أين أبنائي من تركستان الشرقية؟

ما زالت ذاكرتي تحتفظ بأسماء بعضهم؛ لشدة اقترابهم مني: فمنهم: الشيخ عبد الصمد المُنَسِّق لمواعيد الدروس والمحاضرات مع من يتطوع بالتدريس لهم، ويعدُّونه بينهم رئيس اتحاد الطلبة، سألت عنه أحدهم بعد عودتي من الأردن، فقال لي: هو الآن مفتي البلاد! فقلت متعجبًا: مفتي مرَّة واحدة؟ فردَّ قائلًا: إنه مُفْتٍ بمعنى أنه ناشطٌ في نشر الدين والدعوة بطرقٍ سِرِّيَّةٍ للغاية، تصل إلى درجة أنه يَتَجَوَّل في ربوع البلاد بسيارة مظللة الزجاج (فاميه)، حتى لا يراه أحد، والسيارة نفسها هي مجلس العلم، بداخلها يُعَلِّمُ الناسَ الأبجديةَ الأولى لدينهم، تلك الأساسيَّات التي يفتقدونها، وقد مُنِعَ من الخروج من البلاد بمجرد عودته إليها، وقد كان يفاتحني برغبته في استمراره في الدراسة بعد حصوله على الليسانس، ولكن السلطات الصينية منعته من السفر للخارج، ثم اعتقلته، ولا أعلم اليوم من أخباره شيئًا، أرجو أن يكون معافى في بلده ودعوته.

 

ثم بعد هذا الشاب القيادي في بساطة، الغيور في تواضع، العالم وهو يتعلَّم، لا أنسى بعض إخوانه من أمثال: عبد الشكور، وعبد الظاهر، وعبد الأحد، وغيرهم ممن لقيتهم يقتربون مني بشَغَفٍ؛ ليتعلَّموا العلم الذي يفتقدونه وقد سُدَّت كل السُّبُل في وجه معرفتهم بدينهم لدرجة أنهم – حسب حكايتهم لي – كانوا هم وعامة المسلمين معهم يتسلَّلون خِفْيَةً في جُنُح الظلام في الهَزيع الأخير من الليل؛ ليذهبوا إلى رجل مُسِنٍّ شارف على الموت؛ لأنه هو البقية الباقية ممن يعرف شيئا عن الإسلام يأخذونه عنه، ولو كان أحكام الوضوء والصلاة وقراءة الفاتحة.

 

لم يأت أولئك الأبناء الأزهر وقتها بمِنَحٍ رسمية، فالسلطات تعتبرهم مارقين وانفصاليين فكيف تبعثهم إلى الأزهر وهي التي تلاحقهم وتطاردهم يعيونها أينما حَلُّوا؟ ولكن دراستهم كانت بمِنَحٍ خاصة يُقَدِّم تكاليفها أهلُ الخير واليَسار من تجار بلادهم ممن يستثمرون بدول الخليج أو تركيا وغيرها، ومن أثرياء العرب الخيِّرين، وكان الشيخ الشعراوي – رحمه الله – ينفق عليهم في حياته، وبعد موته انقطعت معونته عنهم حسبما أخبروني وقتئذٍ.

 

وكان هؤلاء الأبناء يقولون لي: إن قضيتنا منسيَّة، ويمدونني ببعض الكتب التي تحمل هذا العنوان: ( قضية تركستان المنسية )، وهي بالفعل منسية وقتئذ ليس فقط على المستوى الرسمي والدولي، بل حتى على المستوى الإعلامي والحقوقي أوما يسمى بمنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان؛ لأن العالم يبحث عن مصالحه مع الصين، بما في ذلك الدول العربية والإسلامية.

 

أين هؤلاء وأمثالهم؟ لو كنت أعلم مكانهم لأتيت إليهم ولو حبوًا؛ لأُعَلِّمَهم ما مَنَّ الله عليَّ به من أثارة من علم، ولأنفخ في روعهم روح العزَّة والكرامة التي أوصانا بها ربنا في قوله – تعالى -: ” وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ” المنافقون (8).