ما يتعرض له شعب الإيغور المسلم من اضطهاد وقمع من الصين الشيوعية لا يختلف عما يتعرض له المسلمون في فلسطين من الاحتلال الصهيوني، وفي افغانستان من الاحتلال الأمريكي، وفي ميانمار والقمع البوذي للروهينغا، وفي سوريا من الاحتلال الروسي، وفي العراق من الاحتلال الأمريكي والمليشيات الإيرانية الطائفية، وفي مالي والنيجر وافريقيا الوسطى من الاحتلال الفرنسي.

 

فقضية شعب الإيغور المسلم هي جزء من قضية الأمة التي تواجه تداعيا أمميا استعماريا منذ القرن التاسع عشر حتى سقوط الخلافة في القرن العشرين، فشعب الإيغور المسلم يعاني من الاضطهاد الصيني الشيوعي منذ احتلال تركستان الشرقية عام 1881م وقضاء التحالف الصيني الروسي على الجمهورية الإسلامية في تركستان الشرقية التي قامت بعد ثورة 1931م، وحتى غدت قضيتها (القضية المنسية).

 

لكن اليوم ومع التطورات الكبرى في العالم الإسلامي، تعود قضية شعب الإيغور المسلم إلى الواجهة من جديد مع السياسات القمعية الجديدة التي تقوم بها الحكومة الصينية الشيوعية والتي أقرت بذلك فيما أسمته  الكتاب الأبيض الذي أصدره مجلس الدولة الصيني ردا على الانتقادات الدولية لهذه السياسات حيث أكد بأن (أن الإسلام ليس العقيدة الأصلية لقومية الإيغور… وأن حرب شينجيانغ ضد الإرهاب والتطرف هي معركة من أجل العدالة والحضارة ضد قوى الشر والهمجية..

 

وأن تصاعد التطرف الديني في جميع أنحاء العالم تسبب في تنامي التطرف الديني في شينجيانغ وأسفر عن عدد متزايد من حوادث الإرهاب والعنف) “ روسيا اليوم 22/12/2019م.

 

وبهذا الخطاب القمعي الرسمي سارت الصين الشيوعية على خطى النظام الدولي الغربي في تبريرها لسياسات الاضطهاد والقمع لشعب الإيغور المسلم بالحرب على الإرهاب والتطرف!

 

إن اضطهاد شعب الإيغور المسلم ليس جديدا غير أنه ازداد إجراما بعد أن أطلقت الصين برامج قمع واضطهاد جديدة تحت شعار مكافحة الإرهاب لإعادة تهيئة منطقة الإيغور سياسيا وأمنيا وثقافيا لمشروعها السياسي والاقتصادي الاستعماري الجديد (الحزام والطرق) وهو النسخة المعاصرة من طريق الحرير التجاري والذي يعتبر وطن شعب الإيغور هو المنفذ البري الاستراتيجي لهذا المشروع العملاق على العالم، ناهيك عن ثروات النفط والغاز والمعادن في تركستان الشرقية.

 

كما أن الصين بهذه السياسات والبرامج تسابق الزمن لمواجهة التحديات الكبرى التي تتوقعها على ضوء هذا النهوض القادم للعالم الإسلامي الذي بدأت بوادره تظهر بعد ثورة الربيع العربي الذي هز أركان النظام الدولي وكذلك النهضة التركية وتحررها السياسي القادم، فهذه التغيرات دفعت بالقوى الإسلامية إلى السعي نحو استثمارها للنهوض بالعالم الإسلامي كما في قمة كوالالمبور والذي عقدت تحت شعار (التنمية والسيادة) في ماليزيا على حدود المجال الحيوي للصين نفسها.

 

وأما في أمريكا وأوربا حيث بدأ انهيار النظام الدولي الذي فرضه الغرب على العالم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية بمؤسساته الدولية والاقتصادية مع صعود الصين ونهوض العالم الإسلامي فقد رأى الغرب الاستعماري قضية الإيغور من الفرص الذهبية لاستغلالها لضرب العالم الإسلامي بالصين كما فعل في أفغانستان من قبل عندما دعم قضية الشعب الأفغاني ودعم القوى المجاهدة لمواجهة الاحتلال الشيوعي السوفيتي، وهو ما اعترف به الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية في واشنطن في مذكراته ( لقد جيشنا العالم الإسلامي وراءنا، وهو ما توافق تماما مع إستراتيجية ريغن لقتال الاتحاد السوفيتي) “كتاب الأمير–وليام سيمبسون ص141 الدار العربية للعلوم ناشرون” لتتحرر أفغانستان من الاحتلال السوفيتي وتقع تحت الاحتلال الأمريكي.

 

ولهذا ترى الإعلام الغربي والأمريكي خاصة يركز على قضية الإيغور اليوم ليجعلها قضية رأي عام دولي لا لحمايته من الاضطهاد بل للضغط فقط على الصين في ظل الحرب الأمريكية الصينية السياسية والاقتصادية، وفي نفس الوقت توجيه طاقات العالم الإسلامي نحو هذه القضية للمواجهة مع الصين وصرف نظر القوى الإسلامية عن القضية المركزية في العالم الإسلامي وهي قضية التحرر من النفوذ والهيمنة الغربية المرتبطة أساسا بنجاح ثورة الربيع العربي واستكمال التحرر التركي فهذا أشد ما تخشاه أمريكا وأوربا وتحذر منه.

 

ينبغي ألا ننخدع بالخطاب الإعلامي للغرب وذرفه الدموع على الإيغور في الوقت الذي يشن الحملات العسكرية ويدعم النظم الاستبدادية في العالمين العربي والإسلامي من جاكرتا شرقا إلي موريتانيا غربا تحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرف، وتحت هذا الشعار فالصين والغرب وجهان لعملة واحدة يتناغمان في محاربة العالم الإسلامي واستعماره ونهب ثرواته.

 

إن الحل الحقيقي لقضية الإيغور وكل شعوب الأمة المضطهدة هو التحرر والاستقلال والوحدة وهذا لن يتحقق إلا بنجاح الثورة العربية وتحرر تركيا، فالعالم العربي وتركيا هما قلب العالم الإسلامي، ولا يتصور تحرر العالم الإسلامي ونهوضه والعالم العربي خاصة واقع تحت الهيمنة الغربية، وستبقى أي نهضة أو تحرر لقطر مسلم تحت هيمنة ونفوذ النظام الدولي وقواه الاستعمارية.

 

فالمعركة التي يواجهها العالم الإسلامي هي معركة أممية واحدة لا فرق فيها بين تركستان الشرقية المحتلة صينيا، وكشمير المحتلة هندوسيا، وفلسطين المحتلة صهيونيا، وأفغانستان والشيشان والعراق وسوريا المحتلة صليبيا، بعد أن تداعت فيها أمم الشرق الوثني وأمم الغربي الصليبي على الأمة كما في الحديث (يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ) ولا يمكن التصدي لهذا التداعي الأممي بالقطرية والوطنية ولا بالرهان على القانون الدولي والمؤسسات الدولية ولا يمكن التحرر من الاحتلال والاستبداد والذل الذي ضرب على الأمة منذ سقوط الخلافة إلا بالعودة لدين الله عز وجل امتثالا للتوجيه النبوي (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ).

من سيف الهاجري

مفكر وسياسي - الأمين العام لحزب الأمة الكويتي