صفوت بركات

قبلة الحياة لصهيون وحبل الناس!

قال تعالى {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} (سورة آل عمران – الآية 112)

 

بديلا عن المشروع الأممي للأمة الإسلامية، والذي كان لقرن ضرورة تم تجاوزها والقفز عليها لمشاريع قومية بحكم سايكس بيكو، تتبرع الدول الإسلامية اليوم لإسرائيل ببناء وتأسيس مشروعها الأممي تحت صفقة إبرهام، ليمدوا لها حبل من الناس قبل انهيارها وتفككها أو تخللها الذي كان وشيكا والتي لم ولن تكن تسعفها أو تضمن لها البقاء المشاريع القومية.

 

وأدركت أن مشروعها القومي بات سجنا يهدد مستقبلها لأن المشاريع القومية.. في ظل عالم ديناميكي متسارع التغيير في مقومات وأسس البقاء وعلى كافة المستويات من علمية وديمغرافية.. لا يمكنها من البقاء وليس التمدد ولا حتى الطمأنينة لعقد من الزمان.. بسبب ندرة الفرص للسكان في أي مشروع قومي يخدم المستقبل ويؤسس له، لطبيعة انتقال التأثير للقوة من صور تقليدية لصور جديدة، لا يساهم فيها إلا الندرة ولا تتسع فيها فرص المساهمة إلا لأعداد قليلة لا تمثل نسبة تذكر من المجتمعات،

 

فكان وجوب بل فرضية اضطرار الأمم للسعي نحو مشروع أممي للمستقبل فينشأ في ظلاله النشء، لضمان ولوجهم المستقبل في اتساع للفرص وتحقيق الذات وصناعة الأمل لهم في المستقبل، لأن المشاريع القومية لم ولن تتيح لهم أي مستقبل في ظل ضيق الفرص، حتى لو كانت تلك الفرص تجرى على أسس من النزاهة والكفاءة والعدالة.

 

فتتبرع الدول العربية بفتح الجغرافيا لليهود لتكون أرض العرب والمسلمين جغرافيا لمشروع أممي صهيوني، يضمن لهم البقاء ويلج نشئهم  المستقبل على أكبر رقعة جغرافية في العالم وأعظم مكامن الثروة كسيد ثرى قبل أن يولد ويرى النور.

 

وها هي اليوم أمريكا بعدما أيقنت أن ترامب ومشروعه، أمريكا أولا، حرمها من الاستثمار في المشروع الأممى كإمبراطورية.. وجاءت ببايدن ليعيد احتكار الهيمنة ويوسع الفرص للأمريكان تحت صياغة مشروع القيادة الجماعية  للعالم.

 

لهذا جماعة طرح المشاريع القومية اليوم ينقلون من أجندات عالم ما قبل الشركات المتعددة الجنسيات، ولا يدركون أي سياق نحيا فيه، ولا يفهمون أن مشاريع تربية الأبقار وتجارة الحليب، لم يعد قابلًا للبقاء.. وليس النجاح في ظل إدارة قومية  فضلا عن مشاريع لنهوض أي دولة أو طائفة أو جماعة.

 

فالعالم يتحول لصور الأمم وأسس بقائها وديمومتها حتى لو لم يطلق على نفسه مصطلح أمة من الأمم.. فالشركات المتعددة الجنسيات أمة من الأمم ولو لم تتحول لتلك الصيغ والعقود والتشريعات، التي أخضعت له الدول ثم الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتشريعاته، لما كنا فيه اليوم..

 

فالمستقبل لن يكون فيه إلا عدد محدود على طاولة القرار العالمي يمثلهم عدد محدود من الأفراد، يتحكمون في كل شيء يخطر ببالكم وما لم نسلم بأن المستقبل للأمم والمشاريع الأممية، لا المشاريع القومية، لن نكون إلا في حكم عبيد ورقيق نسمع ونطيع، رضا أو كرها، أو إذعاناً..

 

لنحيا كحياة البقر والجاموس حتى يحين ذبحها إذا طاب لحمها وفقدت القدر على إدرار اللبن.

من صفوت بركات

أستاذ علوم سياسية واستشرافية