الأخبار

من أين أتى الفساد⁉️

By بشير بن حسن

November 04, 2019

تتوالى الإيقافات والإعفاءات في كثير المؤسسات في تونس، مما يدلّ على حجم الفساد المستشري في بلادنا، وخطورة الوضع، وتهاوي الاقتصاد، وضعف المردودية والإنتاج، والعجيب أنه لا تخلو مؤسسة من وجود التجاوزات القانونية، فلم يسلم القصر الرئاسي، ولا البرلمان، ولا الوزارات، ولا القطاع الصحي، ولا النقل، ولا الإعلام العمومي، ولا غيرها من المجالات، وقلّ أن نتساءل من أين أتى هذا الفساد؟ لأنه ما من ظاهرة من الظواهر إلا ولها أسباب ودواعي، كما أن لها نتائج ومخلَّفات!!

 

وبعد التفكير قليلا نجد أن ظاهرة الفساد لها عدة أسباب:

 

1️⃣ خلل التربية في مجتمعنا رغم أنه مجتمع مسلم!! فهؤلاء الفاسدين، انحدروا من أبوين مسلمين بعقد نكاح شرعي، وليسوا أبناء زنا!! و حرص آباؤهم على إطعامهم الحلال في الغالب، ولم يأكلوا الميتة ولا لحم الخنزير، وتربوا في كنف الأجواء العربية والإسلامية، في الجملة!! وإلى حدّ بعيد هم يفخرون بذلك ودائما نسمعهم يقولون (حتى نحنا مِسلمين) بكسر السين خاصة!! لأن ضمها نوع من أنواع الانتماء في العقلية البورقيبية والنوفمبرية، فانتبه للفرق !!

 

فكيف تفسر اذن تعمّدهم الفساد وأكل الحرام و النهب للمال العام ؟؟؟

 

لا يكون ذلك إلا من خلل في التربية، إذ لو أحسن آباؤهم تربيتهم ما كانوا لينحرفوا هذا الانحراف الخطير، وليس هذا حكم عام ومطلق في الحقيقة، ولكنه حكم أغلبي، وبينهما فرق! فقد يوجد من لم يقصّر أبواه في تربيته ولكنه زرْع شؤم على أبويه، ومصيبة ابتلاهما الله به، حيث أنّ من ابتلاء الله لعبده انحراف زرعه!!

 

2️⃣ غياب الأخلاق، بكل ما تحمله الكلمة من المعاني، فالأزمة بالفعل أزمة أخلاقية، ولا علاقة للأخلاق بالتدين، ولكن الدين كله خُلق وفرق بين الدين والتدين!! فانتبه رحمك الله.

 

وإلا فكيف تفسر أن أناسا كفارا بالله عز وجل لا يمكن أبدا أن تصدر منهم تلك القبائح، وأن يتجرّؤوا على سرقة فِلْس واحد لا من المال الخاص ولا من المال العام!! ولا أشيد ههنا بالكفر والعياذ بالله فلا تفهم كلامي مقلوبا معكوسا، وإنما القضية قضية أخلاقية بغض النظر عن دين صاحبها.

 

وإذا ما القوم قد فسدت أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا.

 

وقد نجد الفساد أيضا في الكفار ولكنه قليل باعتبار القوانين الرادعة في بلادهم، ولذا ما عليكم إلا أن تنظروا في الأرقام والإحصائيات التي تؤكد الفرق الشاسع بين البلاد العربية والأوروبية في نسبة الفساد!!

 

3️⃣ ضعف الحسّ الوطني بل انعدامه، لأن الفاسد لا يمكن أبدا أن يكون محبا لوطنه، الحبّ الحقيقي الصادق، إذ لو كان كذلك ما تجرّأ على سرقته ونهب خيراته، والاعتداء على مواطنيه، فحبّ الوطن ليس بالتغني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل !!

 

4️⃣ موت الضمير، عند الفاسدين، وطغيان داء الجشع والطمع، واستحكام المصلحة الشخصية على الصالح العام، والأنانية وحبّ الذات، على حساب المجموعة الوطنية كلها.

 

5️⃣ غياب دولة القانون الحقيقية التي تطبق العقوبات الرادعة على كل من تسول له نفسه اللعب بمصلحة البلاد، وامتداد يده إلى المال العام، فلو وجد القانون الرادع، والقضاء المستقل، والمؤسسات الرسمية التي تتعامل مع المواطنين بكل صرامة وجدية ما كان لهؤلاء الفاسدين والمتهربين أن يعيثوا في الأرض فسادا.

 

ومن لم يردعه واعظ القرآن ،ردعه وازع السلطان، فإن الله تعالى يزع بالسلطان ما يزع بالقرآن كما قال سبحانه (لقد أرسلنا رسلنا بالبيانات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) فمن لم يرعوا بالكتاب والميزان، فالحديد يؤدبه !!

 

ولا قيام لدولة إلا بإرادة سياسية قوية عادلة، لا تعرف المحاباة ولا التراخي، بل كما قالها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه (القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق)!!

 

ألا فليستمر رئيس الجمهورية في حملته التطهيرية لبلدنا العزيز، وليقف الشعب معه وقفة صادقة ثابتة غير مرتخية، فإن تطهير الوطن من الفساد هي أول بوادر التعافي من المديونية وضعف الاقتصاد.

(إن الله يحبّ التوابين ويحب المتطهرين).