مقالات

محمد سيف الدولة يكتب: السادات وعقيدة الخوف من الأمريكان

By محمد سيف الدولة

November 11, 2022

هذا ليس حديثا تاريخيا عن السادات في الذكرى الواحدة والأربعين لرحيله وإنما هو حديث عن التبعية للأمريكان التي لا تزال تنخر في الجسد المصري حتى يومنا هذا، أنها التبعية التي بدأها أنور السادات وأسس لها وورثها لخلفائه وأركان نظامه من بعده الذين يحكمون مصر من وقتها بعقيدة الخوف من أمريكا والسير في ركابها والحرص على إرضائها والفوز بدعمها ومباركتها.

لقد تغيرت حياتنا تماما بعدما تملك الخوف من أمريكا، الرئيس أنور السادات

وقرر أن يغير موقفه من المواجهة معها إلى الانقياد إليها،

ولذا من المهم أن نتوقف أمام لحظات ميلاد هذا الخوف من خلال القيام بقراءة مواقف السادات الأولى التي كانت تتسم بالوطنية والشجاعة

ومقارنتها بسياساته ومواقفه الأخيرة التي اختارت الخضوع الكامل للولايات المتحدة

وتسليمها مفاتيح مصر على طبق من ذهب، محاولين أن نضع أيدينا على أسباب هذا الخوف وآثاره:

• في 10 يناير 1971

قال السادات في أحد خطبه ((أن أمريكا تقف خلف إسرائيل بان لا تجلو من أي شبر..

والأمريكان هم الأعداء الأصليين وليس الإسرائيليين لان إسرائيل خط الدفاع الأول لمصالح أمريكا في المنطقة))

• وفى 11 يناير قال ((أمريكا تريد أن تذل كرامتنا))

• وفى 11 نوفمبر 1971 قال

((إننا نعتبر الولايات المتحدة هي المسئول الأول عن إسرائيل. أن سيل الأموال

الذي يتدفق في الاقتصاد الإسرائيلي والسلاح الذي تمسك به إسرائيل يجيء به كله من من الولايات المتحدة الأمريكية.

أن طائرات الفانتوم التي أغارت على مدننا ومصانعنا وعلى مدارسنا ليست مجرد صناعة أمريكية ولكنها غطاء أمريكي لإسرائيل.))

• وقال في 2 ابريل 1972((نحن نعرف أين تقف أمريكا وما هي سياستها وأهدافها، أمريكا تدعم إسرائيل لتحافظ على استغلالها لثروة العرب))

• وفى خطابه بالإسكندرية يوم 27 يوليو 1972 قال:

((إن موقف أمريكا هو عملية استدراج لكي نسلم ولكن أمريكا بعساكرها ليست ربنا))

هكذا كان وعى الرئيس السادات بحقيقة الولايات المتحدة الأمريكية ودورها المعادى والعدواني في صراعنا ضد (إسرائيل).

ثم تغير هذا الموقف إلى النقيض تماما، تغير إلى موقفه المعلن من أن 99 % من أوراق اللعبة في يد أمريكا!

ترى ما الذي حدث وأدى إلى هذا الانقلاب الخطير؟

فلم يكن الاتحاد السوفيتي قد سقط بعد لنقول أن الاختلال في ميزان القوى العالمي وهيمنة طرف واحد على العالم هو السبب.

كذلك لم يكن السبب هو تعديل أمريكا لمواقفها في الصراع لتصبح أكثر موضوعية وأكثر عدلا؛ فلقد ظلت على مواقفها المنحازة لإسرائيل.

 في تصوري أن الذي حدث هو أن السادات في لحظة معينة وتحت الضغوط الأمريكية قد تملكه الخوف وانهزم داخليا فقرر الاستسلام.

ويمكننا اختبار صحة هذا التحليل من واقع كلام السادات نفسه:

• قال في 16 أكتوبر 1973((إن الولايات المتحدة، بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت إلى سياسة لا نستطيع أن نسكت عليها أو تسكت عليها امتنا العربية

ذلك أنها أقامت جسرا بحريا وجويا لتتدفق منه على إسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة، وصواريخ جديدة والكترونات جديدة))

• وقال في حديث لمجلة الحوادث اللبنانية نشرته في 8 أغسطس 1975 ((جاءني الدكتور كيسنجر في 11 ديسمبر 1973 وكان جيب الدفرسوار موجودا،

وقال: لقد تلقيت من البنتاجون قبل أن احضر لأقابلك تقريرا كاملا بعدد الدبابات التي أعددتموها

وهى قادرة فعلا على تصفية الجيب ولكن لابد أن تعرف ما هو موقف أمريكا.. إذا أقدمت على هذه العملية فستُضرب))

• وأخيرا وليس آخرا

اعترف السادات صراحة بنفس المعنى السابق إذ قال في 16 سبتمبر 1975

((يوم 19 أكتوبر لقيت أنني أحارب أمريكا عشرة أيام وحدي في الميدان ونزلت أمريكا بكل ثقلها))

• كانت هذه بعض الذرائع التي حاول بها السادات تبرير موقفه بعد الحرب بالرهان الكامل على الولايات المتحدة وتسليمها كافة الأوراق،

رغم أن مصر وفى ظل ظروف الهزيمة عام 1967 الأشد قسوة بمئات المرات، رفضت الخضوع والاستسلام وقررت استمرار المواجهة ومواصلة القتال.

خاف السادات إذن وانهزم داخليا وقرر الاستسلام وتسليم كافة أوراقه،

بل قام بتسليم مصر كلها إليهم ليعيدوا تأسيسها وتشكيلها على مقاس المصالح الأمريكية وامن (إسرائيل)،

وهو ما كتبت عنه كثيرا تحت عنوان الكتالوج الأمريكي لحكم مصر، والذي يمكن تلخيصه فيما يلى:

1) تجريد ثلثي سيناء من القوات والسلاح إلا بإذن (إسرائيل)،

حتى تظل رهينة التهديدات الإسرائيلية المستمرة، بما يمثل أقوى أداة ضغط وإخضاع فعالة لأي إدارة مصرية، خاصة في ظل عقدة 1967 التي تسيطر على العقل الجمعي لمؤسسات الدولة المصرية.

2) مع إعطاء الأمريكان موطئ قدم في سيناء،

وقبول دخول قواتهم إلى هناك لمراقبة القوات المصرية، ضمن ما يسمى بقوات «متعددة الجنسية والمراقبين» التي يرأسها سفير في وزارة الخارجية الأمريكية ولا تخضع للأمم المتحدة.

3) مع إعطائهم تسهيلات لوجستية في قناة السويس والمجال الجوى المصري،

قال عنها الأمريكان، أنها كانت لها دورا كبيرا في نجاح قواتهم في غزو العراق.

4) مع الانخراط في كل أحلافها العسكرية،

والالتزام بما تقيمه من ترتيبات أمنية في الإقليم، وتنفيذ الأدوار والمهام التي تطلبها منا في حروبها واعتداءاتها العسكرية في المنطقة

بدءا بما يسمى بحرب تحرير الكويت مرورا بغزو أفغانستان والعراق.. وحتى يومنا هذا.

5) تصفية الاقتصاد الوطني

الذي كان يدعم المجهود الحربي أثناء الحرب، واستبداله بمعونة عسكرية أمريكية تحتكر توريد السلاح لمصر

وتتحكم في موازين القوى لصالح (إسرائيل) مع تسليم الاقتصاد المصري الجديد لصندوق النقد والبنك الدوليين لإدارته وتوجيهه والسيطرة عليه.

6) تأسيس نظام حكم سياسي

تكون على رأس أولوياته حماية أمن (إسرائيل) والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية،

التي يجب أن توافق على شخصية رئيس الجمهورية وتبارك مؤسساته،

مع حظر المشاركة في الحكم لأي تيار أو حزب أو شخصيات ترفض الاعتراف بإسرائيل وتناهض اتفاقيات كامب ديفيد.

مع تقييد أو إجهاض أي ممارسات أو توجهات أو تغييرات ديمقراطية يمكن أن تأتى بقوى وتيارات معادية للأمريكان ولإسرائيل، لحكم مصر.

7) استئثار وسيطرة رأس المال الأجنبي والمحلى على مقدرات البلاد وثرواتها.

وتشكيل طبقة من رجال الأعمال المصريين تكون لها السيادة على باقي طبقات الشعب،

وتقوم بدور التابع والوكيل المدافع عن مصالح وسياسات الأمريكان والصهاينة في مصر.

تصفية أي تيارات وطنية أيا كانت مرجعيتها الأيديولوجية، سواء كانت قومية أو اشتراكية أو إسلامية أو ليبرالية أو مستقلة،

تناهض الولايات المتحدة و(إسرائيل)، مع كسر شوكة الشعب المصري والقضاء على روح الانتماء الوطني.

9) وتفاصيل أخرى كثيرة..

رحل السادات، وبقى نظامه بسياساته وتبعيته وبخوفه المتجذر من أمريكا و(إسرائيل)، وبقينا نحن نحاول أن نجيب على السؤال الصعب:

كيف يمكن للأجيال الجديدة أن تتحرر من هذا الخوف التي زرعوه في مصر منذ حرب أكتوبر،

كخطوة أولى وشرط حتمي للتحرر مرة واحدة وإلى الأبد من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية ومن ذل وقيود اتفاقيات كامب ديفيد؟