الكاتب الصحفي جمال خاشقجي

أُسدل الستار أخيرًا على قضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في تركيا 2 أكتوبر العام الماضي، بالحكم بإعدام خمسة أشخاص وسجن ثلاثة آخرون 24 سنة.

القضية التي شغلت الرأي العام داخليًا وخارجيًا، وطالت الاتهامات فيها رأس السلطة السعودية، صدر لها اليوم حكمًا ابتدائيًا بتبرئة مُتهمين كانوا مقربين من النظام، بل شركاء أساسيين في عملية التصفية التي تعرض لها الكاتب الصحفي، ولم يتم العثور على جثته بعد.

النيابة العامة السعودية، أعلنت اليوم الاثنين، حفظ الدعوى بحق 10 أشخاص والإفراج عنهم لعدم كفاية الأدلة، من بينهم: «سعود القحطاني»، المستشار السابق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والقنصل السعودي في إسطنبول «محمد العتيبي» واللواء «أحمد عسيري»، النائب السابق لمدير الاستخبارات، كما أنها لم توجه لهم أي اتهامات بالقضية.

وبرغم تأكيد النيابة العامة على تبرئة «القحطاني والعسيري والعتيبي»، المُتهمين الرئيسيين في المحاكمة السرية للغاية -أجريت على تسع جلسات منذ يناير الماضي-، إلا أنه في ديسمبر العام الماضي 2018، أصدرت محكمة تركية، مذكرة توقيف بحق «عسيري والقحطاني»، مؤكدة وجود أدلة على اتهامهما في المشاركة بـ«القتل المتعمد بطريقة وحشية أو عبر التعذيب مع سابق الإصرار والترصد».

في حين انتقد تقرير أممي أعدته المقررة عن القتل خارج نطاق القضاء، «أغنيس كالامارد»، في يونيو 2019، عدم محاكمة القحطاني، المتهم الرئيسي بإدارة الجريمة، والعتيبي، مشيًرًا إلى وجود أدلة تحتاج لتحقيق بشأن تورط بن سلمان، وهو اتهام كان محل نفي دائم من الرياض.

وبينما لم تعلن النيابة في مؤتمرها اليوم، عن هوية المتهمين الآخرين؛ إلا أنها قالت: إن أحكامًا بالإعدام صدرت بحق خمسة أشخاص هم المباشرون والمشتركون في قتل المجني عليه، وقضت بالسجن 24 سنة لثلاثة آخرين لتسترهم على هذه الجريمة ومخالفة الأنظمة، مؤكدة أن هذه الأحكام ابتدائية وليست نهائية، ويمكن استئنافها.

تورط ولي العهد!

وبحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية: فإن الحكم الصادر اليوم يتناقض مع استنتاج وكالات الاستخبارات الغربية بأن الأمير محمد بن سلمان، أمر مباشرة باغتيال خاشقجي، وهو ما نفته المملكة بشدة، مؤكدة أن جريمة القتل أدث إلى تلويث سمعة ولي العهد المعين حديثًا -الذي حاول تصوير نفسه على أنه مصلح ليبرالي للبلد المحافظ ويحظى بشعبية في الداخل-.

وكشفت الصحيفة البريطانية تناقض السلطات السعودية الواضح في انكار أن الأمير كان على علم بما وصفته بأنه عملية شريرة، في حين أن الأمير نفسه قال للتلفزيون الأمريكي في سبتمبر إنه يتحمل «المسؤولية الكاملة كزعيم في المملكة العربية السعودية».

ونفت الرياض في البداية مسؤوليتها عن اختفاء خاشقجي، لكن مع استمرار السلطات التركية في تسريب أدلة على تورطها على مستوى عالٍ، اعترفت المملكة في نهاية المطاف بأن عملاءها نفذوا عملية القتل، وقدموا سلسلة من التفسيرات المتناقضة.

يذكر أن محققو الأمم المتحدة حاولوا مرارًا وتكرارًا حضور جلسات المحاكمة لكنهم منعوا، على الرغم من أنه تم السماح بالحضور لحفنة من الدبلوماسيين، بمن فيهم من تركيا، وكذلك أفراد من عائلة خاشقجي.

«إهانة العدالة»

وعن ردود الفعل العالمية على الحُكم، فقد علق «آنيس كالامارد»، المقرر الخاص للأمم المتحدة-أحد من قاموا بإجراء تحقيق في وفاة خاشقجي- عبر تغريدة له، قائلًا: «إن نتيجة المحاكمة كانت سُخْرِية ونقيض للعدالة»، مؤكدًا أنه طالب سابقًا بعدم ترك القضية في يد محاكم السعودية لأن السلطات من الممكن أن تتدخل وتغيير مجرى العدالة.

فيما رأى الأمين العام لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، كريستوف دولوار، أن «العدالة لم تحترم»، مؤكدًا أن المحكمة لم تراعي مبادىء العدالة المعترف بها دوليا، ممّا يدفع هذا الحكم لأن يكون وسيلة لاسكات الشهود على الاغتيال إلى الأبد.

وفي تصريح لوكالة «أسوشيتيد برس»، قال «ياسين أكتاي»، عضو الحزب الحاكم في تركيا وصديق لخاشقجي، إن المحكمة السعودية فشلت في تقديم الجناة الحقيقيين إلى العدالة، مضيفًا أن: «حكم الادعاء على خمسة قتلة بالإعدام، لكنه لم يلمس من كانوا وراء الخمسة».

«مسرحية هزلية»

بينما غرد معنيون بالدفاع عن الحريات في السعودية، عبر حسابهم على «تويتر»، باسم «معتقلي الرأي»: «النيابة العامة تعيد ملف خاشقجي إلى المُربع الأول متجاهلة جميع التقارير الدولية والتسجيلات المتعلقة بالجريمة، وتعلن أن قتل خاشقجي لم يكن بنية مسبقة، وتبرئ كلا من سعود القحطاني وأحمد عسيري والقنصل السابق محمدالعتيبي»، متسائلين: «أين جثة جمال خاشقجي إذا ؟!». كما وصف القائمون على إدارة الحساب الحُكم بـ«المسرحية الهزلية»، مُطالبين بمحاكمة قتلة خاشقجي بالقول: «لا بديل عن المحاسبة الحقيقية لكل من أمر بالقتل ولكل من شارك فيه».

وَقُتل الكاتب الصحفي بـ«واشنطن بوست»، جمال خاشقجي، البالغ من العمر 59 عامًا، بعد دخوله القنصلية السعودية بإسطنبول أكتوبر 2018، ولم يتم العثور على جثته -يُعتقد المحققون الأتراك أنه تم ذوبانه في الحمض- في قضية أثارت أكبر أزمة دبلوماسية في المملكة منذ هجمات 11 سبتمبر حيث سعى قادة العالم والمسؤولون في قطاع الأعمال إلى الابتعاد عن الرياض.