الأخبار

أخطاء شائعة في التلاوة والتجويد (4)

By مجاهد ديرانية

September 08, 2020

كسر حرف القلقلة

 

هذا الخطأ شائع جداً في الأداء حتى ليكاد يقع فيه أكثر من نصف المتعلمين، وعلاجه سهل بمشيئة الله.

 

يعرّف علماء التجويد القلقلة بأنها «اضطراب في نبرة الصوت». وهي حالة تعتري خمسة أحرف من الحروف الجهرية عندما تُلفَظ ساكنة (أي غيرَ متحركة لا بفتح ولا بضم ولا بكسر) لذلك عبّر عنها ابن الجزري بقوله: «وبيِّنَنْ مقلقلاً إنْ سكنا». وهي مرتبتان، كبرى وصغرى، فالكبرى تكون عند الوقف على الحرف (كما في رؤوس آيات سورة الصمد) والصغرى إذا جاء الحرف الساكن وسط الكلمة (كالباء في كلمة «يَبْتغون») أو إذا اتصلت التلاوة (كالدال في “قَدْ كانت”). ويرى بعض علماء التجويد أن القلقلة الكبرى طبقتان، أعلاهما الوقف على ساكن مشدد (كالباء في آخر آية “تبت يدا أبي لهب وتَبّ”) فهي عندهم الكبرى، ويسمون الوقف على الساكن المخفَّف قلقلة وسطى.

 

والآن أرجو أن تتأملوا كلمة “القلقلة”، بماذا توحي لكم؟ هذه الكلمة توصيفٌ عبقري للحالة التي تطرأ على حرف القلقلة الساكن عند نطقه، ولا أحسب أن في العربية كلمة أخرى أكثر منها توفيقاً وتعبيراً عن الحالة. انظر إلى قولك: تقلقل فلان في مجلسه. هل يدل هذا الوصف على أنه نهض وغيّر مقعده؟ لا. هل يفيد أنه بقي ثابتاً بلا أدنى حركة؟ لا. إنه يعني فقط أنه تحرك حركة بسيطة، أنه تململ قليلاً دون أن يترك المقعد.

 

وهذا هو معنى القلقلة في اللغة. في لسان العرب: “القلقلة والتقلقل قلّة الثبوت في المكان، وقلقل الشيءَ حرّكه فتحرك واضطرب”. هل لاحظتم؟ مجرد اضطراب بسيط، يكمله المعنى الآخر، أيضاً في اللسان: “التقلقل الخفة والإسراع”.

 

فنجد إذن أن المعنى الذي تضمنته كلمة “القلقلة” هو: اضطراب خفيف أو اهتزاز خاطف يحرك الشيء دون أن ينقله من مكانه. ولعل أفضل تصوير له في عالم الأشياء أن تضع قارورة على سطح مستو ثم تهز السطح هزاً خفيفاً بحيث تضطرب القارورة وتتمايل في موضعها، دون أن تنقلب إلى الخلف ولا إلى الأمام ولا لأي من الجهتين.

 

* * *

 

ما هو الخطأ الشائع الذي يقع فيه كثير من المتعلمين؟ إنهم يقلبون القارورة ولا يكتفون بهزها هزاً خاطفاً فحسب. بعبارة أخرى: إنهم ينقلون الحرف المقلقل من السكون إلى واحدة من حالات الحركة الثلاث، والأغلب أنهم يختارون الكسر، فينطقون الحرف المقلقل الساكن وكأنه حرف مكسور.

 

سيقول قائل: إذا كانت القلقلة حركة خفيفة فلا بد لها من صوت، فكيف لا يظهر في الحرف المقلقل صوتُ أيٍّ من الحركات الثلاث. ما هو هذا الصوت إذن؟

 

أولاً لنتذكر أنه صوت خاطف، وهو معنى متضمَّنٌ في عبارة اللسان التي قرأناها قبل قليل: “التقلقل الخفة والإسراع”. ولو أنكم استمعتم لقراءة الشيخ الحصري (التي أوصي بها دائماً) فسوف تلاحظون أن طول هذا الصوت الخاطف يكاد يبلغ نصف حركة فقط. وهذا هو المتوقع، لأننا وقفنا على الحرف الساكن ثم هززناه هزاً خفيفاً، كل ذلك في ثانية واحدة (حركة واحدة) فاستغرق السكون نصفَ وقت الأداء والصوتُ الخاطف نصفَه الآخر.

 

وسوف نلاحظ أن الصوت يميل ميلاً خفيفاً إلى واحد من الأصوات الثلاثة (الضم والفتح والكسر) بحسب حركة الحرف الذي سبق حرف القلقلة. هذا هو القول الأشهر، وهو الصحيح، واختار بعض علماء التجويد الميل إلى الفتح مطلقاً أو إلى حركة الحرف التالي، وكلا القولين ضعيف مرجوح. الصواب الميل إلى حركة الحرف السابق، والمهم أن نتذكر دائماً: إنه ميل خفيف جداً إلى الحركة لا تحقيق لها، وهذا هو مفتاح النجاة من الخطأ الشائع: نطق حرف القلقلة وكأنه حرف مكسور.

 

* * *

 

تستطيع أن تعرف إن كان أداؤك للقلقلة متقَناً تماماً باختبار بسيط: اختر كلمات فيها قلقلة صغرى (لأن ظهور هذا العيب في حالة الوصل أكثر منه في القطع) ولتكن هي نفسها التي تمثلنا بها آنفاً: “يبتغون” و”قد كانت”. اقرأها بتلاوة متأنية وصوت واضح على مسمع من شخص مميز (والأفضل أنه لا يعرف أحكام التجويد) واطلب منه أن ينتبه إلى الباء الساكنة في “يبتغون” والدال الساكنة في “قد كانت” ثم اسأله: ما هي الحركة التي سمعها مع نطق الباء والدال، فتحة أم ضمة أم كسرة؟

 

إذا قال إنه سمع صوت الكسرة في آخر الحرف فأنت من الذين يرتكبون هذا الخطأ، وإذا قال إنه لم يسمع أي حركة سوى الحرف الساكن نفسه فأنت لم تقلقل أصلاً، وإذا حارَ في الصوت الذي سمعه ولم يستطع تحديده: أفتحٌ هو أم كسر؟ فأنت قارئ متقن.

 

والآن مارس التمرين الذاتي بالطريقة التي اتفقنا عليها في الحلقات السابقة. سجل تلاوتك واستمع إليها مرات متتالية، واسمع تلاوة الشيخ الحصري للمقطع نفسه، ثم قارن بين أدائك للحروف المقلقلة وأدائه، واستمر في التمرين (مع تجنب الوقوع في فخ الكسر) حتى تصل إلى الإتقان.