أسامة حسين حامد

١- الإطار العام للحديث عن التجديد في الدين وأهميته ومسوغاته يكاد يكون متطابقا عند العالم الفقيه المتخصص، وعند الداعية المربي الموجه، وعند المثقف العادي، وعند صاحب السلطة، وعند العلماني بل وربما الملحد، لكن المقصود الدقيق من هذا الحديث لا يظهر إلا في تفصيلات الكلام، وفي التفاصيل يتبين من هو الحريص علىٰ هذا الدين الذي ينشد المحافظة عليه ورفعته وإعلاء كلمته، ومن هو علىٰ العكس من ذلك تماما، ومن هم بين بين، الذين ركبوا الموجة وهم لا يحسنون السباحة، ومن ههنا تبرز أهمية تحرير المصطلحات اختصارا للوقت وتوفيرا للجهد.

٢- أخشىٰ أن الاستسلام لفكرة التجديد دون تحرير أو ضوابط يعني ببساطة تسليم الدين للواقع، مع أن الدين نشأ في الأصل ليغير الواقع لا ليهادنه، فقد واجه الإسلام الواقع الفاسد الذي كان مسيطرا في مكة، ثم في جزيرة العرب، ثم في سائر الأمصار علىٰ تخوم بلاد العرب ليغيره، علىٰ اختلاف هذا الواقع وتعدده، وعلىٰ اختلاف الوسائل التي اتبعها الدين الحنيف في إحداث هذا التغيير، لينا وتدرجا، أو شدةً وحسمًا.

٣- أظن -وليس كل الظن إثم- أن بعض المنادين بالتجديد لا يقصدون ولا يريدون إلا نموذجًا يتصورونه هم عن الدين، يناسب فهمهم ويلبي قناعاتهم ويواكب أنساقهم الفكرية ويستجيب لحاجاتهم النفسية، لا يتعارض مع نظرتهم الشخصية للحياة، فهم يتطلعون إلىٰ ذلك النموذج الذي يعفيهم من مشقَّةِ الدفاع عن الدين ومن عنتِ التمسك بأوامره ونواهيه، ويَسْتَبْعِدُ أو يُحَيِّدُ جميع مواطن الاشتباك بين صحيح الدين وبين انحرافات الحضارة المعاصرة، فكأنما يريدون أن يقولوا للعالم بصوت عالٍ: نحن مسلمون، ولكن لا تقلقوا منا، فإن ديننا الجديد الذي ندعو إليه ونحارب من أجله يوافق دون قيد أو شرط علىٰ كل ما تنتجه حضارتكم أو تطرحه فلسفتكم أو يتطلبه نمط حياتكم المعاصرة، وهو دين مرن نستطيع أن ندخله في جحر الضب لو أردتم.