د. طه حسين

هل كان طه حسين أديبًا أم مفكرًا أم لا شيء من هذا وذاك غير أنه كان يحمل شهادة تؤهله أن يجلس علي كرسي الأستاذية في الجامعة المصرية ؟!

والحقيقة أن حياة طه حسين وتاريخه مليئان بالكثير من الأحداث غير المستقيمة والتي لا تسير علي وتيرة واحدة لا هي ترقى إلي درجة التناقض ولا هي تسير علي درجة الثبوت والاستقرار.

كان طه حسين كفيفًا لا يرى بعينه ولكنه مع كل هذا ينظر بتمعن شديد ، وإدراك عميق ، وحلول روحي باهر إلي الحياة والناس اللذين هما وقود حياة الكاتب والأديب.إذًا لم يكن طه حسين يرى غير ما يسمع فهو يرى العالم حوله من خلال صوت خفي يخرج منبثقًا من فم رفيق يتلو عليه بعض آيات العلم.

ونجد أن الكثيرين من أدباء عصره ومفكريه قد أعلنوا عليه حربًا ضارية لا ترحم وهجومًا عنيفًا لا يتوقف خاصة بعد صدور كتابه ” في الشعر الجاهلي” ؛ بل وتحامل عليه الكثير والكثير من الأجيال المتعاقبة إلي يومنا هذا.وقد درسنا طه حسين فعهدناه أديبًا فذًا ، وكاتبًا جذابًا يملك الكثير من الأدوات التي تمكنه من قلب قرائه.ودرسنا الأيام وعرفنا كيف كان الفتي يدرس وكيف رأى العالم من حوله بعين بصيرته المتوقدة وليس بعين رأسه السوداء..ثم تدرج بنا الطلب ودخلنا دار العلوم لندرس اللغة والأدب في جامعة القاهرة التي لا تزال تحمل في بعض أبنيتها بقايا رفات طه حسين ، وأخذنا الفضول أن نذهب إلي مهد إستاذيته وإلي مقر جلوسه وتعليمه لتلامذته.فذهبنا إلي كلية الآداب فإذا بنا نفاجأ به واقفا أمامنا بلا حراك أو نبض وتجسدت الصورة الفوتغرافية الموضوعة علي كتابه الأيام فجأة أمامنا كأننا نرى عرضا بانوراميا من داخل الأحداث.

وعصف بنا التاريخ عصفته ومر بنا تاريخ أحداث الدراسة وأسمائه وكتبه ثم شعرنا بوحشة بعدها فكان لزاما علينا أن ننصرف لنعود -كما هو- إلي مهد دراستنا.ودرسنا الأدب وفي مخيلتنا بأننا لن نعرف سوى طه حسين -عميد الأدب العربي- ولن ندرس غير مؤلفاته فإذا بنا لا نسمع عن طه حسين سوى اللعنات وبأنه أعمى البصر والبصيرة وكان هذا في مستهل كلام الدكتور عن كتاب في الشعر الجاهلي ؛ فشعرنا عندها أن هناك شيئا غير طبيعيا يحدث وبأن هذا الدكتور متحامل تحاملا لا هوادة فيه علي الأستاذ العميد.

ثم ذهبنا نتلقى كتاب في الشعر الجاهلي وأخذنا نقرأ فيه قراءة المحب الكاره ، والباحث المهمل ، وتركنا أفكارنا وأنفسنا تُهدى وحدها إلي الحقيقة.فوقفنا علي شطحات كثيرة واتهامات للقرآن والتوراة والإنجيل وتشكيك في الشعر والأدب.وإذا الفكر يتغير والأمور تزداد تعقيدًا وأخذ التاريخ يستعرض أحداثه أمامنا بين صورة الأستاذ العميد المحب للأدب والشعر الشارح لأسلوبه ومعانيه..وبين شخص آخر ناقم علي الشعر وأهله مشككا في بضاعة الشعراء غير معترف بجهد ولا عمل.

ورغم أن الكتاب يحتوي على ما تقدم بين أيدينا إلا أنه يتميز بأسلوب جذاب آخذ للقلوب والعقول وظهرت فيه براعة الأستاذ العميد في سرده وأسلوبه وطريقة بحثه ومنهاجيته حتي وإن كان هذا ضِد ما يعتقد في دواخل نفسه.

هل صار الفتى الأزهري الحافظ للقرآن والحديث المرتدي للقِفطان والعمامة كافرًا ملحدًا شاكًا فيما يحفظ ويعتقد!..هل خرج طه حسين فعلا من الإسلام كما قال كثير من مشايخ الأزهر وقتئذ أم أنه نوع من السؤال الجائز غير المعتقد في تصديقه؟.

ونستطيع أن نقول بأننا لو قِسْنَا الأمورَ بهذا المقياس لتبين لنا من قريب أو بعيد أننا جميعًا وقعنا -وإن كان بدرجات متفاوته- فيما وقع فيه طه حسين فمن منا لم يسأل نفسه يومًا لماذا وجدنا وإلي أي مصير سنصير وإن كان المصير مجهولا في علم الغيب فما فائدة الوجود إذا؟!

سواء قلنا هذا علي الملأ أو قلنا بين جنبات النفس علي كل حال أنه قد قيل وصار واقعا.