الأخبار

د. عماد كمال يكتب: أكذوبة السلفية الكبرى

By د. عماد كمال

November 26, 2018

نريد بداية أن نفرق وبقوة بين شخص مسلم متدين يأخذ أحكام دينه عن الأولين ثقة في أنهم هم الأكثر قربا من عهد النبي والأكثر إخلاصا.. هذا الشخص الذي يطلق عليه (سلفي) ليس هو موضوعنا.. وله منا كل الاحترام والتقدير حتى وإن اختلفنا مع فهمه للدين أو تطبيقه له.

حديثنا هو عن السلفية، كتيار ديني وسياسي وحركة غزو فكري شقت طريقها في الفضاء العربي والمصري مدعومة بمليارات آل سعود.. وكانت مهمتها الأساسية هي إماتة العقل المسلم وتسخيره للعمل بعيدا عن قضايا الدين الكبرى التي تدعم نهضة الفرد والأمة والحرية والعلم والتحرر السياسي والعسكري وتحرير الأقصى ومقاومة حكم الظلم وفساد الحكام.

أنها تضع خطوطا حمراء في غاية الوضوح والحزم ما بين الراعي والرعية.. فالأول مطلق اليد بغير حساب ولا عقاب.. وأعوانه وداعميه من الصهاينة وخكومات الغرب هم من المسكوت عنهم.. أما من يتم مراقبته ومحاسبته على طريقة اللبس وعلى نظرة العين فهم جمهرة المسلمين.

أنه تيار يضع الناس في صراع هائل لا ينقطع بين الماضي والحاضر.. بل ويجعل الحاضر خصما للماضي.. حيث أنه وحسب وجهة النظر السلفية هو حاضر مبتدع يحارب الإسلام والمسلمين ويخالف تعاليم الدين ويبتكر نظما هدامة كالديمقراطية والدساتير والأحزاب.. ويحارب الأخلاق بالفنون والآداب.

العين السلفية مدربة باحتراف على رؤية القبح فقط.. فزماننا قبيح ونسائنا عاريات والحضارة الحديثة جاهلية والجامعات اختلاط وفسق والفن عري وجنس والليبراليون والمثقفون هم من طوائف الضلال الخ

هذا التيار شوه الدين والدنيا وزرع الطائفية ودخل بالمسلمين في معارك لا تنتهي مع بعضهم البعض.. وصنع ودعم نظم حكم هي الأحقر على وجه الأرض.

وعجز عن تقديم فنان أو أديب أو عالم أو فكر مستنير أو حتى تفسير مبدع للقرآن أو إضافة من أي نوع لتيار الحضارة أو الابتكار.. ولكنه أبدع في تقديم طوفان من الكراهية والانقسام والتشوه الفكري والنفسي لأتباعه.

أنه لا يسمح بالخلاف ولا يجيز الاختلاف.. فمن لا يلتزم حرفيا بتفسيره للحياة والسياسة والفن والدين.. فهو مستباح بغير حدود.. حتى وإن كان عالم دين كالقرضاوي ((وصفوه بالكلب العاوي)) أو كان مفسرا كالشعراوي أو أديبا كسيد قطب.. الخ….

فكل من يخالفهم مبتدع وفاسق.. بدا من طريقة بناء القبر وصولا لطريقة إدارة القطر.. فالصواب له وجه واحد وهو السلفية.

وهي حين تدير عمليات التضليل والتشويه والعبث بعقل الأتباع.. فأنها تفعل ذلك باستخدام مشرط الجراح وخبرة المهندس ودهاء السياسي.

فهي تؤجج الشعور الديني وتلهبه لأعلى الدرجات بالبكاء على الإسلام والتحسر على أخلاق المسلمين وعلى ضياع الدين وعلى غزو الفكر الصليبي لبلاد المسلمين.. فإذا تأكدت أن ((المريد)) قد أنفجر سخطا على الحياة والمجتمع والعالم .. فأنها لا تسمح مطلقا بأن تخرج تلك الطاقة للخارج بعد إشعالها.. بحيث لا تصطدم بالساسة أو بأصحاب النفوذ.

بل لابد من أن ترتد هذه الشحنة الإيمانية المتأججة على صاحبها نفسه.. بصفته هو المقصر في حق الله وهو المضيع للدين وهو من تترصد به جهنم بلهيبها.

السلفي غير مطالب بعمل تنظيمي أو عمل منظم لإصلاح الواقع أو لتغييره.. بل فقط ينجوا بنفسه.

فيظل السلفي والصوفي طيلة العمر يتعمق في الطاعة والعبادة والتطهر من البدع والآثام لينجوا بنفسه.

السلفية هي تيارات ((الخلاص الفردي)) ولذلك فهي اشبه بالدوائر المغلقة.. وهي تمثل التيار الأكبر والزبون المثالي للحكومات وأجهزة المخابرات.. ويزيد عدد الرعاة الرسميين لهذا التيار عن الرعاة الرسميين لكأس العالم لكرة القدم.

أنهم يرحلون الآن تاركين خلفهم أسوأ تشوهات حدثت للعقل المسلم.. وقد نحتاج لعقود حتى يستعيد المجتمع وعيه بالله والدين والمجتمع والحياة.