في الوقت الذي يرزح فيه أكثر من 80 بالمائة من الشعب اللبناني تحت وطأة الفقر، أصبح الأمن الغذائي مصدر قلق بالغ للكثيرين خاصة بعد الأزمة الأوكرانية وسط تحذيرات دولية أنها تؤثر على الأمن الغذائي العالمي وخاصة على الدول الأكثر هشاشة وبينها لبنان.

وقد ساد القلق حول الأمن الغذائي في لبنان منذ أكثر من عامين وبعد اندلاع مظاهرات أكتوبر 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انهيار العملة المحلية أمام الدولار، ولاحقا بسبب تداعيات جائحة كورونا وصولا إلى المخاوف الناتجة عن عوامل خارجية بسبب الأزمة الأوكرانية.. كل هذه الظروف أدت إلى ارتفاع الأسعار وعجز آلاف العائلات اللبنانية عن تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، إما بسبب الغلاء الفاحش أو بسبب النقص الحاد في بعض المواد الغذائية وأبرزها الطحين والزيوت.

ويرى مراقبون أن هناك مخاوف حول الأمن الغذائي في لبنان خاصة أن القطاع الزراعي لا يشكل وبحسب تقرير /الإسكوا/ لعام 2019، إلا 3 بالمائة فقط من الاقتصاد اللبناني، وهو ما أدى إلى إهمال إنماء الأرياف مثل سهل البقاع اللبناني والمساحات الزراعية الواسعة والخصبة فيه، وبالتالي العزوف عن توسيع مساحات الأراضي المزروعة من حيث المساحة وحجم الإنتاج.

تشير الإحصاءات إلى أن استثمار الأراضي الزراعية في لبنان بالمحاصيل التي ترتبط بالأمن الغذائي كالاستثمار بزراعة القمح لا تشكل أكثر من 20 بالمائة، في حين يعتمد لبنان على استيراد القمح الذي كان يأتي 80 بالمائة منه من أوكرانيا وروسيا قبل الأزمة الأوكرانية، وهو ما أدى إلى مخاوف وسط توقف الاستيراد من الدول المتنازعة ، في حين يبحث لبنان حالياً عن أسواق بديلة من الصعب إيجادها بسهولة خاصة في ظل سعي معظم دول العالم إلى وقف التصدير لضرورات الحفاظ على أمنها الغذائي

وفي هذا السياق أكد السيد جريس برباري المدير العام للحبوب في وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية أن الأزمة الأوكرانية كان لها تأثير سلبي على الأمن الغذائي في لبنان بفعل توقف تصدير القمح من روسيا وأوكرانيا إلى لبنان، إلى جانب دمار صوامع القمح في انفجار مرفأ بيروت شهر أغسطس من العام 2020 مما عثر توفر مخزون استراتيجي من هذه السلعة الأساسية.

وأشار برباري إلى أن لبنان كان يشتري 600 ألف طن من القمح سنويا، ما يعادل 50 ألف طن في الشهر بمعدل الثلثين منها من أوكرانيا والربع من روسيا والباقي من رومانيا، لافتا إلى أنه بسبب الأزمة لم يعد لبنان يستورد من أوكرانيا وروسيا.. ولافتا إلى أن لبنان يحاول البحث عن أسواق بديلة أخرى لشراء القمح كالهند وكازاخستان وبلغاريا التي أصدرت قرارا بعدم تصدير القمح إلى الخارج أسوة بعدد من الدول العربية كمصر والأردن.

وقال برباري إن لبنان يشهد أزمة في مجال توفر مخزون استراتيجي من القمح، وذكر أنه كان يتم سابقا تخزين 120 ألف طن في (صوامع القمح) التي تعرضت للدمار بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، إلى جانب تخزين 60 ألف طن في المطاحن وهو ما كان يؤمن مخزونا من القمح يكفي لستة أشهر.

وأوضح أن تخزين لبنان من القمح حاليا يساوي صفر، وأن الكمية الموجودة من القمح في المطاحن يتم شراؤها شهرا بشهر وأسبوعا بأسبوع.

وأعرب عن أمله أن تنتهي الأزمة الأوكرانية، خاصة وأن شراء القمح يأتي في ظل الارتفاع العالمي للأسعار بسبب تلك الأزمة.

وتطرح أسئلة حول قدرة لبنان على تأمين أمنه الغذائي بمعزل عن المساعدة الدولية.. حيث يعاني لبنان أزمة اقتصادية ومعيشية، وصنف البنك الدولي الأزمة اللبنانية من بين الأسوأ عالميا منذ القرن التاسع عشر، في حين كشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في تقرير لها مؤخرا عن ارتفاع نسبة الفقر في لبنان إلى أكثر من 82 بالمائة بين السكان.

وقد طلب السيد نجيب ميقاتي رئيس مجلس الوزراء اللبناني في 15 مارس الجاري من السيدة أمينة محمد صباح نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، دعم لبنان في ملف الأمن الغذائي، وفق مخطط الأمم المتحدة للمواجهة بفعل تداعيات الحرب في أوكرانيا على الدول كافة، وخاصة دول المنطقة بما فيها لبنان.

وتأتي هذه المخاوف على الأمن الغذائي في لبنان بعد أن حذر تقرير أصدره صندوق النقد الدولي قبل أيام من أن الصراع الدائر في أوكرانيا سيعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر.

وأوضح التقرير أن روسيا وأوكرانيا تستحوذان معا على ثلث التجارة العالمية لهذه الحبوب.. وبالإضافة إلى الخسائر البشرية والاقتصادية، فقد أعرب صندوق النقد الدولي عن القلق إزاء تداعيات الحرب على كل أنحاء العالم.

وفي سياق متصل قال الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة /إيفاد/ قبل أيام، إن الحرب في أوكرانيا تسببت بالفعل في ارتفاع أسعار الغذاء ونقص المحاصيل الأساسية في أجزاء من وسط آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وأوضح الصندوق الدولي للتنمية الزراعية أن ذلك يؤثر على أسعار التجزئة للمواد الغذائية في بعض أفقر الدول في العالم وسيكون أيضا مأساة لأفقر شعوب العالم، الذين يعيشون في مناطق ريفية، ونشهد بالفعل ارتفاعا في الأسعار.

وحذر الصندوق من أن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى زيادة معدل الجوع والفقر، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاستقرار العالمي.

وفي هذا السياق قال الدكتور أنيس أبو ذياب الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي بلبنان، إن العالم شهد بعد تفشي جائحة كورونا ارتفاعا في أسعار الحبوب بسبب تراجع القدرات الإنتاجية وارتفاع التكاليف والأعباء وتعثر بالمواصلات وهو ما انعكس سلبا على الأمن الغذائي في لبنان أيضا.

وأشار إلى تفاقم أزمة الغذاء في العالم مع الأزمة الأوكرانية خاصة أن روسيا وأوكرانيا تعتبران من أكبر المساحات الزراعية في العالم وتنتجان حوالي 30 بالمائة من حجم الإنتاج العالمي وهذا ما سيؤثر على الأمن الغذائي، إضافة إلى تعطل وسائل النقل لاسيما منها البحرية وستصبح أعلى كلفة بسبب الحروب على المرافئ وتحديدا على ماريوبول وغيرها من المناطق البحرية وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الارتفاع في أسعار الحبوب والقمح والزيوت بحوالي 20 بالمائة بشكل وسطي.

ولفت إلى ارتفاع أسعار الزيوت قبل الأزمة الأوكرانية بحوالي 60 بالمائة وحاليا وصل الارتفاع إلى ما يقارب 100 بالمائة، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار القمح والذرة والسكر.. مشيرا إلى أن الدول تحرص عادة وقت الأزمات على تعزيز أمنها الغذائي فتلجأ إلى وقف تصدير كل السلع الاستراتيجية وهو ما سيفاقم الأزمات خاصة على الدول الفقيرة والضعيفة ومنها لبنان.

ولفت كذلك إلى أن ارتفاع أسعار المحروقات سيؤثر على الاستيراد وسيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة الأعباء..

وقال: في لبنان الأزمة أكثر تعقيدا لأننا نعيش في مرحلة صعبة منذ بداية 2019 وتفاقمت لجهة الأمن الغذائي بعد انفجار المرفأ في 4 أغسطس 2020 الذي يضم صوامع كانت تؤمن مخزونا من القمح لستة أشهر.

ورأى أن الأمن الغذائي في لبنان مهدد قبل الأزمة الأوكرانية، مبينا أنه كان يتوجب على لبنان تشكيل خلية أزمة قبل وقوع الأزمة خاصة أن التقارير الدولية كانت تشير إلى وقوع هذه الحرب وستحصل مشكلة في إمدادات المواد الغذائية والحبوب.

وأضاف: نحن في أزمة شديدة حيث لا يتوفر لدينا مخزون من القمح لأكثر من شهر وكذلك في الزيوت ناهيك عن ارتفاع الأسعار في النفط وهذا الأمر يترافق مع أن لبنان يستورد 80 بالمائة من الغذاء و80 بالمائة من القمح مستورد من أوكرانيا وروسيا.

وكالة الأنباء القطرية «قنا»