- بسام جرار يكتب: جريمة الزنا - مايو 7, 2019
- المصارف - أبريل 27, 2019
- أكاد أخفيها - مارس 11, 2019
جاء في الآيتين 156 و 157 من سورة الأعراف:”… قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ…”.
تخيّرَ موسى، عليه السلام، من قومه سبعين رجلاً لميقات الله تعالى فأُهلكوا بالرجفة. ولا تُبيّن لنا آيات سورة الأعراف سبب إهلاكهم، ولكن يمكن معرفة ذلك بالرجوع إلى سورة البقرة، حيث يشير سياقا السورتين إلى أنّ سبب الإهلاك هو ما جاء في الآية 55 من سورة البقرة:” وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ”. هنا وقف موسى، عليه السلام، يدعو ويستعطف، وهذا ما تُصرّح به الآية 155 وجزء من الآية 156
قبل ما يقارب الـ 1800 سنة من نزول رسالة الإسلام، وعند جبل الطور، ترى سبعين من بني إسرائيل موتى، وقد أُخذوا بالرجفةِ الصاعقة. وترى رسول الله موسى يقف وحده يدعو ويستعطف ويسأل الله تعالى عفوه ورحمته. في مثل هذا الموقف المهيب يأتي الرد الإلهي:” قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ”. وتشير الآيات من سورة البقرة إلى أنّ الله تعالى قد استجاب لعبده موسى، عليه السلام، فأعاد السبعين إلى الحياة:” ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”.
والمسألة اللافتة هنا أنّ الرد الإلهي، في مثل هذا الموقف المهيب، جاء ليذْكُرَ أجيالاً من المؤمنين يأتون بعد آلاف السنين:
“… قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ…”: فكما أنّ إرادته سبحانه وتعالى مطلقة لا يقيّدها إلا هو، فرحمته أيضاً واسعة تتسع لكل المخلوقات. وقد شاء سبحانه وتعالى أن يكتب على نفسه الرحمة لأمّةٍ قادمةٍ أبرز ما يميزهم أنّهم يؤمنون بآيات الله، ويتّبعون محمداً، صلى الله عليه وسلم، ويتّقون الله، ويؤتون الزكاة. وهذه الأمّة تتّبع النبي الذي تأتي أوصافه في التوراة، وفي الإنجيل الذي سينزل على عيسى، عليه السلام، والذي سيأتي مصدّقاً لما بين يديه من التوراة ومبشراً برسولٍ من بعده اسمه أحمد.
هذه بشرى عظيمة لهذه الأمّة أن تعلم أنّها كانت حاضرة في ذاكرة الأمم السابقة، وأنها جُعلت مثالاً يُحتذى واستحقت، دون الأمم كلها، أن تُكتب لها الرحمة. فليعلم السبعون، الذين هم خيار بني إسرائيل، ليعلموا بعد بعثهم وإحيائهم، أنّ رحمة الله التي وسعتهم قد كُتِبت لأمّة قادمة تتحلى بصفات عليهم أن يقتدوا بها لتُكتب لهم الرحمة.
فإذا كان الاقتداء يكون بمن مضى أو بمن حضر، فإنّ الاقتداء هنا يكون بمن هو قادم بعد قرون متطاولة. إنّها الأمّة التي يتحقّق فيها النجاح البشري. إنّها الأمّة التي تأتي كخلاصة للتجارب البشريّة. إنّها الأمّة التي أوّلها خير أمّةٍ أخرجت للناس، وآخرها خلافة راشدة على منهاج النبوة. إنّها الأمّة التي تُختم عندها الرسالات، فتقوم بما قامت به الرسل من حملٍ لدين الله وتبليغٍ لرسالته. إنّها الأمّة القادرة على أن تُصحّح مسيرتها وأن تستدرك على أخطائها. الأمّة التي ترفض الظلم وتأبى الاستعباد وتناهض العدوان، أمّة العلم والوعي والمعرفة. أمّة إذا كَبتْ ما أسرع ما تقوم. أمّة لا تموت فيها بذرة الخير، كلّما سقاها دعاة الحق أنبتت وأثمرت البركات.. هي إذن أمّة الرحمة المكتوبة.