مرةً أخرى نرى عجزنا أمام مآسينا، ولا نملك شيئا إلا فتات الكلمات الماسخة التي ملت منها آذان العالم، فهاهم الملايين  من المسلمينَ يجأرون بمر الشكوى، وما من مجيب!

 

وهاهي الدنيا تمتلئ بالشكوى والعويلِ والاستنكار عبر الهاتف النقال وشبكة المعلومات و”الفيسبوك” و“التويتر” و… وحيثُ إن المسلمَ اليومَ متقدمٌ ومتطورٌ ويُحسنُ استعمالَ هذه الأدواتِ فهو لا بد أن يرغبَ في أن يُذكرَ الآخرينَ بأنه يفهمُ ويتعاطفُ ويريدُ أن يقاتلَ المجرمينَ في بورما،والمجرمين في الصين، والمجرمين في فلسطين، لكن بشرطِ أن يقومَ بهذا القتال آخرونَ غيره لأنه، أي هذا المسلمَ، لا يقدرُ أن يقدمَ لمسلمي بورما، أو ضحايا الصين،أو أطفال فلسطين سوى الكلامِ وعلى الآخرينَ أن يقدموا أكثرَ من ذلك. وعذرُهُ إما أنه مشغولٌ بعملهِ أو لديهِ عائلةٌ أو يخافُ من حاكمٍ طاغيةٍ أو من غضبِ دولةٍ لجأ إليها أو من قطعِ رزقٍ أو أو. ولا أدري لماذا يفترضُ أن الآخرين ليس لديهم ظروفٌ مشابهةٌ له!

 

وأسألُ نفسي تُرى ألمْ يتعلمْ هؤلاءِ الناسُ شيئاً في الدنيا بعدَ كلِّ ما جرى منذ مائةِ عامٍ من أنه ليس هناكَ شيءٌ اسمُهُ الأممُ المتحدةُ يمتلكُ سلطةَ عملِ شيءٍ فهي مِنبرٌ إعلاميٌ، وإنما هناك قُوىً في العالمِ تفعلُ، ومن لا يَقدِرُ أن يفعلَ فله أن يشكوَ ويبكي! أسمعتمْ أن أمريكا أو إسرائيلَ اشتكتْ يوما لما تسمونَهُ الأممَ المتحدة؟

 

ألسنا أكثرَ أهلِ الأرضِ مقدرةً على حفظِ وترديدِ أرقامِ قراراتِ مجلسِ الأمن؟ أيوجدُ سياسيٌ أو إعلاميٌ عربي يظهرُ على الناس يشرحُ ويسوغُ دون أن يذكرَ رقمَ قرارٍ لمجلسِ الأمنِ يستند هذا البائسُ له وهو لا يعرفُ أنه بغيابِ القوةِ التي تفرضهُ فالقرارُ الذي يستندُ إليهِ لا يساوي الورقةَ التي كُتبَ عليها!

 

إن ما جرى في بورما والصين وفلسطين وأماكن أخرى كثيرة منذُ سنواتٍ ويجري الأن بشكلٍ سافِرٍ هو إرهابٌ وجرائمُ ضِدُّ الإنسانية كما عرفتها الاتفاقات والقوانينُ التي اصطلحَ على تسميتها دولية. وهذا ليس سراً أو إدعاءً.

 

إن التصديَ للجرائمِ التي ترتكبُ بحقِّ المسلمينَ العُزلَ يتمُ من أحد بابين: إما التدخلُ العسكريُّ لحمايتهم أو اللجوءُ للقضاءِ لإيقافِ العدوان.

 

فالتدخلُ العسكريُّ يمكنُ أن يتمَّ إذا شاءتْ الدولُ الإسلاميةُ والتي لا أنكرُ أني لا أعرف عددَها لكثرتها، أن تفعل. فهذه الدولُ التي ساهمتْ بجيوشها في غزوِ العراقِ عام 1991 برغمِ أن جيشَ العراقِ لم يحرقْ قريةً ولم يهجرْ الآلافَ من سكانِ الكويت، والتي يقوم بعضها اليومَ بقتلِ المدنيينَ في اليمنِ،ومساعدة المجرم بشار لقتل الثورة في سوريا، ومحاربة الثوار والأحرار في ليبيا، قادرةٌ أن تُحولَ جزءً من قُدُراتِها للتلويحِ لحكام بورما، والصين وإسرائيل بالتدخلِ أو بالتدخلِ فعليا. ولا يَقولنَّ أحدٌ إن الأمرَ يحتاجُ لقرارٍ من مجلسِ الأمن فقدْ اتفقَ فقهاءُ القانونِ الدوليِّ من الأوربيين، وهم أساتذتنا وبهم نقتدي، على أن التدخلَ العسكريَّ لمنعِ وقوعِ كارثةٍ إنسانيةٍ عملٌ مقبولٌ بموجبِ القانونِ الدوليِّ وهذا هو ما حدثَ في “كوسوفو” وما تحججوا به للعدوان على ليبيا!

 

لكني ما ألبثُ أن أتداركَ الأمرَ فأقولُ إن المسوخ التي تحكمُ العالمَ الإسلاميَّ هي بيدِ سيدِها الصهيونيِّ وهو راضٍ عما يجري  في الصين و بورما ولن يسمحَ بما يُسيء لها. وإذا كان في إرضائها قتلُ وتشريدُ لآلافِ المسلمينَ فما هو الجديدُ في ذلك؟ ألم يفعل ذلك في فلسطينَ والعراق وسورية وليبيا واليمن وأفغانستان؟

 

لنصرف النظرَ عن التدخلِ العسكريِّ ما دامت المسوخ عاجزة إلا على شعوبها!!

 

يبقى اللجوءُ للقضاء. وهذا لا يعني الدعوة لعرضِ القضيةِ أمامَ محكمةِ الجناياتِ الدولية كما اعتقد عددٌ من المسلمين الذين لا يعرفون شيئا عن القضاءِ الدولي وعملهِ.

 

وسببُ عدمُ إمكان ذلك هو أن محكمةَ الجناياتِ الدولية ليس لها سلطةٌ قضائيةٌ على الدول التي لم تصادقْ على دستورِ المحكمةِ وحيثُ إن  الصين، شأنُها في ذلك شانُ الولايات المتحدةِ.

 

لكن الأمرَ لا يقفُ هنا إذا كان المهتمُ يبحثُ عن سبيلٍ غير العبثِ واللغو!

 

فقد أصبحتْ جرائمُ الإرهابِ والجرائمُ ضِدُّ الإنسانيةِ من الخطورةِ والأهميةِ والانتشار ما جعلها تدخل في التشريعاتِ الوطنيةِ للعديدِ من دولِ العالم. وكثيرٌ من هذه الدولِ منحتْ المحاكمَ الوطنيةَ فيها سلطاتِ قضاءٍ دوليةٍ في جرائمِ الإرهابِ وجرائمِ الحربِ والإبادةِ والجرائمِ ضِدِّ الإنسانية، كما هو الحالُ في بريطانيا وهذا يعني أن بالإمكانِ مقاضاةَ حكومةِ الصين أمامَ المحاكمِ الوطنيةِ لهذه الدولِ التي تتمتعُ محاكمُها بسلطاتِ قضاءِ دولية.

 

فمن أراد أن يعملَ شيئاً من أجلِ مسلمي الصين، فليفكر في وسيلة عملية كالمقاطعة الحقيقية لمنتجات الصين التي تملأ كل شبر في أوطاننا، واستبدالها بمنتجاتنا الوطنية -مهما كانت رداءتها- أو منتجات الدول الإسلامية كماليزيا وتركيا وإندونيسيا.

 

إن أيَّ عملٍ سيكونُ أفضلَ من البكاءِ والبياناتِ والاستنكار. والعالمُ لا يحترمُ الضعيفَ ولا الجبان.

من د. أحمد زكريا

كاتب وباحث