“عندما أوازن بين طه حسين وبين العقاد من الناحية العلمية أجد العقاد أعمق فكرا وأغزر مادة وأقوم قيلا، وأكاد أقول: إن الموازنة المجردة تخدش قدر العقاد” !!..

 

هذا رأي الشيخ الجليل محمد الغزالي، رحمه الله، والذي دونه في كتابه الماتع “علل وأدوية” صفحة 65 ، طبعة الشروق.

 

وللغزالي مكانة عالية في نفسي وعند قطاع عريض من الناس ولذلك أحب دائما الاسترشاد برأيه والرجوع إليه.

 

وقد استمعت لتسجيل له علي قناة عربية، يذكر فيه هذه الموازنة وأنه قابل طه حسين وحاوره، ولكنه أحب العقاد وقدره!

 

وذلك لأن الغزالي رحمه الله كان صاحب فكر واع، وعقل ذكي، علي مذهب عباس محمود العقاد في كتابه الرائع التفكير فريضة إسلامية!!

 

هذا واحد من كتب إسلامية كثيرة للعقاد ، لم تأخذ حقها من القراءة والإطلاع!!

 

وهو أيضا ما كتب عنه الغزالي ،رحمه الله، قائلا:

 

“أما العقاد وإسلامياته الكثيرة فيجب دفنه ودفنها معه، ومع أن الرجل حارب الشيوعية والنازية وسائر النظم المستبدة، وساند الديمقراطية مساندة مخلصة جبارة، فإن العالم (الحر) ينبغى أن يهيل على ذكراه التراب، ليكون عبرة لكل من يتحدث في الإسلام، ولو بالقلم!!

 

فكيف إذا كان حديثا بالفكر والشعور، والدعوة والسلوك، والمخاصمة والكفاح؟!

 

هذا هو الخصم الجدير بالفناء والازدراء”!

 

وهي الإسلاميات البليغة التي استشهد بنصوص منها البعض من الكتاب الإسلاميين، وفي الصدر منهم العلامة يوسف القرضاوي حفظه الله عندما نقل في درته “فقه الجهاد” من كتاب الأستاذ العقاد حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ودفاعه المقنع عن فرية المستشرقين والعلمانيين حول انتشار الإسلام بالسيف” !!

 

حيث كتب العقاد (صفحة 219) ..

“شاع عن الإسلام أنه دين السيف، وهو قول يصحُّ في هذا الدين إذا أراد قائله: أنه دين يفرض الجهاد، ومنه الجهاد بالسلاح، ولكنه غلط بيِّن إذا أريد به أن الإسلام قد انتشر بحد السيف، أو أنه يضع القتال في موضع الإقناع !!.

 

وقد فطن لسخف هذا الادعاء كاتب غربي كبير، هو توماس كارْلَيل صاحب كتاب “الأبطال وعبادة البطولة” ، فإنه اتخذ محمدا صلى الله عليه وسلم مثلا لبطولة النبوة، وقال ما معناه:

 

“إن اتهامه بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم!!.

 

إذ ليس مما يجوز في الفَهم أن يَشهَر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا لدعوته!!

 

فإذا آمن به مَن يقدرون على حرب خصومه، فقد آمنوا به طائعين مصدِّقين، وتعرَّضوا للحرب من أعدائهم قبل أن يقدروا عليها …

 

وأضاف العقاد: الواقع الثابت في أخبار الدعوة الإسلامية؛ أن المسلمين كانوا هم ضحايا القسر والتعذيب (قبل أن يقدروا على دفع الأذى) من مشركي قريش في مكة المكرمة، فهجروا ديارهم، وتغرَّبوا مع أهليهم، حتى بلغوا إلى الحبشة في هجرتهم، فهل يأمنون على أنفسهم في مدينة عربية قبل التجائهم إلى (يثرب) وإقامتهم في جوار أخوال النبي عليه السلام، مع ما بين المدينتين (مكة ويثرب) من التنافس الذي فتح للمسلمين بينهما ثُغرة للأمان؟!

 

ولم يعمد المسلمون قط إلى القوة إلا لمحاربة القوة التي تصدُّهم عن الإقناع، فإذا رصدت لهم الدولة القوية جنودها حاربوها؛ لأن القوة لا تحارَب بالحُجَّة والبينة، وإذا كفُّوا عنهم لم يتعرَّضوا لها بسوء!

 

وقد بيَّن الأستاذ العقاد أن المسلمين سالموا الحبشة ولم يحاربوها، وإنما حاربوا الفرس، وحاربوا الروم؛ لأنهم هم الذين بدؤوا بالعدوان على المسلمين.

 

حين كتب: “ولم يفاتح النبي صلى الله عليه وسلم أحدا بالعداء في بلاد الدولتين.

 

وإنما كتب إلى الملوك والأمراء يبلِّغهم دعوته بالحسنى، ولم تقع الحرب بعد هذا البلاغ بين المسلمين وجنود الفرس والروم، إلا بعد تحريضهم القبائل العربية في العراق والشام على غزو الحجاز، وإعدادهم العدَّة لقتال المسلمين!!.

 

وقد علم المسلمون بإصرارهم على اغتنام الفرصة العاجلة لمباغتتهم بالحرب من أطراف الجزيرة، ولولا اشتغال كسرى وهرقل بالفتن الداخلية في بلادهما لبوغت المسلمون بتلك الحرب قبل أن يتأهَّبوا لمدافعتها والتحصُّن دونها”!!

 

وفي النهاية أحب أن أقول:

 

الأستاذ العقاد ومن هو فوقه أو دونه من المفكرين، لهم وعليهم، وما رزقوا العصمة ولا زعمت لهم يوما !!

 

ولكن لا أحب أن تكون وظيفتي مضغ الأخطاء وتتبع العثرات، والتعامي عن الحسنات، خاصة إذا كانت بالمبادئ والأفكار، أما الأشخاص وأحوالهم فحسابهم عند الله.