أسامة حسين حامد

حين يسارع بعض المواطنين في عالمنا العربي إلىٰ وضع مشهد مؤيدي الرئيس الأمريكي المختل المنتهية ولايته في واشنطن أمس في مقابلة مشاهد ثوار ما يسمىٰ بالربيع العربي في سياق من الشماتة والتشفي فإنه يمكننا أن نكتشف بسهولة حجم المأساة التي تسيطر علىٰ بعض العقول التي تعيش بيننا، ولا أقصد بالمأساة هنا حالة الشماتة والتشفي ذاتها، فهذه ربما كان لها ما يبررها تجاه الحالة الأمريكية بوجه عام، ولكن أقصد بالمأساة سلوك تلك العقول التي تفسر الإحداث بالشَّبَه ثم تحكم عليها بالشُّبْهَة، فلا تتوقف لترصد وتحلِّل تحليلًا منطقيًّا دقيقًا قبل أن تطلق أحكامها، بل تتلهف شوقًا إلىٰ إرضاء قناعاتها الشخصية وغرورها الطبقي وتحيزاتها المسبقة أوَّلًا، ولو كان ذلك علىٰ حساب ذكائها وقدرتها علىٰ الإدراك التمييز.

 

إن المراقب للأحداث هنا وهناك -رغم الفارق الزمني- يستطيع أن يرصد بسهولة الفروق الثلاثة التالية:

 

أولا: من حيث الدافع المبدئي، نجد أن الذين ثاروا في زمن الربيع العربي إنما ثاروا رفضًا للدكتاتورية والظلم والفساد في بلادهم -بغض النظر عن مدىٰ مصداقية هذا الدافع وثباته لدىٰ جميع من خرجوا وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع وسيلتهم للتعبير عن هذا الرفض- بينما الذين خرجوا في واشنطن أمس إنما خرجوا تأييدًا لديكتاتور عنصري فاسد استطاع التسلل إلىٰ نظام الحكم الديمقراطي في أمريكا، وفي حين نجح النظام السياسي/القانوني الأمريكي في استيعاب سلوكه المختل -كرئيس- حتىٰ الآن، فإن النظام القانوني الأمريكي سيكون له الكلمة الفصل في محاسبته -كمواطن- بعد انتهاء ولايته في العشرين من يناير الجاري.

 

ثانيا: من حيث الفارق في توصيف الجموع التي خرجت في المشهدين، فحدِّث -إن كنت منصفًا- ولا حرج.

 

ثالثًا: من حيث السياق العام للأحداث، فقد خرجت الشعوب العربية حين خرجت وسط غياب تام للديمقراطية وتداول السلطة، بينما الذين خرجوا في واشنطن أمس إنما خرجوا في أعقاب عملية ديمقراطية يعد تداول السلطة من أهم أهدافها.

 

وفي ضوء النقاط الثلاثة السابقة، علاوة علىٰ أن المحرك الرئيسي للأحداث في واشنطن والمحرض عليها هو نفسه الرئيس المختل المنتهية ولايته، نستطيع أن نقول إن المقابلة الصحيحة -إن كان ولا بد منها- ليست بين الذين خرجوا في واشنطن أمس وبين ثوار ما يسمىٰ بالربيع العربي، ولكن بين الذين خرجوا في واشنطن أمس وبين من خرجوا رفضًا للمطالب الديمقراطية من الشبيحة والبلطجية والمرتزقة الذين تصدوا لبشائر الربيع في بلاد العرب.