لا يبدو أن نهاية قريبة تظهر في الافق للحرب في اوكرانيا في ظل تباين المواقف بين أطرافها المختلفة وتمسك كل طرف بجملة من الثوابت التي تجعل الوصول الي تسوية وسط أمر متاحا في المستقبل المنظور علي الاقل  أمر مستبعد وبقوة رغم حالة الضجر التي ايديها العديد من العواصم الأوروبية من استمرار الحرب  وتبعاتها الشديدة عليها مع دخول فصل الشتاء ووجود صعوبات في توفير الطاقة والكهرباء ووسائل التدفئة لنسبة كبيرة من مواطنيها .

‏ ورغم ما أبداه الرئيس بوتين من مواقف تبدو للبعض إيجابية خلال الايام الماضية من اعتراف بصعوبة الموقف العملياتي و انفتاح علي الدخول في مفاوضات مع  جميع أطراف الأزمة الأوكرانية إلا أنه في المقابل ربط الأمر بما أسماه حقائق الواقع علي الأرص والمتمثلة بحسب سيد الكرملين في التمسك بالأقاليم  الأربعة التي أعلنت روسيا  ضمها اليها رغم عدم سيطرة قواتهاعليها بالكامل والمتمثلة في لوجانسك ودونيتسك خيرسون وزابورجيا ومن قبلها شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو اليها عام ٢٠١٤ وهي مواقف تؤكد أن التسوية علي هذا الأساس تعني انتصارا لبوتين واستسلاما لأوكرانيا وهو ما يرفضه الغرب جملة وتفصيلا.

روسيا واوكرانيا وصعوبة الوصول لأرضية مشتركة

‏ وفي المقابل لازال الرئيس الأوكراني فولاديمير زلينيسكي يعرف علي وتر التشدد ويعلن ان المعني  الوحيد للسلام لديه يتمثل في انسحاب القوات الروسية من الأقاليم الاربعة وكذلك شبه جزيرة القرم وهو ما لن تقبل به موسكو من قريب أو بعيد ياعتباره إقرار بالهزيمة وهو تشدد يستند لاستمرار دعم الغرب الواسع له والذي ظهر بقوة في موافقة الرئيس الأمريكي جون بايدن علي تقديم منظومة باتريوت لكييف بشكل يعزز قدرات الجيش الاوكراني ودفعه إلي تكرار انتصاراته الأخيرة والتي ظهرت بقوة في تحرير خيرسون وتضييق الخناق علي القوات الروسية في الشرق والجنوب الأوكراني .

‏ وفي هذه الأجواء ورغم الاوضاع الصعبة للقوات الروسية  الا انها غدت توظف ما لديها من أوراق لتركيع اوكرانيا وإجبارها علي الرضوخ للشروط الروسية مستغلة سياسة الأرض المحروقة التي تتعامل بموجبها منذ عدة أسابيع  عبر استهداف البني الاساسية من محطات كهرباء ومياه الشرب في العاصمة كييف وفي المناطق حتي التي تخرج عن سيطرة موسكو حتي في  الأقاليم الاربعة وهو أمر يهدد بتحويل حياة الاوكرانيين الي جحيم.

 

‏اما ثاني الاوراق التي يحاول بوتين توظيفها للخروج من الحرب الأوكرانية ولو نصف فائز فيتمثل في دخول فصل الشتاء واستغلال الظروف القاسية التي تعيشها اوكرانيا مع النقص مواد الطاقة ووسائل التدفئة وهو تكتيك يبدو أنه قد  يؤتي ثماره  مع اشتداد الضربات الروسية  اقرار الرئيس الاوكراني بان شتاء قاسيا يجب علي الاوكرانيين التعايش معه وإبداء أكبر قدر من الصمود للخروج فائزين من هذه المعركة التي تعاني لهم مسالة حياة أو موت.

بوتين وسياسة الأرض المحروقة

‏ يكشف تباين موقفي موسكو وكييف من الحرب الروسية الأوكرانية وسعي كل طرف لتحقيق أهدافه كيف غدا الوصول لقواسم مشتركة أمرا شديد الصعوبة وهو ما ظهر بشكل واضح في حديث وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي قادت بلاده جهودا حثيثة لإقناع الطرفين بالجلوس لطاولة المفاوضات حيث أوضح أن الحرب الروسية الأوكرانية مرشحة للاستمرار  خلال عام 2023مشددا علي أهمية  تضافر الجهود للوصول لوقف إطلاق النار في أقرب فرصة لأسباب إنسانية وهو ما يكشف كيف غدا الوصول لتسوية دبلوماسية امرا شديد صعوبة في ظل رفض موسكو الانصياع لشروط أوكرانيا وحلفائها وإدراك بوتين لفداحة موقف بلاده حال خروجه خاسرا من هذه الحرب.

: صعوبة الوصول لمسار مشترك يعيد موسكو وكييف بسرعة وجدية لطاولة  المفاوضات لا يعني بالكلية ان كل الطرق باتت مغلقة للوصول لتسوية دبلوماسية للصراع خصوصا ان رسائل عديدة تخرج من عواصم غربية تؤكد أن فاتورة استمرار الحرب غدت شديدة الصعوبة حتي من واشنطن لاسيما فيما يتعلق بوضع الدولار  حيث تحدث الرئيس بايدن عن استعداده للقاء بوتين إذا كان لدي الأخير رغبة في إنهاء الحرب حيث يدرك ساكن البيت الابيض ان صعوبات شديدة بانتظاره في الكونجرس لتمرير المساعدات المفتوحة لأوكرانيا بشكل قد يفرض علي إدارته البحث عن ارضية مشتركة لإيجاد تسوية مع موسكو.

 

بايدن وزيلينسكي في البيت الأبيض
بايدن وزيلينسكي في البيت الأبيض

الدعوات للبحث عن تسوية لم تقتصر علي الجانب الأمريكي -الذي يزاوج بين سياستين هما الاستمرار في دعم أوكرانيا بكل الوسائل الاقتصادية والعسكرية استنزافا لموسكو وبين مطالبة الأوكرانيين بإبداء المرونة للعودة للمفاوضات مع موسكو-بل أن رئيس وزراء المجر فيكتور أوروبان اكد علي هذا الصعيد  أن عقد لقاء قمة بين بوتين وبايدن هو السبيل الوحيد لتسوية الأزمة فيما شدد وزير خارجية إيطاليا انطونيو تالني أنه آن الأوان لبذل جهود حثيثة للوصول لتسوية توقف الحرب في أوكرانيا .

في ظل هذه الأجواء و -تباين المواقف بين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلفائها الغربيين من جهة أخري ومراهنة الكرملين علي استراتيجية” الأرض المحروقة” وقصف البني التحتية الاوكرانية وتجمعات المدنيين وفيما يعول نظام زيلينيسكي علي الدعم العسكري الغربي -يبقي هناك يقين أن أمد الحرب الروسية الأوكرانية لازال طويلا وأن الوصول للسلام يبقي بعيدا مالم تحدث مفاجأة تقلب الطاولة علي الجميع وتجبر الطرفين علي الجلوس لطاولة المفاوضات والوصول لحل دبلوماسي ينهي اكثر 10أشهر من الحرب .