د. محمود حجازي

عام 2018 قامت بريطانيا بتعيين وزير مجابهة الشعور بالوحدة، لمساعدة الشباب الذي يميل معظمة لجلد الذات والعزلة والإدمان ومحاولة الانتحار،

وبعد بريطانيا سارعت العديد من الدول الإسكندنافية ودول أوروبا لتعيين وزراء للمساعدة في هذا الأمر،

كانت الأسباب الرئيسية المعلن عنها والتي تدفع الشباب للانتحار هي ضعف التواصل الاجتماعي..

نتيجة ميل الشباب لاستخدام الهواتف المحمولة لفترات طويلة والإدمان وضعف الروابط الأسرية الخ….

 

أبحاث دقيقة

 

ولكن عام 2016  تم إجراء أبحاث دقيقة وعالية المستوى بالولايات المتحدة للكشف عن الأسباب الحقيقية لتلك الظاهرة،

فكانت نتيجة الأبحاث مبهرة فلقد وجدوا أن الفتيات والشباب..

الذين يحضرون خطاب ديني مرة أسبوعيا على الأقل هم أقل عرضة بخمس مرات لتلك المشاعر التي تدفع للانتحار من غيرهم ممن لا يحضرون الخطب الدينية،

وتوصلت الأبحاث إلى أنه بعد عام 1980 فثلث المواليد لم يعتنقوا أي ديانة ونسبة الميل للانتحار بين هؤلاء عالية جدا ،

فخلصت الأبحاث إلى أن ضعف الخطاب الديني في كل الأديان هو العامل الرئيسي لحالة الحزن والعزلة المتزايدة في أمريكا وأوروبا ودول العالم الأخرى،

وهذا ما دفع المؤلف والإذاعي الشهير دينس براجر للتحدث عن تلك الأبحاث..

وشخصيا شعرت بسعادة غامرة وأنا أرى الغرب وهم يتوصلون للحقيقة..

وهى أن الدين في حياتنا أساسي لا غنى عنه،

من سيمنع التحرش في شوارعنا سوى التدين الحقيقي ومن سيجعل معاملة الزوج بالمودة والرحمة سوى الدين،

ومن سيشجع على العمل والاجتهاد سوى الدين، ومن يجعلك تمد يد العون للضعيف والفقير سوى الدين،

والذي سيمنع الفساد والرشوة وكبت الحريات سوى الدين، ومن الذي يوفر حلول لكل المشاكل الاجتماعية مثل حالات الطلاق سوى الدين،

ومن يشعرك بالقرب من الله لتحظى بالسعادة الحقيقية سوى الدين،

والذي سيمنع عنك التفكير السلبي والتطرف وتمنى الموت نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة سوى الدين.

فلنحمد الله على نعمة الإسلام والدين الذي مهما كانت ظروفنا صعبة لا نلجأ إلا لطلب العون من الله رب العالمين….

 

ظاهرة الانتحار

 

وبالحديث عن ظاهرة الانتحار التي تسود معظم الدول التي همشت الأديان،

سأسرد لكم بعض إحصائيات الأمم المتحدة عن الانتحار،

ففي كل 40 ثانية هناك شخص ينتحر في مكان ما من هذا العالم!

وفي كل عام هنالك مئات الآلاف من الأشخاص يموتون منتحرين في العالم.

وكل عام يموت 873 ألف إنسان بعمليات انتحار مختلفة  إنها بحق ظاهرة تستدعي الوقوف طويلاً والتفكر في أسبابها ومنشئها، بل وكيفية علاجها.

 

حسب إحصاءات الأمم المتحدة فإنه في أية لحظة ننظر إلى سكان العالم نجد أن هنالك 450 مليون شخص يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية.

إن أكثر من 90 % من حالات الانتحار يرتبط سبب انتحارهم باضطرابات نفسية وتحديداً الكآبة، أي فقدان الأمل الذي كان موجوداً لديهم

 

يعدّ الانتحار السبب الثامن لحالات الموت في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

الرجال أكثر عرضة للانتحار من النساء بأربعة أضعاف تقريباً. ولكن محاولات الانتحار عند النساء أكثر.

في 60% من حالات الانتحار يتم استخدام الأسلحة النارية مثل المسدس.

 

تشير الدراسات إلى أن قابلية الانتحار لدى الشخص تكبر مع تقدم سنّه،

ولذلك نرى بأن هنالك أعداداً معتبرة بين الذين يموتون منتحرين وأعمارهم تتجاوز 65 عاماً.

وهؤلاء معظمهم من الرجال.

 

المعتقد الديني حول الانتحار له دور أساسي في قبول فكرة الانتحار، فعند جهل الإنسان بأن الانتحار محرّم قد يستسهل هذه العملية.

وقد يعتبر البعض أن الانتحار هو قرار نبيل للدفاع عن أخطاء أو خسارات كبيرة لا يتحملها العقل.

 

الإحصائيات الدقيقة

 

ولكي لا يظن أحد أنني أبالغ في هذه الأرقام، فهذه إحدى الإحصائيات الدقيقة جداً والتي تمت عام 2002 في الولايات المتحدة الأمريكية وكان بنتيجتها:

 

بلغ عدد المنتحرين أكثر من 31 ألف حالة. عدد الرجال منهم 25 ألف رجل، و6 آلاف امرأة.

أكثر من 5000 شخص بين هؤلاء هم من المسنين الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً.

أما عدد الشباب بين هؤلاء (15-24 سنة) فقد بلغ 4000 منتحراً.

وبناء على هذه الأرقام فإنه يمكن القول بأنه في أمريكا هنالك شخص يقتل نفسه كل ربع ساعة!!

وفي هذه الإحصائية تبين بأن هنالك 17 ألف إنسان قد قتلوا أنفسهم بإطلاق النار من مسدسهم.

وهنالك أكثر من 6 آلاف شخص فضَّلوا شنق أنفسهم.

أكثر من 700 من هؤلاء ألقوا بأنفسهم من الطوابق العليا. وأكثر من 300 شخص رموا بأنفسهم في الماء فماتوا غرقاً.

ويمكن القول وسطياً بأنه في كل عام يُقتل 100 ألف شخص بحوادث مختلفة مثل حوادث السيارات وغيرها،

وبالمقابل نجد أن 30 ألف شخص يقتلون أنفسهم، فتأمل هذه النسبة العالية جداً للذين يقدمون على الانتحار.

والعجيب في هذا التقرير أن هنالك 5 ملايين أمريكي حاولوا قتل أنفسهم!!!

 

وعلى الرغم من الوسائل المتطورة التي تبذل في سبيل معالجة هذا الداء فإن نسبة الانتحار زادت 60 بالمائة خلال النصف القرن الماضي!

 

الاعتقاد السائد

 

لقد كان الاعتقاد السائد قديماً أن أشخاصاً محددين فقط لديهم ميول نحو الانتحار،

ولكن أثبتت الحقائق العلمية أن كل إنسان لديه إمكانية الإقدام على الانتحار فيما لو توفرت الظروف المناسبة.

كما كان الاعتقاد السائد أن الحديث مع الشخص الذي ينوي الانتحار حول انتحاره سيشجعه على الانتحار أكثر،

ولكن الدراسات أظهرت العكس، أي أن الحديث عن عواقب الانتحار ونتائجه الخطيرة وآلامه يمكن أن تمنع عملية الانتحار.

 

والسؤال: ماذا عن كتاب الله تعالى؟

 

إن القرآن العظيم لم يهمل هذه الظاهرة، فقد أعطى أهمية كبرى حول هذا الأمر وعلاجه فتحدث بكل بساطة ووضوح عن هذا الأمر.

بل أمرنا أن نحافظ على أنفسنا ولا نقتلها فقال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) النساء: 29. إنه أمر إلهي يجب ألا نخالفه.

 

ولكن هل يكفي هذا الأمر لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة؟

لا، لأن الدراسات الحديثة تؤكد على ضرورة بث الأمل لدى أولئك اليائسين المقدمين على الانتحار،

وضرورة معاملتهم معاملة رحيمة.

ولذلك نرى مئات المواقع والمراكز قد خصصت لعلاج ومواساة من لديه ميل نحو الانتحار أو يحاول ذلك.

 

ولذلك فقد أتبع الله تعالى أمره هذا بخبر سار لكل مؤمن، يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)  النساء:29،

إنه نداء مفعم بالرحمة والتفاؤل والأمل. ولكن لماذا هذا النداء؟

 

إذا علمنا بأن معظم حالات الانتحار سببها فقدان الأمل من كل شيء عندها ندرك أهمية الحديث عن الرحمة في هذا الموضع بالذات.

 

وهذه الطريقة ذات فعالية كبيرة في منعهم من الانتحار. وهذا ما فعله القرآن، يقول تعالى في الآية التالية مباشرة:

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء: 30].

وتأمل معي هذا العقاب الإلهي: (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا) إنها بحق نتيجة مرعبة لكل من يحاول أن يقتل نفسه.

من هنا ندرك أن القرآن العظيم لم يغفل عن هذه الظاهرة بل عالجها العلاج الأمثل.

ولذلك نجد أن أخفض نسبة للانتحار هي في العالم الإسلامي!!!

وذلك بسبب تعاليم القرآن الكريم. بينما يعاني الغرب من عدم وجود تعاليم تمنعه من الإقدام على الانتحار فتجد نسبة الانتحار عالية لديهم.

ولو كان القرآن كلام بشر كما يدعون إذن كيف علم بأن العلاج الفعال للانتحار هو إعطاء جرعة من الرحمة والأمل للشخص

وإعطائه بنفس الوقت جرعة من الخوف من عواقب هذه العملية؟

كيف علم البشر بعلاج الانتحار قبل أن يكشفه العلماء بأربعة عشر قرناً؟؟

 

 المصادر:

 

المؤسسة التي قامت بالأبحاث هي Jama Psychiatry

https://jamanetwork.com/journals/jamapsychiatry

http://www.befrienders.org/info/statistics.php

http://www.who.int/mental_health/en/

http://www.suicidology.org/associations/1045/files/2002datapgv2.pdf

http://www.ace-network.com/suicmyths.htm

د. محمود حجازي

من د. محمود حجازي

كاتب مصري، وباحث في دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة