د. أنس الرهوان

أتفكر أحيانا في بعض التفصيلات الدقيقة في حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، تفصيلات يعرفها أكثرنا ولكن ربما لا نقف على أعتاب التأمل فيها واستشفاف أسرارها والتقاط فرائد الحكمة فيها.

 

الأسماء التي تحتف باسمه صلوات الله وسلامه عليه، أسماء مختارة بعناية مدهشة، فمن بين سروات قريش وساداتهم وأفذاذ رجالاتهم يختار الله سبحانه لنبيه أبًا اسمُه «عبد الله»، أحب الأسماء إليه جل في علاه، يُنْكِحه امرأة ناضرة البهجة سنيَّة الطلعة يكون اسمُها «آمنة»، وتستقبله عند ولادته امرأةٌ اسمها «الشفاء»، وتُرضعه أَمةٌ اسمها «ثويبة»، ثم مرضعة اسمها «حليمة»، وتكتنفه امرأة كانت عند أبيه اسمها «بركة»، وكنيتها «أم أيمن»!

 

دوائر العلاقات القريبة منه عليه الصلاة والسلام، كلها كانت مصنوعة على عين الله تبارك وتعالى، مصطفاةً بسابق علمه وقضائه لتكون له ذُخرا في لاحق الزمان، وسندا لدعوته التي سيؤمر بها في أعقاب الدهر، أبو بكرٍ الصديق أقرب الناس إليه منذ الصباء، كان شابا يهزأ بأصنام قومه ويرفض عبادتها، ويعاف الخمر ويجتنبها، ويؤلَف لعلمه وتجارته وحسن مُجالسَته، ثم كان أول الرجال إيمانا برفيق دربه صلى الله عليه وسلم، وما كان أسرع ما ملئ أبو بكر إيمانا حتى فاض منه على ناس من أصحابه صاروا فيما بعدُ من جِلَّة الصحابة وصفوتهم وأولي السبق منهم.

 

خديجة بنت خويلد، التي أنفذ اللهُ بصيرتها إلى الغيب من سترٍ رقيق، مع ما كانت عليه من الخير والعفة والطهر، فاختارت لنفسها زوجًا ذلك الشابَّ الأمين اللبيب، مع كونها مطمحَ أبصار سرَوات قريش وملئهم وأثريائهم، ولم تألُ فيما اختارت لنفسها خيرا ثم كانت خيرَ زوجٍ وخيرَ معين وخيرَ وزيرٍ لخير الناس طُرًّا، حتى وافاها الأجل والتحقت بركاب الخالدين في أعلى عليين.

 

علي بن أبي طالب، كان غلاما في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وربيبا له، وكان أول الذكور إيمانا به على قولٍ، وكان منه ما لا يكون من مئات الرجال علما وفقها وشجاعة وسخاء وأخلاقا لا يُدرَك فيها شأوُه ولا يُطمَع في درجتها بعده ولم يسبِقْه بها سوى الأنبياء والثلاثة الخلفاء، وكان سيد آل البيت الطيب المبارك بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم، ومن أكبر أكابِر الصحابة الكرام قدرا ومنزلة.

 

فاطمة الزهراء، البتول المطهرة، سيدة بنات النبي صلى الله عليه وسلم -وكلهن سيدات -وسيدة نساء أهل الجنة، كانت تنظر إلى أبيها وهو يؤذى، فتدفع عنه الكفرة الفجرة وتزجرهم عنه، غير عابئة ببطشٍ منهم أو جبروت أو شيء من شأنهم، وهي فتاة يافعة ليست لها قوة تكافئ قوتهم أو يدٌ تدفع بطشهم.

 

زيد بن حارثة، ربيب الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، وحِبُّه وأبو حِبِّه، كانت له مع النبي صلى الله عليه وسلم في جاهلية الناس قصة عجيبة، ظاهرها أنه اختار العيش في كنفه، وحقيقتها اصطفاء الله له ليكون في طليعة ركاب المسلمين ويرتقي في معارج الإيمان حتى يكون في ذروة أحباب الحبيب المحبوب عليه صلاة الله وسلامه، ويبكي عليه بعد استشهاده بكاء مريرا!

 

هذه دوائر العلاقات شديدة القرب من النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم من صفوة الصفوة من أهل الأرض، رضوان الله عليهم ورحمته.

 

ومثل هذا كثير لمن أراد أن يقف عليه.

من د. أنس الرهوان

طبيب، كاتب وباحث