مقالات

لِمَ قناة الجزيرة (2-2)

By عنتر فرحات

November 09, 2017

تطلق قطر قناة الجزيرة، في نوفمبر 1996م، وكان محكوم على هذه القناة بالفشل مبدئيا؛ لأنها لم تتخذ خطوات الحضارة، من الانسلاخ التام عن اللغة العربية، والهوية القومية (الدين الإسلامي)، حيث كانت هذه القناة تعتبر محافظة، مقارنة مع الآلة الإعلامية في الوطن العربي، والغريب أنها بدأت تطرح في مادة غير التي يطرحها الإعلام العربي (حفظ الله الملك، رعى الله الملك، اليوم ولد الأمير التاسع للملك، وختان ابن ولي العهد)، كل هذا لم يكن ضمن هذه القناة، وبدأت تطرح في مادة إعلامية، أقل ما يقال عنها تثقيفية، إن لم نقل مادة توعوية، ترفع من مستوى المشاهد العربي، وبالرغم من طرحها المميز، واهتماماتها بالشئون العربية والإسلامية، إلا أنها كان مكتوب عليها بالفشل المؤكد؛ لأن هذا الطرح لا يتناسب أبدا مع المنطقة التي تعيش فيها.

لم تزد هذه القناة على كونها محلية، ولنا القول بأنها كانت نوعا ما إقليمية، وذلك للضخ المادي الكبير من طرف دولة قطر لهذه القناة، إلى أن جاءت أحداث 11سبتمر2001م، اليوم الأسود في تاريخ أمريكا، ثم التغطية المميزة للقناة، والتي جعلت العالم الغربي، ينصت بكل اهتمام لهذه القناة التي لم يسمع بها يوما؛ لأنها في المنطقة العربية المتخلفة.

ثم حرب أمريكا ضد الأفغان، والتغطيات المباشرة التي لم نرها حتى في العالم الغربي، ثم حرب العراق 2003، وتغطيات حرب غزة الأولى والثانية، ووصول هذه القناة لأكبر الشخصيات، المطلوبة لدى العالم الغربي، مثل الشيخ أسامة، والشيخ الظواهري، ثم التغطية غير العادية للربيع العربي، كل هذا جعل قناة الجزيرة لا تمثل قطر فحسب، بل تمثل الوعي العربي، وأصبحت بحق لسان كل مفكر، وعقل كل متتبع للأحداث.

وبالرغم من كل هذا النجاح الذي حققته، إلا أنها بقيت بمبادئها متمسكة (اللغة العربية والهوية الإسلامية)، وهو ما سبب حرجا حقيقيا للغرب، حيث صور لمجتمعاته أن هذه المجتمعات العربية لا تصلح لشيء، إلا للهو والغناء، ولا مانع أن يأتوا لأوربا لقتل الكبح الجنسي المغروس في نفوسهم، وإذا بهذه القناة تبطل كل ما يروج عن الإنسان العربي، هذا أولا.

ثانيا: الحرج الكبير الذي لحق الأنظمة القومية العربية، التي جعلت كل تقدم مشروط بالانسلاخ التام عن كل ما هو عربي وإسلامي، وإلا فلا أمل في الوصول إلى ركب الحضارة.

وإذا بالجزيرة تبطل هذا الزعم، وتبين أنه إفك مفترى على الوطن العربي، فمثلا ماذا قدم الإعلام الجزائري الذي انسلخ مطلقا عن عربيته، وعن هويته الإسلامية، والإعلام التونسي مثل الجزائري.

وماذا قدمت الآلة المصرية الضخمة، بالرغم من انسلاخها اللا محدود عما هو عربي وإسلامي، حُمُر تحمل أسفارا.

إذن فالنجاح الذي حققته الجزيرة، ليس نجاحا لقطر، أو لأميرها، وإنما هو إبطال لأكبر كِذبة مفتراة على الإنسان العربي، وأكبر تهمة موجهة للديني الإسلامي، أن العربية والإسلام سبب التخلف.

انسلاخكم عن عربيتكم وإسلامكم أكثر من قرن، فماذا قدمتم لأوطانكم، الواقع اليوم خير مُجِيبٍ.

ونجاح قناة الجزيرة أكبر دليل أنه لا نجاح، ولا تقدم  إلا باللغة القومية، فعندنا اليوم ثلاثة أمثلة.

01: تركيا لما استطاع حزب الحرية والعدالة أن ينسل من الفكر الكمالي الأتتركي، في عقد واحد جعلها من ضمن الدول العظمى، وسادس اقتصاد عالمي.

02: ماليزيا، لما رسخت فكرة القومية الممزوجة بالإسلام تنتج لنا دولة من النمور الآسيوية.

03: قطر لما رسخت فكرة العربية مع الهوية الإسلامية، تنتج لنا قناة الجزيرة، التي أصبحت تنافس قناة CNN وقناة FOX بل وتتجاوزهما.

وبهذا تسقط الفرية المفتراة على اللغة العربية والدين الإسلامي.

ولما نسمع بالتجديد المنتظر في بلاد الخليج، وكل تجديد يعني محاربة كل ما هو عربي وإسلامي، فلا بد من محاربة قناة الجزيرة؛ لأنها تمثل المشروع القومي العربي، صاحب الهوية الإسلامية التي بهما حققت الجزيرة إنجازاتها.

ونجاح قناة الجزيرة يقف ضد أي مشروع تغريبي، فلا بد من محاربة قناة الجزيرة، وإن أدى الأمر إلى تفجيرها، كما حاول بوش وتوني بلير، إبان غزو العراق.

جواب واضح لماذا يجب إسكات قناة الجزيرة؛ لأجل المشروع العلماني المنتظر في المنطقة.