مثل اللقاء الذي استضافته العاصمة الروسية موسكو بين وزيري الدفاع التركي والسوري بخضور رئيسي جهاز المخابرات في كلا البلدين والأجهزة الأمنية محطة مهمة من محطات التقارب بين دمشق وأنقرة وهو تقارب ينهي أكثر عشر سنوات من القطيعة بين كلا البلدين والذي وصل إلي نعت الساسة الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان ووزير خارجية جاويش أوغلو لبشار الأسد بالقاتل الإرهابي المسئول عن مقتل مئات الألاف وتحويل ملايين السوريين لمشردين في بلدان العالم ومنهم تركيا

وبدأت بشائر التقارب بين العاصمتين بالتصريحات التي أدلي بها الرئيس أردوغان  خلال مشاركته في قمة سمرقند حين تحدث عن رغبته في لقاء الأسد حال مشاركته  في هذه القمة التي التئمت في  سبتمبر الماضي وتأكيده أن الخصومة السياسية لا تدوم للأبد – حيث اعتبرت هذه التصريحات أولي المؤشرات علي إمكانية حدوث تقارب بين البلدين رغم ان ملفات الخلاف بينهم لازالت مشتعلة فالأزمة السورية لازالت علي حالها ولا يبدو أان هناك حلحلة قريبة لها قد تقلل من حدة التوتر بين البلدين .

التطبيع بين تركيا ونظام الأسد ولقاء موسكو

ويؤكد لقاء موسكو أن كل من أنقرة ودمشق عازمتان علي تطبيع العلاقات بينهما حتي ولو بشكل متدرج و لو اقتصر الأمر علي قادة الأجهزة الأمنية رغم وجود إمكانية انتقال الأمر من الجانب الاستخباراتي الي الجانب السياسي والدبلوماسي لاسيما في ظل التصريحات الإيجابية التي ادلي بها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار حيث شدد علي  امتناع أنقرة عن اتخاذ اي مواقف قد تضر بما اسماه الأخوة السوريين وكذلك تأكيد وزير الخارجية جاويش أوغلو عن إمكانية أن تشهد علاقات الثنائية  لقاءات بين الساسيين والدبلوماسيين من كل البلدين قريبا.

وتفتح هذه التصريحات الباب أمام بنك أهداف كل البلدين من التقارب اللافت في علاقاتهم ونبدأ هنا بالجانب التركي باعتباره الأكثر إلحاحا علي حدوث هذا التقارب

في ظل تحفظ النظام السوري الذي يتريث مسئولوه عن التجاوب مع الرغبات التركية في تطوير هذه العلاقات وبل يشعر البعض أن تجاوب دمشق مع دعوات الحوار قد جاء بضغوط من روسيا وإيران الراغبتين في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق  لاسيما أن هناك تقارير تشير إلي وجود حزمة من المصالح الداخلية والاستراتيجية التي يرغب الساسة الاتراك في تحقيقها من وراء هذا التقارب.

وفد تركي للمباحثات مع نظام الأسد بموسكو
وفد تركي للمباحثات مع نظام الأسد بموسكو

ولعل أول الأهداف التركية من وراء التقارب مع دمشق هو تسهيل العودة الطوعية لنحو مليون لاجئ سوري إلى بلادهم، وذلك بعدما بدأت المشكلات الداخلية بين المجتمعات المضيفة والسوريين، وبعدما ارتفعت نسب العنصرية في المجتمع التركي الذي يعاني اقتصادياً واجتماعياً بفعل تدهور قيمة العملة الوطنية، وارتفاع معدلات البطالة وسواها، ويُتهم اللاجئون السوريون بأنهم ينافسون الأتراك على فرص العمل ويكلّفون الاقتصاد أعباءً هائلة وهي عودة سيوظفها اردوغان بقوة خلال الانتخابات الرئاسية القا.

الموضوع الكردي يبدو حاضر بقوة ضمن بنك الأهداف التركية من التقارب مع نظام الأسد حيث ، إن قيام إردوغان بـ”التخلص من الخطر الكردي” “قسد” على حدود بلاده، يعطيه تأييداً من القوميين الأتراك الذين يجدون في الكرد دوماً خطراً على الدولة والأمة بشكل يعزز فرصه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة خلال عام 2023والتي تمثل اختبار صعبا هو حزبه في الانتخابات الأكثر شراسة منذ 2002وهي صعوبة تجعل النظام السوري قد يتريث في التقارب الي ما بعد هذا الاستحقاق وتحديد هوية من يحكم تركيا خلال المرحلة القادمة.

بنك الأهداف التركية السورية

ولا يغيب   التقارب مع روسيا وإيران عن بنك الأهداف التركية من التطبيع  مع الأسد فمنذ عام 2016، تقوم سياسة إردوغان الخارجية على “إمساك  العصا من الوسط”، فيتموضع بين المحورين المتقاتلين في المنطقة، ويتعامل بـ”القطعة” والمصلحة مع كل منهما حيث غدت هناك قناعة لدي اردوغان ، وأن تقاربه مع سوريا مدعوماً من كل من روسيا وإيران سيكون مربحاً اقتصادياً واستراتيجياً في عدد من الملفات الأخرى غير السورية..

ولا شك أن   استراتيجية تحول تركيا  “مركز” الطاقة” والغاز الروسي قد أسالت لعاب الساسة الاتراك انطلاقا من التقارب وفتح الحدود مع سوريا، سوف يتيحان للأتراك أن يحقّقوا ربحاً استراتيجياً طويل الأمد، وذلك على صعيد خطوط الطاقة، التي يهدفون من خلالها إلى استغلال موقع تركيا الجغرافي لتصبح تركيا “محوراً دولياً” للطاقة، تمر عبرها جميع الخطوط

ويتطلع الأتراك إلى الغاز المكتشف في شرقي المتوسط، ويطمحون إلى أن تكون تركيا ممر عبور لذلك الغاز إلى أوروبا. وهم يدركون أن الغاز الإسرائيلي سيكون حتماً أحد بدائل الغاز الروسي إلى أوروبا، خصوصاً بعدما وقّعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين اتفاقاً مع “إسرائيل” ومصر لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر البحر. وعليه، يضع الأتراك نصب أعينهم تنفيذ مشروع خطوط أنابيب في البحر بين “إسرائيل” وتركيا، وهو يحتاج إلى 3 أعوام تقريباً ليصبح جاهزاً لتأمين الغاز لأوروبا.

 

كما ينظر الأتراك إلى فتح الحدود بين سوريا وتركيا، كأساس في إمكانية إعادة العمل بخط “الغاز العربي” الذي أنشئ بهدف نقل الغاز المصري والعراقي إلى أوروبا، عبر الأردن، وسوريا، وتركيا ومن هناك إلى أوروبا وهو كان واضحا في التقارب مع مصر ودول الخليج والكيان الصهيوني بهدف انعاش الاقتصاد التركي وانقاذ الليرة التركية بفعل سياسة تصفير الأزمات مع دول الجوار التي تحدث عنها رئيس الوزراء التركي احمد دواد أوغلو في كتابه العمق الاستراتيجي منذ عقدين علي الأقل.

ادلب وجبهة النصرة معرقلات للتسوية

في المقابل هناك حزمة من الأهداف التي ترغب دمشق في تحقيقها مقابل التقارب مع تركيا في مقدمتها إنهاء ما تسميه التدخل التركي في الشئون الداخلية لسوريا وقطع الصلات مع مجموعات المعارضة المسلحة وفي مقدمتها جبهة النصرة ومجموعات الجيش السوري الحر والكف عن محاولات انقرة لاستنساخ نموذج العدالة والتنمية في سوريا وفرض نخب سياسية موالية لها في الساحة السورية بحسب مقربين من النظام السوري.

كما يسعي نظام الأسد لخروج القوات التركية والقوي الموالية لها من محافظة أدلب وكذلك وقف العمليات العسكرية  في شمال شرق سوريا في عفرين وتل رفعت وتل ابيض وناهيك عن العمل عن كسر العزلة من حول النظام التي بدأت في التفتت منذ زيارة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير لدمشق ولقائه الأسد وما تبعها من عودة العديد من السفارات العربية لدمشق وتأمل دمشق ومن وراء هذا التقارب الي تمهيد الأجواء لاستعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية رغم ما يبديه رموز نظام الأسد من تمنع في هذا السياق..

المنطقة الآمنة شمال سوريا

في سياق متصل في تأكيد علي قلق قوي المعارضة السورية من تداعيات التقارب التركي مع الأسد حيث حذر المجلس الإسلامي السوري من مخططات قائمة لتصفية الثورة السورية في ظل دعوات المصالحة والتطبيع مع نظام الأسد المجرم وبيع دماء الشهداء مطالبا بضرورة قيام الدول التي تأوي المهاجرين السوريين وضمان حقهم في العودة مع التمسك بمطالب الثورة السورية

وقال المجلس في بيان له :لقد أخذنا على أنفسنا العهد ألا نكون شهود زور على مشاريع تصفية الثورة السورية، وإننا إذ نرى دعوات المصالحة والتطبيع مع النظام المجرم تترى على قدم وساق فإننا نؤكد أن  الموتَ ونحنُ نتجرَّعُ السُّمَّ أهونُ ألف مرّة من أن نصالح عصابة الإجرام الّتي دمّرت سورية وأبادتْ أهلها.

وشدد المجلس علي إنّ مصالحة تلك العصابة -دون ان يشير بالاسم للقاء تم في العاصمة الروسية موسكو بين وزريري دفاع تركيا والنظام ورئيسي جهاز المخابرات-  تعني أن يموت شعبنا ذُلّاً وقهراً، وتعني بيعَ دماء الشهداء الّذين مضوا وهم ينشدون كرامة سوريّة وعزّة أهلها، ولذلك فإنّ المجلس الإسلامي السوري يدعو إلى الثبات الكامل على مطالب الثورة السورية والتمسك بوثيقة المبادئ الخمسة التي أصدرها من قبل،

وثمّن  المجلس دور الدول المضيفة للشعب السوري المهاجر يطالبها بضمان حقوق المهاجرين وعلى رأس تلك الحقوق العودة الطوعية الحقيقية الآمنة التي لا تكون إلا بعد زوال عصابة الإجرام.

بعد هذا الاستعراض لبنك أهداف كل من أنقرة ودمشق من وراء التقارب  وتحفظ العديد من قوي المعارضة السورية عليه يجدر بنا الإشارة إلي ان الهوة تبدو كبيرة بين العاصمتين بسبب تجذر الخلافات بينهم فيما يتعلق بالملف الكردي والدعم الذي تقدمه سوريا للقوي الكردية التي تصنفها أنقرة بالإرهابيةناهيك عن الخلافات في ملف أدلب والوجود العسكري التركي في شمال شرق سوريا .

ويضاف إلي ذلك لرغبة تركيا في إيجاد تسوية سياسية للأزمة بشكل يعيد ملايين اللاجئين السوريين لبلادهم ويعود علي البلدين بمنافع استراتيجية واقتصادية في المقام الأهم وهي خلافات تجعل الملفات معقدة وصعبة ولن يكتب تسوية أو حل وسط  في المتناول لها إلا لقاء قمة بين أردوغان والأسد وهو لقاء قريب مهما تحدث البعض عن صعوبة اتمامه في المستقبل المنظور.