هناك علاقة قوية بين البروتستانتية المسيحية وبين الليبرالية، ويخال القارئ أن مفهوم الحرية الفكرية والفردية والسياسية والاقتصادية التي جاءت مع الليبرالية والنيوليبرالية.. إلخ،
مفارقا ومخالفًا للعقيدة البروتستانتية، فلئن جاءت البروتستانتية لتحارب فكرة احتكار النص والتأويلية والأسرار التي ادّعى الكاثوليك إياها،
واستغلّوا هذه الأوهام في تشكيل التاريخ الأوروبي والكنسي والسيطرة على الجماهير من خلال سلطة البابوية وصكوك الغفران وغيرها،
فإن مارتن لوثر جاء وقد حارب هذه الخرافات وأنشأ اللوثرية ومن ثم البروتستانتية،
ولكن الكاثوليكية والبروتستانتية في نهاية المطاف لا يختلفون في جوهر العقيدة المسيحية المتعلقة بالتثليث.
تبني الخطاب الليبرالي والنيوليبرالي
ما يهمني في هذا الكلام أن جوزيف مسعد في كتابه الخطير والمهم «الإسلام في الليبرالية» يكاد يقسم في كل فصل من فصول كتابه بعشرات من النماذج والاقتباسات على أن الخطاب الغربي الموجّه ضد الإسلام وفي أرض الإسلام، لا سيما في مجالات الديمقراطية السياسية، وحقوق الإنسان، والنسوية وقضايا المرأة وغيرها كلها تتبنى أشكال الخطاب الليبرالي والنيوليبرالي،
والرجل يؤكد أن هذا الخطاب وأدواته منذ السبعينيات وحتى يومنا هذا، هي في حقيقتها لترسيخ الرؤية البروتستانتية الأمريكية والغربية لما يجب أن يكون عليه الإسلام والعالم الإسلامي في كل هذه الأفكار وغيرها،
والحقيقة الكتاب ما زلتُ أحرّض الناس على قراءته واقتنائه رغم الترجمة العربية السيئة للأسف الشديد.
وسؤالي هنا، هل سبق جوزيف مسعد أو لحق به أحد تناول قضية تسخير البروتستانتية الغربية لليبرالية والنيوليبرالية
لتحقيق مشروعاتها الفكرية والسياسية والاقتصادية على العالم الإسلامي برؤية جديدة أو مُكمّلة للرجل،
كلام الرجل مهم ويحتاج إلى بسط وشرح وحواشي ومدارس فكرية وفلسفية إسلامية تتناول هذه الأطروحات بشيء من العُمق والإجادة كما فعل،
وكنت قد قرأتُ بعض الدراسات القليلة جدا عن اللاهوت البروتستانتي الليبرالي الذي طور من شكله في ظل عصر الحداثة،
بخلاف اللاهوت القديم العقيم الذي يتناول العقيدة المسيحية ويحصرها في زوايا الميتافزيقا والأخلاق، وبمناسبة الأخلاق،
فيبدو أن المدرسة الفلسفية الأخلاقية الإسلامية الحديثة التي يقود تيارها نفر من الباحثين العرب في المغرب والمشرق،
متأثرة أو مخترقة من هذا التيار اللاهوتي الغربي القديم؛
فطالب العلم في الإسلام يُدرك أن بناءه لا يقف على الأخلاق فقط، وإنما على العقيدة والشريعة والمعاملات والهيمنة العالمية الحضارية، وهذا كلام آخر.
المهم أحتاج بشدة إلى دراسات وكتابات تتناول العلاقة بين البروتستانتية كمشروع غربي شامل يتبنى الخطاب والفكر الليبرالي والنيوليبرالي والعلمانية والعولمية لتحقيق أهدافه بنفس النمط الذي تناوله البرنس جوزيف مسعد في كتابه الآنف.
وشكرا جزيلا