الأخبار

عباس المناصرة يكتب: أهمية علم النحو

By عباس المناصرة

July 28, 2019

أهمية علم النحو

1-      النحو نظام علمي يحمي اللغة من فوضى التعبير واختلاط المقاصد، ويجعلها سهلة ميسرة جميلة، وبذلك يضمن لأبناء المجتمع لغة موحدة يتفاهمون بها، وتتوحد من خلالها عقولهم وتتآلف قلوبهم، وتتقارب أساليبهم، وتبعدهم عن التشرذم النابع من الخضوع إلى اللهجات، فيسهل عليهم الالتفاف حول أهداف واحدة مشتركة، تعلموها يوم انضبط التفكير بالتعبير والتعبير بالتفكير، وبذلك تتم لهم وحدة التواصل بين الماضي والحاضر والأصالة والمعاصرة.

 

2-      النحو علم يخدم العلوم كلها: التجريبية، والإنسانية، والآداب والسياسة والقانون والفنون، وهو لا يخدم تخصص اللغة العربية وحدها، كما يتصور بعض الناس، بل هو علم يحكم نظام اللغة العربية، لغة العلوم والفنون والآداب، ويوصلها إلى مقاصدها التعبيرية، في نقل العلوم بدقة وأمانة إلى المتعلمين والمخاطبين وجميع أبناء المجتمع، في الماضي والحاضر والمستقبل.

 

3-      النحو هو المرشد العلمي لاستعمال اللغة في التفكير والتعبير والتأليف والخطاب، وهو العلم الذي يكشف عن المعنى وما يتصل به من علاقات وتراكيب توجد التفاهم بين أبناء المجتمع الواحد.

 

4-      النحو حماية للمعنى من فوضى المقاصد، وتحريف الكلم عن مواضعه، وقد استخرجت قوانينه بالأساليب العلمية السلمية، التي ثبتت لدى العلماء أثناء استقراء نصوص اللغة، ومن فضائل هذا العلم أنه حمى «لغة القرآن الكريم» من تحريف القلوب الضالة لمعانيه، في علوم التفسير، أو استخراج الأحكام، فكان سياجاً على المعنى القرآني من ألاعيب الزنادقة وغيرهم من الفرق الضالة قديماً وحديثاً.

 

5-      وهو العلم الذي يُعَلمُ الإنسان التحليل المنطقي السليم لفهم اللغة، ويوجد لديه القدرة على التأليف السليم إِن كان متحدثاً، أو الفهم الصحيح إِن كان مستمعاً. وهو انعكاس لطرائق الأُمم في التفكير والتفاهم والتعبير.

 

6-      الإعراب معنى، قبل أن يكون حركة إعرابية، ثم جاءت الحركة الإعرابية لتضبط المعنى وتحافظ عليه وتحرسه من العبث.

 

4- النحوُ ضرورةٌ وليسَ حذلقةً أو ترفاً:

 

قد يقع في تصور بعض الناس، أن النحو نوع من أنواع الحذلقة والترف اللغوي، فرضتها رغبة في التزين والزخرفة، عند جيل سابق من أجيال الأمة، وهذا أمر فيه إِنكار لقواعد علوم اللغات، ولا يستقيم لمنطق العلم، فكل لغة من لغات الأرض، لها قواعد استخرجت بعد استقراء نصوصها.

 

والخلاصة من هذا، أن قواعد النحو العربي ليست بدعاً بين الأمم، فكل أمة لها قواعد وأنظمة، تلتزم بها في تأليف كلامها، ولكن السؤال الذي أريد أن أطرحه، لماذا يتهرب كثير من العلماء والمثقفين والساسة من ضبط لغتهم وكلامهم بأصول العلم؟ هل العيب في علم النحو أم العيب في تقصيرهم؟ لاشك أن الاستهتار والجهل هو سبب ركاكة لغتهم، وهذا خسارة لهم أمام المجتمع، الذي يضحك على من ينصب الفاعل ويرفع المفعول.

 

هل النحو ترف وحذلقة وشكليات، كما يقع في وهمهم؟ لابد من استعراض سريع لبعض أبواب النحو ومواضيعه وبنظرة فاحصة، لندرك أن النحو إِشباع لحاجات وضرورات فرضتها الفطرة البشرية، ولا يمكن الاستغناء عنها، وأن الإنسان أوجد هذه الأمور في لغته، لأن الضرورة هي التي فرضت عليه ذلك، وانظر إلى هذه الأمثلة لتدرك هذا:

 

1-      العطف: فرضته الرغبة الفطرية للتخلص من التكرار الممل للفعل والميل إلى اختزال اللغة.

 

2-      المفاعيل الخمسة: فرضتها حاجة في الخطاب، إِما لتحديد من وقع عليه الفعل، أو سبب حصول الفعل، أو زمان حصول الفعل، أو مكان حصول الفعل، أو الرغبة في توكيد الفعل، أو بيان نوعه، أو عدد مرات حصوله.

 

3-      الاستفهام: والاستفهام وحب الاستطلاع طبع في النفس البشرية، فرضته الرغبة في البحث عن الحاجة أو الاستطلاع أو التساؤل، ولا يستطيع زاعم أن يزعم أنه

 

ليس بحاجة إلى أدوات الاستفهام في اللغة، لأنه يستعمل أدوات الاستفهام عشرات المرات في اليوم والليلة، باحثاً عن حاجته، ولو وضعنا إِنساناً في لعبة رهان، واشترطنا عليه عدم ذكر أدوات الاستفهام، لاكتشف أن حياته بدونها تصبح مثل حياة الأخرس المعزول عن حياة المجتمع.

 

4-      التمييز: فرضته الحاجة البشرية لإظهار المطلوب من لفظ جامد لكيلٍ أو وزن أو مساحة لإزالة الإِبهام عنه، ولولا ذلك لوقع في ذهن المخاطب أنك تهزأ به وربما يؤدي ذلك إلى سوء التفاهم بينكما، لو قلت له: أعطني قنطاراً، دون أن تحدد له المطلوب من ذلك بالتمييز.

 

5-      الفاعل: فرضته الرغبة البشرية في إِسناد الأعمال والأفعال ونسبتها إلى فاعليها.

 

6-      التوكيد: فرضته الرغبة في الحصول على ثقة الآخرين بما تقول وتقوية المعنى المراد في نفوسهم.

 

7-      الفعل: فرضته الحاجة إلى وصف التغيرات والتبدلات والتحولات التي تطرأ على الأشياء والمسميات أثناء مخالطتها لعنصر الزمن.

 

8-      الاسم: فرضته الحاجة إلى إطلاق أسماء على المسميات، ليسهل على الناس التحدث عنها وفهم دلالتها بسهولة ويسر.

 

9-      الإستثناء: فرضته الحاجة والضرورة في الحكم على الأشياء وإبعاد مالا يندرج تحت الحكم منه.

 

10-         الحركات الإعرابية: فرضتها حاجة الإنسان لحماية المعنى، وحراسته من التحريف أثناء موقعه الإِعرابي في الجملة، وماله من دلالة في المعنى أثناء تأليف الجملة.

 

11-        الحال: فرضته الحاجة الملحة في وصف ومعرفة حال الفاعل أو المفعول به عند وقوع الفعل.

 

وهكذا لو استعرضنا بقية الأبواب، لوجدنا أن النحو ضرورة وحاجة وفطرة فرضت نفسها في اللغة، ولا مجال فيه للترف والتحذلق الذي يتصوره الواهمون.

 

آراء واقتراحات وأفكار لمدرسي علم النحو

 

1-    يقول العلامة ابن خلدون في المقدمة: «ووجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها، أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم، الجاري على أساليبهم من القرآن الكريم والسنة الشريفة وكلام السلف، ومخاطبة فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، وكلمات المولدين في سائر الفنون، حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور، منزلة من عاش بينهم، ولقن العبارة منهم»(8).

 

2-    اعتبار حفظ النصوص الفصيحة وسماعها، من أهم وسائل التخزين السليم للغة في ذاكرة المتعلم، وخاصة في الفترات المبكرة من عمره من مراحل التعليم، ثم يأتي تعليم النحو بعد تخزين النماذج الراقية ليفسر الفصاحة ويعللها للمتعلم، ولأن حفظ النصوص من الضرورات الملحة في عصر فقد فيه الناس سلامة اللغة، وحرموا من نماذجها الراقية وبذلك نعوضه من انحرافات البيئة اللغوية، ونقود طبعه إلى أُلفة أساليب العرب الأصيلة، ونؤخر علم النحو كعلمٍ وظيفته تفسير اللغة وتعليل أحكامها، لأننا لا نعطي قاعدة للغة، قبل أن نوجد اللغة في نفس المتعلم، وهذا ما أراده ابن خلدون في النص السابق، ومالت إليه نظريات التربية الحديثة في أيامنا.

 

3-     ونحن بحاجة أيضاً إلى إيجاد جو من الفصاحة وسلامة اللغة في المحيط الاجتماعي، لنزيد من القدرة العامة للجميع على مكافحة اللهجات، وحتى يألف الناس السلامة اللغوية وتصبح ذوقاً عاماً، فلابد من التكلم باللغة العربية السليمة، والتشدد في محاسبة من يهمل ذلك من المدرسين في المدارس والمعاهد والجامعات في ميدان التعليم الأولي والعالي، وكذلك لابد لوزارة الأوقاف أن توجه خطباء المساجد في الخطب والدروس إلى ذلك، ولا يقل دور وزارة الإعلام، ومؤسساتها من إِذاعة وتلفاز، أثناء مخاطبة الجمهور وفي البرامج، من الاهتمام بذلك والاختيار له بعناية فائقة.

 

4-    وفي موضوع السماع للقرآن الكريم، من الإمام أو الإذاعة أو الشريط ميدان طيب للسماع السليم والتمتع بالأداء الفصيح، وخاصة عندما تخرج القراءة من قارئ نديّ الصوت، يتقن القراءة والتجويد، تذكرت ذلك وخطر ببالي أثناء شهر رمضان، عندما يواظب المصلي على صلاة التراويح شهراً كاملاً، يستمع للنص ويأخذ الفصاحة من أصولها، من القرآن الكريم الذي حفظ الله به هذه اللغة، وحفظه بهذه اللغة المباركة.

 

5-    لا يحبذ استعراض القدرات في درس النحو أمام الطلاب، ليثبت المعلم قدرته وتبحره في هذا العلم، فيكثر من الشواهد والقواعد التي لا تناسب مستوى المخاطبين، مما يؤدي إلى شعورهم بصعوبة المادة، وبهذا ينجح الأخ المدرس في إِقناع الطلاب بعبقريته النحوية ولكنه يفشل في تعليمهم حب النحو. وقد قال الجاحظ قديماً في أحد رسائله: «وأما النحو فلا تشغل قلب الصبي به إلا بقدر ما يؤدي به إلى السلامة من فاحش اللحن».

 

6-     لابد في دورات تدريب المعلمين من حل التطبيقات أو بحث القضايا النحوية التي تكسب المعلم الدربة العلمية، وتقوي ضعفه، بدلاً من إضاعة وقت الدورة في شكليات تنفيذ الحصة وأساليب التعامل مع الطالب.

 

7-    توزيع مادة النحو على شكل مجموعات مترابطة على سنوات المنهاج، واستغلال حصة المحفوظات لتشجيع الطالب على الحفظ المبكر للنصوص، لتحقيق ما ورد في الفكرة الثانية من هذه الفقرة.

 

8-    أن يتابع مجمع اللغة العربية حركة السلامة اللغوية في مؤسسات المجتمع من مدارس وجامعات ومساجد وإذاعة وتلفاز وصحافة ويذكر المسؤولين فيها ويتعاون معهم في ذلك، ضمن خطة مدروسة ومتابعة مستمرة، مع تقديرنا للجهود المباركة التي تقوم بها مجامع اللغة العربية على طول ساحة الوطن العربي الكبير.

 

9-    الإنسان الذي اكتسب النحو بحكم تراكم الخبرة وبطول الجهد قد يكون ناجحاً في الإعراب أو في التكلم، ولكني أشك في قدرته على تعليم هذه المادة للآخرين، لأنه لا يتذكر كيف اكتسبها، ولابد من تدارك الأمر والتعرف على الأساليب التربوية لخدمة المادة وإيصالها بسهولة للآخرين.