزائري خمسيني العمر فناولته رغيفا آخر مثل صاحبه فتناوله شاكرا…وأكلت أنا وزوجتي الرغيفين الأخيرين…وكم كان الخبز شهيا… فالطعام بالرضا أحلى…وعلى الطاعة أشهى.

وأثناء طعامنا تعارفت أنا والأخ الجزائري…فما أجمل أن تجمع إلى خبز البطون حلوى التعارف والحب في الله.

والمسافات بين قلوب المؤمنين قصيرة يقطعها الواحد منا -لو أراد- في ثواني معدودة…وهكذا كان الأمر مع أخي الجزائري…

بدأنا باللقمة ومررنا بالبسمة..وختمناها بالمودة والألفة..

واقترب موعد صلاة العشاء ووجدتني محتاجا لتجديد وضوئي… وما أدراكم ما تجديد الوضوء في موسم الحج…الساعات ربما لا تكفيك… هذا إن استطعت الخروج من المسجد.

قلت لزوجتي: قد لا أستطيع العودة إلا بعد صلاة العشاء وخروج المصلين والسماح للداخلين وهذا قد يستغرق ساعتين أو ثلاث…فابقي في مكانك بعد الصلاة حتى أعود إليك مهما تأخرت.

وبالفعل…حدث ما توقعت، فقد عدت لزوجتي بعدما انصرف الناس وفرغ المكان إلا منها وقليل حولها.

اعتذرت لتأخري ثم سألتها: هل جد جديد؟

قالت: لا، غير أن الرجل الجزائري لما رآك تأخرت جلس وحده بعيدا،ثم لما ازداد تأخيرك جاء إلي وعرض علي إيصالي إلى الفندق مخافة أن أكون قد ضعت منك، فشكرته فانصرف غير بعيد مني ثم بعد ساعة عاود سؤاله وعرض علي أن يوصلني،وقال لا أنصرف حتى يعود زوجك أو أبيت في المسجد، ثم جلس خلف سارية من سواري المسجد حتى طال به المقام وأحس بحرج وجُودِه وظن أنني قلقة منه جاء إلي وقال لي: يا ابنتي، والله لولا حيائي منك ما انصرفت حتى يرجع زوجك…لكن، على كلٍٍ، أقرئي زوجك مني السلام، واشكريه على إطعامه لي وأخبريه أننا إذا لم تجمعنا الدنيا فلقيانا في الجنة إن شاء الله… ثم مشى.

أبكتني حينها كلمات زوجي على لسان الرجل الجزائري..

أحسست حينها..كم هي ضعيفة هذه الحدود الأرضية أمام الأخوة الإيمانية!!

وكم يفعل الحج في الأمة ما لم تفعله غيره من الفرائض..

ثم هزني ما نحن فيه من قرب لا يحتاج أكثر من قطعة من الجبن أو كلمة من العسل أو بسمة من القلب…

نحن أمة قريبة لكن خونة العرب وفجرة العجم باعدوها..

يا الله…ساعة جلسناها،ولقمة تقاسمناها وفريضة تشاركناها جعلته يشعر أن عرضي عرضه،وأن زوجي بنته وأن الجنة لقيانا إن أعجزتنا الدنيا!!

نحن أمة أقام الأعداء بينها آلاف الحدود…لكن دينها وقرآنها وأخوة قلوب أصحابها دمرتها فلم يصلح معها حدود ولا سدود!!

لذلك توحد بينها الجراح والأفراح وتجدد هذه الوحدة والمحبة كسرة خبز وقطعة جبن!!

ستعود يوما خلافتنا الراشدة لا محالة…لأن أمة الخلافة بعد أربعة عشر قرنا ونصف ما زال بينها رحم الإسلام وأخوة الإيمان ووحدة الألم والأمل..

 .. أتذكر ما فعلته مبارة كرة قدم في سفهاء شعبي مصر والمغرب سنة 2008   ، ثم هذا ما فعلته فريضة الحج فيا لجمال ديننا وإيماننا وأخوتنا.

لذلك نبكي القدس جميعا ، وندعو لغزة جميعا ونفرح لفرح بلد مسلم جميعا..

الأمة والله حية متحابة…لكنها تحتاج لجهد بسيط تنفض به غبار تفريق الاحتلال بينها…

ورغيف الخبز وقطعة الجبن يشهدان بذلك.