محمد جربوعة

الأخبار

هل انساق الجيش الجزائري إلى خدعة الأقلية؟

By محمد جربوعة

June 03, 2019

أتساءل: ما الذي جعل الجيش يرجع خطوات إلى الوراء ليفح بابا للحوار، يُفهم منه أن المقصود به استرضاء (أقلية فكرية وأيديولوجية معيّنة).. بعد أن استطاع تجاوزها وكسب تأييد الأغلبية؟

 

كان يمكن للجيش أن يمضي نحو الانتخابات بمباركة الأغلبية التي بدا أنها تتبنى خيار الانتخابات؟ فلمَ عاد الجيش خطوات إلى الخلف، في شكل استجابة لضغط أقلية فكرية وسياسية، انفض عنها الناس ولم يعد لها أي تأثير أو قدرة على التجنيد والحشد؟

 

هل معنى ذلك أن هذه الأقلية، استطاعت فعلا عبر عقود أن تقنع الجميع بما فيهم مؤسسة الجيش، أنّ أي برنامج أو خيار، لا تكون هي فيه، ي عد ناقصا أو لا معنى له؟

 

هل بقي الجيش رغم كل ما حققه أسيرا لهذه العقدة التي استطاعت الدولة العميقة أو تغرسها عميقا في نفوس المسئولين والسياسيين والعساكر؟

 

لقد لاحظ المراقبون في الداخل والخارج، أن الشارع تجاوز طرح الدولة العميقة ، ولم يعد لتلك الشخصيات التي كانت ألقاب (الزعامة) تصبغ عليها، أي قيمة.. لدرجة أن الكثير منها بدأ يختفي من المشهد، ويتوارى..

 

فلمَ تلقي مؤسسات الدولة حبل النجاة إلى هذه الأقلية بعد أن كانت تضمحل؟

 

هل يعني هذا أن المؤسسة العسكرية قد صفت حساباتها مع خصومها الشخصيين، ولم تعد تهتم بعد ذلك بأي صراع فكري أو ثقافي؟

 

بالنسبة لي.. سيبقى موقفي ثابتا في اعتبار الحوار في مثل هذه الظروف قفزة من نافذة قد تكون في الطابق الأرضي وقد تكون في الطابق العشرين..

 

الحوار في هذا الظرف، سيعيد الأمور إلى المربع الأول، وسيؤجج الصراع الفكري والثقافي والسياسي.. وسيؤدي إلى انهيار كل ما تحقق.. ذلك لأنّ كل طرف سيعتبر استحواذ الطرف الآخر على امتيازات، كرئاسة اللجنة الانتخابية مثلا، تخريبا مبدئيا لنزاهة الانتخابات.

 

فأنا مثلا، لا أثق في شخصيات أحسبها من الدولة العميقة، ولو كانت هي التي تدير الانتخابات لما انتخبت، ولو حدث وحكمت البلاد فسأختار الرجوع إلى منفاي الاختياري..

 

وبالمقابل، لا يثق طرف آخر فيَ.. لأكون رئيسا لهذه اللجنة.. لأنه يعتبرني خصما.. بل عدوّا.

 

لذلك، قلنا منذ أول يوم إنّ الوضع سيتعفن بجعل الحوار وهيئة الانتخابات، بين أيدي السياسيين.. وكنا اقترحنا أن تكون بين أيدي أناس من أساتذة جامعات من علماء في السياسة والقانون، ممن لا حزب لهم غير الجزائر.. وممن عُرف عنهم الأمانة والنزاهة، خاصة من أولئك الذين درسوا في جامعات عالمية لها سمعتها.

 

لقد بدأ الخلاف في اللحظة الأولى التي قررت فيها الدولة إجراء حوار.. مع تخوّفٍ شعبي مِن الحوار.

 

الجبهة التي اعتبرت نفسها شريكا للجيش طيلة أشهر.. ستحس بمرارة طعنة في الظهر.. فهل هذا هو الذي ناضل من أجله الرجال طيلة أيام صعبة، طويلة ومريرة؟

 

لا أحد يستطيع أن يقنعنا أنّ بإمكان بيان يفتح الباب للجميع باسم خدمة الجزائر، مع بعض (حسن النية) أن يجعل الذئاب التي طالما نهشت هذا الوطن، تتحول إلى طيور رومانسية خضراء ترفرف على الخريطة ، وتجنح للسلم والمحبة.

 

الفرقاء الذين سيدخلون الحوار اليوم ، سيدخلونه بسوء نية.. كل منهم يريد استعماله لتحقيق مآربه.

 

فهل ناضلنا طيلة أسابيع لنمنع وجوها معينة من تمثيل الحراك، فنجدها الآن أمام إمكانية أن تكون في رئاسة لجنة الانتخابات أو غيرها؟

 

شخصيا.. يمكنني أن أقول بكل شجاعة وبكل صراحة إن هذا الحوار لا يعنيني كشخص.. وسيبقى رأيي أنّه سيفضي إلى كارثة.

 

رفضي للحوار ليس رفضا له من ناحية المبدأ.. بل باعتباره (مناسَبَةً غير مناسِبة) للتأجيج وإعطاء فرصة للخصوم المنهكين لاستعادة أنفاسهم.. بعد أن كان بالإمكان الذهاب إلى الانتخابات بالملايين التي تباركها، دون اعتبار لأقليات ترفضها.

 

شخصيا، لا يمكنني بعد كل ما قيل عن جهة اقترفت (خيانة عظمى) ضد البلد، أن أقتنع بأي لقاء أو التقاء أو تقارب أو تنسيق، مدى الحياة، مع أي شخص أو جهة، كانت قريبة من تلك الرؤوس التي اتهمت بهذه التهمة، أو مدافعة عنها أو متخندقة معها.. حتى لو أوعز الجيش بذلك.. لأن هذه الأمور تخضع للمبادئ لا للقرارات السياسية التكتيكية المتغيرة ..

 

الذين كانوا يظنون أننا ممن يبصم على بياض، لأي جهة.. سيفهمون اليوم بالتأكيد أننا لا ننطلق إلا من قناعاتنا..

 

وإن لم يكن لنا غير الصمت، تعبيرا عن الرفض.. فسوف نصمت.