مجاهد ديرانية

أقلام حرة

مجاهد ديرانية يكتب: في هذا اليوم الحزين.. مواساةٌ ومساعدة

By مجاهد ديرانية

February 07, 2023

روى الحصري القيرواني في كتاب «جمع الجواهر» أن رجلاً من التجّار كان له ولد يتقعّر في كلامه ويستعمل الغريب، فجفاه أبوه استثقالاً له وتبرّماً به ومما كان يأتي به.

ثم اعتلَّ الأب عِلّة شديدة أشرف منها على الموت، فقال: أشتهي أن أرى ولدي.

فأحضروهم بين يديه، وأُخِّر هذا ثم أُخّر حتى لم يبقَ سواه، فقالوا له: ندعو لك بأخينا فلان؟ قال: هو والله يقتلني بكلامه. فقالوا: قد ضمن ألّا يتكلم بشيء تكرهه.

فأذن له، فلما دخل قال: السلام عليك يا أبتِ. قل «أشهد أنْ لا إله إلا الله»، وإن شئت قل «أشهد أنّ لا إله إلا الله». قال الفرّاء: كلاهما جائز، والأولى أَحَبُّ إلى سيبويه.

والله يا أَبتِ ما شغلني عنك غير أبي علي، فإنه دعاني بالأمس فأَهْرَسَ وأَعْدَسَ، وأرْزَزَ وأوْزَزَ، وسَكْبَجَ وسَبَّجَ، وزَرْبَجَ وطَبْهَجَ، وأَبْصَلَ وأَمْصَلَ، ودَجْدَجَ وافْلَوْذَجَ ولَوْزَجَ…

فصاحَ أبوه العليل: غمّضوني غمّضوني، فقد سبق أخوكم ملَكَ الموت إلى قبض روحي!

«لكل مقام مقال».

هذه الجملة القصيرة فيها خلاصة الحكمة، فماذا تقولون لو أن رجلاً توفي بعد معاناة طويلة مع السرطان،

فقام في مجلس عزائه رجلٌ فخطب في المعزّين خطبة طويلة حذرهم فيها من التدخين الذي يسبب السرطان؟ ألا تقولون: هذا رجل أحمق. ليته سكت!

بأيّ شيء يختلف عن هذين الأحمقين مَن يأتي إلى قوم نكبوا بالزلزال المدمر ولمّا يَدفنوا موتاهم

ولا جَفَّت دماء مصابيهم فيُلقي عليهم محاضرة في أسباب البلاء وفضل الدعاء والاستغفار؟

وماذا يصنع الذين انهارت الأسقف فوق رؤوسهم وماذا يصنع أحبابهم الذين يبحثون عنهم تحت الركام؟

ألا يستغفرون ويبتهلون ويدعون الله ولا يرجون سواه؟

ليس هذا وقتَ الموعظة والتثريب.

لا يكون شهماً ولا يكون نبيلاً من يخاطب المنكوب المكروب فيقول: إنما ابتليتَ بالذنب وإنما يرفع عنك البلاء بالتوبة!

وما معنى هذا الوعظ البارد وأكثرُ مَن نعرف من الذين فقدناهم في هذه الكارثة من الذين شهد لهم الناس بالخير والصلاح؟

والناسُ شهود الله في الأرض.

إن أصحاب الشهامة والمروءة إذا مَرّ أحدهم ببناء شَبَّت فيه النارُ لا يفكر بسبب الحريق

ولا يلقي على سكان البناء محاضرة في اتّقاء النار، بل يحمل دلوَ الماء ويهرَع لإطفاء النار لأن غاية ما يرجوه هو أن تنجوَ العمارة ويَسْلَمَ السكان.

ماذا نصنع اليوم للمنكوبين الذين أصابهم البلاء؟

هذا وقت العمل والنجدة؛ إنه الوقت الذي يحتاج فيه الناس إلى كل عمل إيجابي، مادياً كان أم معنوياً.

من استطاع أن يدعم بالجهد فليفعل، ومن استطاع أن يدعم بالمال فليفعل، ومن استطاع أن يدعم بالكلمة الطيبة فليفعل، ومن عجز عن ذلك كله فليَجُد على أهل البلاء بالدعاء.