الأصول التي يرجع إليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هي نفس الأصول التي يرجع إليها “بن سلمان” وأبيه!. والأصول التي يرجع إليها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، هي نفس الأصول التي يرجع إليها علي جمعة مفتي مصر السابق!. أليس ما تقدم محل اتفاق بين جميع العقلاء؟ الجواب قطعا نعم، فالجميع مرجعهم “القرآن والسّنة”. فلا “ابن سلمان وأبيه” ولا “علي جمعة” يستشهدون بالتوراة والإنجيل والزبور، ويتخذونها مرجعا وأصلا يستلهمون منها أفكارهم وتصوراتهم. فإذا ما الفارق بين أولئك الأبرار وهؤلاء الأشرار؟ الجواب هو التطبيق العملي لتلك الأصول، وترجمتها سلوكا عمليا في الحياة، أتمنى أن يكون ما تقدم محل اتفاق بين كل مسلم “عاقل”.
سنسلم أنّ الأصول التي كتبها حسن البنا رحمه الله، والتي تُعرف بـ “الأصول العشرون” لا يوجد فيها مؤاخذة واحدة، وليس فيها ما يتحفظ عليها الإنسان، سنسلم بهذا، لكن هل لو سلمنا بما تقدم، تكون الجماعة التي جعلت من هذه الأصول مرجعا لها، قد استمسكت بالعروة الوثقى؟.
الجواب الذي لا يختلف حوله عاقلان، لا، وإذا أردت معرفة السبب، قلنا لك، راجع صدر المقال.
لا يختلف عاقلان، في أنّ جماعة الإخوان المسلمين، والتي تتخذ من الأصول العشرين مرجعا، قدمت تضحيات كبيرة جدا، على مستوى الدعوة والعلم والجهاد، أفرادا وجماعات، وهذا المقال ليس لذكر مناقب الإخوان المسلمين، وحسب الجماعة أن ينتسب إليها أمثال عبد القادر عودة، وأحمد ياسين، والرنتيسي، وعبد الله عزام، وغيرهم كثير، رحمهم الله وغفر لهم وأدخلهم فسيح جناته. والله أمرنا بالقسط والعدل، مع الأفراد والجماعات، بل حتى مع الكافر، لكن حينما نرفع هذه الصفحة البيضاء لنغطي بها واقع الإخوان اليوم، فسنقول هذا لا يستقيم إطلاقا، فإن أبيتم، قلنا لكم، وقياسا على صنيعكم هذا، من حق “علي جمعة” أن يرفع في وجهنا الصفحة البيضاء التي كان عليها ابن عباس ومن معه من العلماء الكرام!. وبناء على ما تقدم، لا يحق لأحد أن يستشهد بـ “الأصول” ولا بـ “تضحيات الأسلاف!” مجردة دون ربطها بالتطبيق العملي للمنتسبين لتلك الأصول والتضحيات. وأتمنى أن يكون ما تقدم محل اتفاق بيننا أيضا.
فكما أننا إذا أردنا أن نقييم “علي جمعة” فيجب أن نجرده من نسبته إلى “الكتاب والسنة” و نسبته أيضا إلى “ابن عباس وباقي الأسلاف الصالحين”. فكذلك إذا أردنا أن نقييم جماعة الإخوان المسلمين وما تفرع منها من أحزاب اليوم، فلا بد من تجريدهم من نسبتهم إلى “الأصول العشرين” ونسبتهم أيضا إلى أولئك العظماء الأوائل أيضا. والمقصود بقولي تجريدهم من نسبتهم إلى كذا، أي لا تُجعل الأصول والأسلاف في وجه من يريد أن ينتقدهم.
وبناء على ما تقدم، حينما نريد أن نقييم صنيع “الحزب العراقي الإسلامي” الذي مكّن للأمريكان والرافضة في العراق، وحينما نريد أن نقييم صنيع “حزب السعادة التركي = الإخواني” الذي تحالف مع “الحزب الجمهوري العلماني” ضد أردوغان في الانتخابات الأخيرة، وحينما نريد أن نقييم صنيع “برهان الدين رباني ومن معه = الإخواني” الذي تحالف مع “الأمريكان” ضد طالبان لغزو أفغانستان، وحينما نريد أن نقييم صنيع “محفوظ نحناح الجزائري = الإخواني” الذي تحالف مع “العسكر العلماني” في الوقت الذي باقي الإسلاميين الجزائريين يذوقون ألوان العذاب من العسكر، وحينما نريد أن نقييم صنيع “حزب العدالة والبناء الليبي” الذي ساهم في دعم “علي زيدان” وساهم في إيجاد “لجنة فبراير” التي أنتجت “مجلس نواب طبرق” والذي ساهم في إسقاط “حكم المحكمة الدستورية” والذي ساهم في إيجاد “اتفاق الصخيرات”.
وغير ذلك من المواقف والأحداث، هل يصلح أو يستقيم بحال من الأحوال أن يقال هذه “أصولنا العشرين” وتلك “تضحيات قادتنا”؟.
الجواب الذي لا يختلف حوله عاقلان أنّ هذا الكلام والاستشهاد باطل لا قيمة له إطلاقا. هل يستطيع عاقل من عقلاء الجماعة، أن يقول أنّ هذه الأعمال والممارسات التي نقلتُها في هذا المقال، لها علاقة بالأصول العشرين؟ لا يمكن لعاقل أن يفعل ذلك، لأنّ نسبة هذه الأفعال للأصول العشرين تُشينها ولا تزينها.
فإذا الحديث عن الأصول العشرين وشروحاتها وعقد الندوات حولها ونحو ذلك، بعيدا عن التطبيق العملي للجماعة هذا تقييم لا يستقيم عند أولي الألباب إطلاقا، ولو قلنا باستقامته، فوالله لا نستطيع أن نرد دعاوى “آل سعود” المتتالية التي تزعم أنهم حماة الدين والعقيدة والتوحيد والسنة، ولا دعاوى “علي جمعة” إذا زعم أنه على أصول ابن عباس والشافعي!
——–
الغرض من هذا المقال هو تصحيح منهجي لآلية الاستدلال والنظر، وليس تقييم جماعة أو حزب، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
- د. علي السباعي يكتب: تيارات الغلو والقواسم المشتركة - مايو 22, 2023
- د. علي السباعي يكتب: ضبط المصطلحات.. «التمذهب» نموذجا (2) - مايو 17, 2023
- د. علي السباعي يكتب: ضبط المصطلحات.. «التمذهب» نموذجا (1) - مايو 15, 2023