في العشرين من نوفمبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالميّ للطفل، الذي أطلقته الأمم المتّحدة عام 1954، لتعزيز الترابط الدوليّ، والتوعية بين الأطفال في العالم، وتحسين رفاهيتهم.

الطفولة الكاملة – بعيداً عن اليُتم – من أضعف المراحل التي يمر بها الإنسان، أما حينما يكون الطفل يتيماً، فهذا يعني أنّ الضعف يكون مركّباً؛ لأنّ اليتيم لا يجد من يهتمّ به ويرعاه – وربما – سينشأ في بيئة غير صحّيّة.

في أوقات الأزمات الإنسانيّة والحروب وتفشّي الإرهاب الواضح والخفيّ تزداد جرائم القتل، وبالذات للرجال، وبالمحصّلة يكون المجتمع أمام ملايين الأطفال اليتامى، تماماً كما هو حال ملايين اليتامى في العراق.

وقبل أقل من أسبوع، كشف عضو البرلمان العراقيّ عبد الأمير المياحي؛ أنّ عدد الأيتام في العراق بلغ خمسة ملايين يتيم، وأنّ عدداً من النواب قدموا مقترح قانون لضمان حقوق الأيتام، كون العدد كبيرا جداً.

وسبق لمنظّمات دوليّة أن حذّرت من تحوّل العراق إلى بلد الأرامل والأيتام، فيما أشارت درّاسة سابقة لمنظّمة الأمم المتّحدة للطفولة “يونيسيف” إلى أنّ عدد الأيتام في العراق يقدّر بأكثر من خمسة ملايين و700 ألف طفل، حتى العام 2006، وكلام “اليونيسف” كان قبل أكثر من 12 عاماً، وعليه، كم هي أعدادهم الآن، بعد المعارك التي طحنت الكثير من الأحياء والأموات في غالبيّة المدن؟

إحصائيات اليتامى العراقيين تفتقر إلى الدقة والمصداقيّة، وحكومة بغداد لا تمتلك أرقاماً دقيقة عنهم نتيجة الأعداد المتزايدة، وعدم تسجيل معظم الحالات!

الحديث عن ملايين اليتامى العراقيين يعني أنّنا نتكلم عن جيل كامل دمرتهم الحروب وسحقهم الإرهاب، ويُقال إنّ اليتامى يشكّلون 15 في المئة من مجموع أطفال بلاد الرافدين، وخمسة في المئة من مجموع يتامى العالم، وبهذا يفترض بحكومة بغداد أن تجد القوانين الحامية والحارسة لهؤلاء اليتامى!

واقع الحال يُشِير إلى أنّ تلك القوانين الحامية لليتامى غير متوفِّرة، وعلى سبيل المثال، تابعت قبل أيام تقريراً تلفزيونياً عن عائلات اليتامى وهم يُراجعون إدارة الشؤون الاجتماعيّة، وقد اشتكوا بمرارة من عدم وجود حسم لمعاملاتهم، ومن ضعف التخصيصات الماليّة لليتامى. وحتى الذين تُقدّم لهم هِبات حكوميّة، فهي اقل من 40 دولاراً أمريكيّاً شهرياً، وهذه لا تكفي لمصروفات ثلاثة أيام في أفضل الأحوال!

ترك الأطفال اليتامى في مواجهة أعاصير الفقر والجوع والأمراض الجسديّة والنفسيّة لن يساهم في بناء الدولة، بل سنجد آثار هذه السياسات السقيمة في السنوات القريبة القادمة إن لم يتدارك الحكماء هذه القضيّة الاجتماعيّة الخطيرة!

ينبغي على الحكومة والأوقاف الدينيّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ السعي للاهتمام باليتامى عبر تشجيع إقرار قانون رعاية الأيتام، وتقديم منح ماليّة تكفيهم وتسدّ احتياجاتهم، وتوفير حياة كريمة لهم، والعمل على تنظيم حياتهم التعليميّة، ودمجهم في المدارس الاعتياديّة حتى لا يشعروا بأنّهم معزولون عن المجتمع، وزيادة أعداد دور إكرام الأيتام، ودعمها وتطويرها لتقديم الأفضل في الجوانب المعنويّة والصحّيّة والغذائيّة، ووضع ضوابط دقيقة لآليّة التصرف بأموال اليتامى، ولا يسمح قانوناً التصرف بأموالهم إلا للضرورة، أو حين بلوغهم السنّ القانونيّ.

الأحزاب الثيوقراطيّة (الدينيّة) هي المسيطرة على حكم العراق حالياً، فهل في قواميسهم (الدينيّة) يجوز قهر اليتيم وظلمه وإهماله وتدمير مستقبله؟! جميع هذه المعاني السلبيّة لا تتفق مع رعاية الأديان السماويّة للأيتام، فمن أين يستقي هؤلاء تعاليمهم التي تعطيهم هذا الجرأة في نشر الخراب والفساد والدمار والذل والهوان والقهر بين أطفال العراق اليتامى؟

أقصى ما يتمنّاه الطفل العراقي اليتيم – وغيره – أن يحيا بلا رُعب، وبلا خوف من مداهمات ليليّة ترهب الصغار والكبار على حدّ سواء، وأن يجد مقعداً دراسيّاً ملائماً، ولقمة لم تفسدها مافيات الأسواق التي دخلت في غالبيّة جوانب حياة الناس. وأخيراً، يحلم هؤلاء بمستشفيات تقدّم لهم أبسط الخدمات، بعد أن وصلت فوضى الإدارات الصحّيّة وغيرها لمستويات غير معقولة بتاتاً!

هذه بعض أمنيّات أطفال العراق!

فهل يرضى ممثلو الشعب لأولادهم مصرفاً أقل من 40 دولاراً شهرياً، أم أنّ أولادهم من الدرجة الخاصّة، واليتامى من الدرجة الثانية؟

وهل ستنتفض الحكومة لتنفيذ أحلام اليتامى، كما ينتفض الأب الحنون لتلبية مطالب أولاده؟

من د. جاسم الشمري

كاتب صحفي وباحث سياسي عراقي