د. ياسر عبد التواب

  بعدما عدتُ من الخارج!..ونزعتُ الكمامة

 كالمعتاد أهلت الماء على رأسي لأنتعش، ووقفتُ ذابلا أنظر إلى المرآة؛

– ما الذي أراه ؟

– أين معالمي ..

– أين وجهي ؟

– لا أرى إلا دوائر فقط.. ! الفم والأنف والعينان مجرد دوائر ..لقد اختفت معالمي !

– من أنا.. وأين وجهي ؟

**

قال له منتهرا: انزع ملابسك …بآلية فعلها، ووقف بملابسه الداخلية.. وكأنه أمر معتاد في مثل هذه الظروف!

تحرك (مخبر) حازما ليسوقه أمامه!..وقبل أن ينتبه قلب  له “فانلته” من الأمام… ليغطي بها وجهه كاملا، ولتمنحه مظهر الأموات في أكفانهم؛ وتحجبه عن رؤية من يحقق معه

ابتسم متذكرا أن من قبضوا عليه “هناك” أيضا كانوا يلبسون كمامات تغطّي  وجوههم

لعبة كمامات إذن .. أو لعنتها ؟

يشرد متفكرا ..

**

رئيس الجامعة العريقة يقف منتفشا في الاجتماع الحاشد: آن الأوان لنتخلص من تلك الموروثات البالية وبقايا عصور التخلف…

أجال النظر في الواجمين وقال بانتصار: … ومن جهتي لن أسمح بعد اليوم لموظفة – وأبطأ كلماته وضغط عليها –  مردفا: ولا لعضوة هيئة تدريس ولا لطالبة بدخول حرم الجامعة وهي تغطي وجهها بأية طريقة كبرقع أو نقاب …إننا حتى لا نقدر على التحقق من شخصيتها !

وقفت أستاذة: من منحك هذا الحق إنها حرية شخصية ؟…والتحقق ممكن لو أردتم بسبل مختلفة !

ارتفع صوتها: ثم إن هذا تقرب ديني – مهما كان حكمه –  فهو من شأن الدين ويمكنك أن تسأل عن حكمه قبل أن تسعى لإجبار قطاع كبير من الفتيات والنساء على خلعه..

 همهمة تنمو في القاعة

أشاح بوجهه ونظر لموظف نظرة ذات مغزى فتحرك باتجاهها!

**

فيروس (كوفيد)  أحدث انقلابا عالميا ..رؤساء وشخصيات مشهورة يمرضون ..

أما الرؤساء فيتعافون.. دائما يتعافون !

وأما المشاهير فمنهم من يبرأ ومنهم من يموت!..

والناس في العالم منهم من تجاهله وسلم… ومنهم من اهتم به ومرض

والبعض أُدخل للمشافي فإما يموت وإما يشفى

فكرتُ في كل ذلك وذكرته لزميلي وأنا عائد من عملي محاولا تجنب الزحام في المواصلات وهيهات ..أجساد شبه متلاصقة وأنفاس مشتركة

قال لي: اتركها على الله …فكم في الدنيا من ألغاز تظهر ضعفنا وعجزنا

قلتُ: نعم صدقت! أنا أستغرب فقط كيف ينتقي الفيروس أشخاصا ويترك آخرين

قال: الفيروس لا ينتقي أحدا !

قلت: ألا ترى زميلنا سعد معنا في نفس الغرفة، وهو الوحيد الذي مرض بيننا؟

قال: وتجمعات كثيرة واجتماعات وأعمال واحتفالات وغيرها تجد بينهم من يعدى ومن يسلم!….الحقيقة أننا حين ننفذ تعليمات السلامة إنما نهيئ الأسباب التي طلبت منا، وهذا مطلوب شرعي، لكن من شاء الله له أن يمرض أتاه المرض

قلت: أنا أعرف هذا لكن أستغربه

**

وقف رئيس الدولة كمن يلقي موعظة وقال بسماجة: الإسلام يعاني أزمة!

كلما توجهت إلى بلد وجدت المسلمين يخالفون المجتمعات، ويؤذون غيرهم،

لا تسامح ولا تعاون ولا اندماج… فالأزمة في الإسلام نفسه

والمسلمون لدينا يجب أن يندمجوا في ثقافتنا أو يرحلوا عن ديارنا !

صفق بعض الحضور، وامتعض البعض

قال صاحبي : وسرعان ما تحول المجتمع إلى حلبة كلام بين ردود وتعصبات وتزوير كشف لعورات الفكر الغربي  ..

فتجد المسلمين يؤكدون أنهم مواطنون بهذا البلد وأنهم مسالمون لكن لهم عقائدهم وخصوصياتهم التي يجب أن تُحترم..وهذا هو التحضر!

 بينما من يسيء إلينا هو حقا في أزمة على محاور الإنسانية والعرقيات الاجتماعية كلها

وقال بعض المفكرين الأحرار : عبر التاريخ لو تذكرنا أفعال غير المسلمين في البلاد ودسائسهم وخيانتهم سنجد مخازي ..لم يمارس مثلها المسلمون قط

 واضطهاد المسلمين أو الإساءة إليهم بهذه الطريقة مخالف للحقوق التي ينادي بها المجتمع،

ويهدد الرئيس وزبانيته بمزيد من التمييز

ويردد أتباعه وإعلاميوه : نحن في خطر على قيمنا ومن نؤويهم يؤذوننا ويخالفوننا  …وهوت قشرة التحضر والمبادئ عند كثيرين

ويبادر وزير داخليته ليقتحم ويعتقل ويهدم

ويبتسم الرئيس لقد انشغلوا أخيرا …ومن خلفه يبتسم سادة آخرون !

قال صاحبي لمحاوره الغربي :ليس خافيا ما قام به الغربيون في حروبهم واحتلالهم عبر عدة قرون، سنجد مخازي أكبر، أم نسيتم ما حدث في الجزائر أو في مصر أو في الهند أو ساحل العاج أو راوندا؛ من احتلالات الرجل الأبيض وما فعله من مجازر وطمسه للهويات والثقافات، ونهب الثروات والخيرات، وإشاعة الفساد، وتكريس التبعية والسرقات؟ فما الذي تحاولون فعله بالضبط ولماذا تثيرون تلك القضايا في هذا الوقت بالذات؟

**

مسلم يتابع الخطاب وهو يرتشف كأسا مع زميله ويردد خلفه الإسلام في أزمة !

يرفع رأسه كأنما ينظر لشيء فوقه ويفكر هنيهة: نعم نحن هنا نشرب لننسى الأزمة

ويضحك في هستريا

نديمه على الطاولة: ماذا تقول أيها الأحمق …إنه يورد ذلك ليغطي على فشله ويتخلص من مسؤوليتنا ومن مشاكله معنا ..

يردد في وجوم: ويتخلص من مشاكله معنا ! فمن يخلصنا من مشاكلنا نحن ؟

**

تذكرتُ موقف الأستاذة الشجاعة الذي مر قبل الأزمة فأنا الذي وجهني نحوها بنظراته

لم أقصر في كفكفتها – رغم مكانتها – وجادلتُ من تجمّع حولها وعلا صوتي آمرهم بالانفضاض فتنمروا علي!

ولم أكن لأسكت بل استدعيت لهم الأمن!..هذا أفضل تصرف لمن يخالف أوامر السادة

ومن وقتها ومكافحة المنتقبات إحدى مهامي الوظيفية

حتى إنني أتذكر الطالبة تريد الدخول …فأنظر لها متحفزا: لا تحاولي

– هب أني أختك ..لدي أوراق يجب تسليمها ويمكنك التحقق من خلال زميلاتك

أطالع فتاة ترتدي “تنورة ” قصيرة تمر أمامي وتنظر بكبرياء ولم تحييني حتى

 وأعود لأرد على الفتاة: إذن اخلعي نقابك وتفضلي ..!

توليني ظهرها وتنصرف ..وأتلعثم ..لم أتصور أن تفعل وأتردد في المخالفة

بعدها صرت أتهرب من استقبالهن …أخاف من مسؤوليتهن

– هب أني أختك  …ترن في أذني كثيرا!

**

قال صاحبي ونحن في الحافلة المزدحمة: هناك حديث شريف دعنا نتأمله وقد صدقه العلم المعاصر: قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا عدوى ولا طيرة )..أي لا عدوى إلا بإذن الله تعالى مهما احتطنا بالأسباب

قلت: لكنا نرى الذين أهملوا واختلطوا بغيرهم يصيبهم المرض بشكل أكبر

قال: وهذا ما سأله صحابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر له أن الإبل الصحيحة إن دخل فيها الأجرب أعداها فرد عليه قائلا: فمن أعدى الأول؟

 أي أن مسألة العدوى نفسها قدر محض رغم أنها قائمة على أسباب وأنها كذلك تعمل كأسباب لانتشار المرض وقد تصيب أو تتجنب من شخص لآخر، رغم توفر الظروف، وقد أثبت العلم أن مقاومة الإنسان للأمراض تختلف من شخص لآخر بحسب قدرة جسده وجهازه المناعي

سكت هنيهة ريثما يمر بجواره راكب وصاحبي ينكمش متجنبا التصاق بدنه السمين به ثم أردف: لذا فحقيقة الأمر أن المرض قد ينزل بين مجموعة تتعرض لنفس الظروف لكنها لا تصيبهم جميعا وهذا في ذاته رحمة ؛ ونحن في الدنيا نهيئ الأسباب 

تأملت في زحام الناس قليلا: نعم رحمة  أي رحمة …فلو كانت العدوى حتمية لانتشر البلاء بمجرد ظهوره

أردفت :  نعم الآن فهمت …مثل تهيئة أسباب الهجرة في الرحلة الشريفة لرسولنا بينما يقول لصاحبه إن الله معنا حين استفرغ الأسباب

قال: وكل مواقف السلم أو الحرب أو الموادعة كلها تتفق مع فكرة تهيئة الأسباب مع جمع ذلك بالتوكل على الله تعالى

قلت : وهل ترانا نحن في مواصلاتنا هذه نهيئ الأسباب !

أحكمَ كمامته ونظر إلى الزحام حولنا وابتسم في أسى !

**

المنتقبات …المنتقبات!

كم يعانين حقا ..ولم يتحملن كل هذا العناء ؟

أخلع كمامتي بتأفف من التصاقها ..وأتنفس بعمق ..هل عوقبنا جميعا بسبب استخفافنا بهن؟ ..هل تنفيذي لأوامر رئيسي كان حقا أو باطلا؟

وهل انتقبنا جميعا في العالم كله تقريبا لما ظلمهن وأساء إليهن! ولنعرف أنه بالإمكان التحقق من الأشخاص حتى لو لبسوا كمامات؟

هل كان ذلك ثمنا ندفعه لتلك النسوة والبنات الخجلات؟

وهل سنتعلم لاحقا – بعد كل هذا – تفهمهن والتعايش مع مبادئهن ؟

أعود للتأمل ..

**

قال صاحبي مكملا ما بدأ: وظللت أياما مغمى العينين!

لا أعرف ليلا من نهار!…ولساعات طوال يحققون معي

تأملته في شرود …لولا صداقتي له منذ الطفولة لفررت منه …!

ما الذي أودى به لهذا ؟

ماذا فعل  خلال سفره حتى يفعل به ذلك ؟

مد رجليه متمطيا وهو يرتشف مشروبه: كنا مجموعة من المتطوعين في المركز الإسلامي هناك …فلما حدثت مشكلة الرسوم المسيئة واعترضنا عليها -كحق أصيل من حقوقنا وواجب كبير علينا – ..فوجئنا باقتحام المركز، وتحطيم مرافقه، وساقونا للمخفر، وزجوا بنا في زنزانة، ثم جيء بمحقق متحذلق يرافقه مترجم عربي -رغم معرفتي باللغة – لاحظت تملقه له وتحامله علينا!  …

الموضوع تغير من مجرد ابداء وجهة نظرنا؛ وممارسة حرية التعبير، إلى اتهام بالخروج عن قيم المجتمع ومعاداة المجتمع …تركنا ومضى

وبقينا أياما على هذه الحال

بل طال انتظارنا

أين حريتنا ؟ وأين حقوقنا ؟ ..

علمنا لاحقا أن سيتم ترحيلنا كل لبلده!..واعترضنا وناشدنا ..وندد غيرنا واعترضوا وناشدوا !

ولكننا قسرنا على العودة؛ رغما عن الجميع باعتبارنا منبوذين مخالفين..

وكانوا في استقبالنا في بلادنا باعتبارنا… ( إرهابيين ) !

**

قال صاحبي : والغريب أنه في تلك الظروف يزور هذا المأزوم  رئيس متزلف من بلادنا  يشد عضده فيفرح هو متناسيا مشاكلهما بل يمنحه وساما رفيعا  …سمعت عن هذا هه؟

قلت : نعم

قال : بينما يشتط الناس كلهم غضبا لتلاقي المتشابهين وإغفالهم حقوق البشر في الدولتين …دبلوماسية منافقة تصمت حين يجب الحديث وإن تحدثت فتقلب الحقائق وتجامل في الثوابت

قلت : في بلادنا  يدعمونه من طرف خفي لأنهم يستمدون شرعيتهم من التزلف للغرب ويعرضون أنفسهم كبديل عن الانتماء للجذور

ضحك في مرارة وقال : فأضلهم تفكيرهم لتلك الزيارة ؛ لا يعرفون كيف يتصرفون فيما يتعلق بالأزمة فهي قضية كبيرة أثارت غضبة عارمة في المجتمعات المسلمة وكشفت حقيقة التساند الغربي معهم ووقوعهم أسارى لتسلطهم

قلت أنت لم تعرف كيف تخبطوا هنا …تارة يكف إعلامهم عن نقده بل بكل سخف يسفهون من يدعو لمقاطعته ؛ ويهونون المقاطعة ويدعون عدم فعاليتها ، فلم تعبأون بها إذن ؟ احمر وجهي غضبا

أردفت : هؤلاء من يستحقون كمامات ولكن لا يلبسونها …

 ومن بعيد يأتيني طنين مذيع هائج يتردد صداه في أذني وأنا أنهي مكالمتنا

**

ومشيت أخبط في طريقي، كأني طريد يهرب.. أريد أن أصرخ ليراني الجميع

لم تغطون وجوهكم؟…هل اختفت معالمكم مثلي ؟

تواريت خلف كمامتي خشية أن يروني أو يطاردني أحد بتهمة إخفاء معالمي !

أثب وثبا قاطعا الطريق خائفا من نفسي… وعلى نفسي !

أين أذهب ولمن ألجأ ؟

كلب مهووس رآني وجرى خلفي  نابحا بشدة

لم أتوقف لأطبق النصائح بالثبات وعدم الفزع أو الجري !

فقط جريت… وكان أسرع مني ..

ونظرت إليه وهو يحصرني ويكاد يفتك بي وأنا أحاول تهدئته …

ألا يضعون كمامات على أفواههم أبدا !

**

وبعد تحقيقات طالت، وأوقات عصيبة ..وحرمان من الطعام والنوم والزيارة

ألقوا بي في السجن دون محاكمة  !

أكلم الهواء !

وأتأمل الصدأ!

 وأعاني الرطوبة !

وأنام على الأرض !

وأرتجف بردا وهلعا ووحدة وخوفا!

ويقدم لي الطعام ..- أقصد يلقيه أمامي أرضا – جندي مفتول العضلات تكاد الكمامة تنفجر من وجهه العريض

**

أريد طبيبا …أين الطبيب ؟

أكلم موظفة الاستقبال في هيستريا !

..تنظر إلي بعينين زجاجيتين ..وتحكم الكمامة!..ترى هل هي مثلي وتتوارى ؟

– أي تخصص ؟

– تخصص وجوه ؟

– نعم ؟

– تجميل!…جلدية!..عيون! …باطنة!..أعصاب …لا أدري ..!

أتهدج..

– من تريد بالضبط ؟

– أسقط أرضا

**

قال المحامي المشهور: حمدا لله على سلامتك ..لولا أن والدك لجأ إلي لطالت المحنة

– وهل فعلت شيئا يستحق معه أي محنة ؟

– تهمة الإرهاب تهمة كبيرة ولولا معارفي لظللت حبيسها لعمر طويل ثم إنك (مرحّل) من بلد غربي، وهذا تهمة في ذاته، ويسقط عنك أي حصانة ولو كنت تحمل عنه جنسيته

– يتنهد

– قال وهو يُحكم الكمامة كأنما ينهي الكلام ويتحسس بخفاء ما تقاضاه من آلاف “مرهقة” :عد إلى وظيفتك التي كنت فيها واقطع أملك في السفر ..وفي المستقبل أرجو أن تنتبه لتحركاتك ولكلامك ولاتصالاتك إن كنت لا ترغب بالعودة للمعتقل

– وأسر في نفسه بل سأعود إلى كفاحي ..ولن أرضخ لأوهامكم ..

**

أجري وأجري وأهرب

أين وجهي ..أين وجوهكم ؟

الناس يمشون ويجرون ويسعون ..كلهم بلا وجوه مثلي !

اختفت معالمنا جميعا …ينظرون إلي بفتحات عيونهم ..

كيف يبصرون حقا ؟! ويضحكون بأفواههم الدائرية

وصرخت فيهم: كيف سينظر بعضنا لبعض..كيف سنتعارف ..هل سنتحاب ؟

هل سنتزوج ؟

كيف نعرف أبناءنا ونساءنا وأحبابنا، بل وأعدائنا ؟

وسرحتُ: ترى هل سيعرفني قطي الشرس حين أعود فيلقاني ؟

هل سيعرفني والداي وأقاربي وجيراني ..وهل سأعرفهم ؟

كيف أضع صورتي على شهاداتي وأوراقي وكيف سألتقط صور ذكرياتي ؟

رباه كنا في نعمة فكيف سلبت منا ؟

**

قال: وهكذا أحاول أن أعيش وأمارس حياتي بعد فترة الاعتقال ..لكني لن أتنازل أبدا وعم أتنازل؟ عن هويتي أو عن قلبي أو عقيدتي؟ إنها ذاتي وهي حياتي!

إنها وجهي الذي أريه لربي ويراني الناس به !

قلت: وأما أنا فأظن أن وجهي ذاب !

قال: كيف ؟

قلت: في الوظيفة وأوامرهم وطلباتهم وتحكماتهم !

**

يقتربون مني كما في أفلام الرعب!…وجوههم قبيحة

يحيطونني في دائرة !

أنظر حولي كيف أفلت؟…أعينهم ثقوب وأفواههم دوائر !

يضحكون في وحشية!..وتمتد أيديهم إلى وجهي ينزعون الكمامة في تلذذ!

ينكشف وجهي

لآاااا

**

ربتَ علي كتفي..: أفق يا بني ماذا بك ؟

قلت: أين وجهي ؟

وجهك ؟

اعتدلت في جلستي على سرير المشفى

قال لقد سقطت وأنت تهلوس في هيستريا وطلبوني من هاتفك ! ..

والطبيب قال لي: ليس بك شيء!

قلت: ووجهي ووجوهكم ؟ أين اختفت معالمنا ؟

قال أنت بخير ونحن جميعا كذلك !

دخل الطبيب وذكرت له ما عانيته فتحسس نبضي!..وقال بتبسيط: هلاوس بصرية أصابتك بسبب ضيق نفسك الطبيعي

وأردف وهو يقيس ضغطي: هي حالة يعانيها بعض الأشخاص؛  وتسبب بها نقص “الأكسجين “استنشاقك “لثاني أكسيد الكربون” مع طول ارتدائك للكمامة

وقال وهو يجمع معداته: وأنصحك أن تتخفف من ارتدائها ما استطعت

قلت: ولكن من الناس من يرتدونها دائما مثل العاملين في اللحام والمتعاملين مع النار !

قال الطبيب: والأطباء والجراحون وحتى العاملون في أجواء خاصة، كل هؤلاء يعتادون، وليس لديهم ضيق النفس مثل حالتك !

سكتُّ ونظرتُ لصاحبي الذي ابتسم مشجعا !

قلت: لعلي أتخلص من الكمامات كلها

قال وهو ينظر للنافذة وللشمس المشرقة: يوما ما يا صاحبي !

وحيانا الطبيب بتلقائية وانصرف وهو يعدل كمامته !

—————–

د . ياسر عبد التواب

10/12/2020 م