تتزايد وتيرة التصعيد بين واشنطن وطهران، خصوصاً منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي مع إيران. وبلغت الأمور ذروتها خلال الساعات الماضية بإعلان واشنطن تطبيق حظر على تصدير النفط الإيراني اعتباراً من شهر نوفمبر المقبل، وهو ما ردّت عليه طهران بأنها لن تسمح بمرور ناقلات النفط الأخرى من مضيق هرمز حال منعها من تصدير نفطها.

والمعنى الواضح لهذا التصعيد في لهجة التصريحات المتبادلة بين الجانبين هو أن بوادر حرب في المنطقة بدأت تظهر لكل ذي عينين، بل إن موعد الحرب تم تحديده خلال شهري نوفمبر وديسمبر المقبلين!

قد يقول قائل إن التصريحات النارية بين أميركا وإيران لم تهدأ منذ 1979، وإن الحرب لم تندلع بينهما أبداً؛ لكن تقديري أن هذه المرة تبدو المؤشرات أكثر وضوحاً بشأن صدام عسكري هائل سوف تتطاير شظاياه لتصل إلى الضفة الغربية من الخليج.

القراءة المتأنية للأحداث تشير إلى ترتيبات تجري وتقسيمات تتم بين الدول ذات النفوذ والمصالح في المنطقة، بطريقة تشبه الأجواء التي عاشتها منطقتنا في فترة ما قبل اتفاقية «سايكس – بيكو» في أوائل القرن العشرين. ويبدو أن منطقتنا تخضع للتقسيم خلال العقدين الأولين من القرن الماضي والحالي بسبب أخطائنا بالدرجة الأولى.

في الموقف الحالي، بعض البلدان العربية -مثل السعودية والإمارات- تصطف مع إسرائيل وأميركا في مواجهة إيران. ورغم تحفّظات الكثيرين -وأنا منهم- على بعض جوانب السياسة الإيرانية في المنطقة، فإنني أعتبر موقفهما خطأ استراتيجياً جديداً يماثل ما حدث منهما لدى قيام واشنطن بغزو العراق في عام 2003، والتداعيات الكارثية التي حدثت بسبب تحطيم «البوابة الشرقية» للمنطقة العربية بعد انهيار العراق وجيشه، ويعيد التذكير بما حدث من اتفاقية تقسيم المنطقة بين الإنجليز والفرنسيين عام 1916 فيما عُرف باتفاق «سايكس – بيكو».

يُحكى أن أسداً وجد قطيعاً مكوناً من ثلاثة ثيران؛ أسود وأحمر وأبيض، فأراد الهجوم عليهم جميعاً فصدوه معاً وطردوه من منطقتهم.

ذهب الأسد وفكّر في طريقة يقتل بها هذه الثيران، خصوصاً أنها معاً كانت الأقوى، فقرر الذهاب إلى الثورين الأحمر والأسود وقال لهما: لا خلاف لديّ معكما وإنما أنتم أصدقائي، وأنا أريد فقط أن آكل الثور الأبيض كي لا أموت جوعاً.. أنتم تعرفون أنني أستطيع هزيمتكم جميعاً لكنني لا أريدكما أنتما بل هو فقط.

فكّر الثوران الأسود والأحمر كثيراً، ودخل الشك في نفوسهما وركنا إلى الراحة وآثرا عدم القتال، فقالا: «الأسد على حق، سنسمح له بأكل الثور الأبيض». فافترس الأسد الثور الأبيض وقضى ليالي شبعان فرحاً بصيده وخطته التي تمكّن بها من تفريق صف الثيران.. مرت الأيام، وعاد الأسد لجوعه، فعاد إليهما وحاول الهجوم فصداه معاً ومنعاه من اصطياد أحدهما؛ ولكنه استخدم الحيلة القديمة، فنادى الثور الأسود وقال له: «لماذا هاجمتني وأنا لم أقصد سوى الثور الأحمر؟»

وفي اليوم التالي اصطاد الأسد الثور الأحمر، وعاش ليالي جميلة جديدة وهو شبعان. مرت الأيام، وجاع الأسد مجدداً، فهاجم مباشرة الثور الأسود، وعندما اقترب من قتله صرخ الثور الأسود: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض.. فعندما أعطيت الموافقة على أكل الثور الأبيض أعطيتك الموافقة على قتلي وأكلي» !!

ومنذ رواية تلك الحكاية لم يملّ الكتّاب والمثقفون العرب من روايتها بكل الطرق الممكنة والمتاحة؛ لعل الحكام في بلادنا ينتفعون بها.. لكن يبدو أن لا حياة لمن تنادي.

مقالات الكاتب أحمد حسن الشرقاوي

من أحمد حسن الشرقاوي

كاتب صحفي مصري