الذين حاولوا النفخ في (الشعب) وإعطاءَه حجما أكبر من حجمه، وبأنه هو الذي يقف وراء التغيير الذي يحدث الآن، واهمون..

 

لذلك يجب أن نقول بوضوح إنّ إسقاط الدولة العميقة لا علاقة له بالشعب أبدا..

 

أولا لأنّ الشعب من ناحية الوعي لم يكن يدرك أصلا ما هي الدولة العميقة ولا ما هو مشروعها، لذلك ففي الأسابيع الأولى للحراك، كان الشعب مجرد آلة تستخدمها الدولة العميقة لبلوغ أهدافها وتحقيق مآربها..

 

هذا من ناحية الوعي..

 

أما من ناحية القوة، فليس للشعب القدرة على مواجهة الدولة العميقة، ولا محاسبتها ولا محاكمة رموزها..

 

أدوّن هذا، لإيقاظ كثيرين من نشوتهم الكاذبة وسكرتهم التي تجعل أحدهم يقول وهو يضرب صدره: (الجيش لا شيء، واجبه فقط أن نأمره فيطبّق)..

 

وإلى اليوم لا يزال نشطاء الدولة العميقة يعبثون بالطلبة الذين لم يكن يليق بهم أن يكونوا بمثل هذه البدائية في الوعي..

 

لهذا..لا بد من الاعتراف بالفضل لأهله.. فلولا الجيش لما سقطت الدولة العميقة، ولَمَا أمضى رجلٌ مثل ربراب قيلولة واحدة في السجن.. وكلنا يذكرُ كيف أنّ الحراك كان يرفع مطلبه المضحك ( يتنحاو قاع)، ويركّز على باءات لا معنى لها، بينما ربراب يتحوّل إلى أيقونة من أيقونات النضال وتوجيه الحراك…

 

دعونا من الوهم وانتفاخ الديكة الرومية..وحدثونا عن شعب واحد في المنطقة العربية، استطاع أن يصنع مصيره بالمسيرات.. أو حتى بالسلاح..

 

الجيش كان له مخطط واضح وأهداف واضحة..

 

بينما الشعب كان متضارب الآراء، ضبابي الأهداف..

 

الذي خاض صراعا كبيرا مع السعيد بوتفليقة هو الجيش.. وإلا فقد كشف خالد نزار (وهو الكذوب) أنّ السعيد بوتفليقة كان يعدّ لحرق الحراك..

 

والذي أسقط بوتفليقة هو الجيش، ولو أن الجيش اصطف مع بوتفليقة، لما كان بمقدور الشعب أن يصل إلى شيء.. ومثال سوريا ومصر واضح جدا..

 

والذي فكك لوبيات المال والفساد وألقى القبض على بارونات الحشيش والمال الفاسد هو الجيش..

 

والذي كان واضحا في مواجهته لمشروع فرنسا، وفي رفعه لشعار الباديسية والنوفمبرية هو الجيش، وقد سبق في ذلك حتى الأحزاب والتيارات الإسلامية التي لم تحسم أمرها إلى اليوم…

 

والذي التزم بالدستور، هو الجيش، بينما كان الحراك يرفع شعارات الدولة العميقة بوجوب الخروج عن الدستور والذهاب إلى إسقاط الدولة..

 

والذي..والذي..والذي..

 

لذلك، لا داعي لأن نوزع لقب البطولة على الكومبارس..

 

يجب أن نعترف أنّ الشعب رغم التزامه السلمية، وهو ما يحسب له، لم يكن بالوعي الذي يمكّنه من الحفاظ على البلاد لولا مرافقة الجيش..

 

صحيح أنّ الشعب تحرّك.. لكنه لم يكن يملك مشروعا لاستثمار حراكه.. لذلك كان حراكه بين مشروعين يستثمرانه هما : الدولة العميقة والجيش..

 

الدولة العميقة كانت تستثمر الحراك لصالح فرنسا.. والجيش كان يستثمر الحراك لصالح الجزائر..

 

وهذه هي الحكاية كلها…لئلا يظهر بعد هذا من يقول لنا: (مشروع الحراك) لأنه لم يكن للحراك مشروع.. ومن ادعى ذلك، سألناه:

 

ما هو مشروع الحراك؟ ومن خطط له؟ ومن قاده؟ ومن مثّله؟

 

الحراك الذي يتقزم ليصبح أقصى مراميه إحراق بطاقة انتخابات.. لا يمكن التعويل عليه في فهم الأولويات الكبرى للأمة في هذه المرحلة..

 

وللأسف، فإلى اليوم، لم ينضج وعي الشعب ليلتقي مع الجيش في مشروع واحد.. والشعب اليوم، إما مصادم للجيش، أو تابع له..

 

أما الشراكة الواعية، فغائبة..

 

مصادمة الجيش اليوم، مهينة ومزرية، لأنها تكشف بدائية صاحبها، وركوب الدولة العميقة له..

 

والتبعية للجيش مهينة ومزرية، لأنها تكشف عن عبودية، لا تنطلق من قناعة..

 

واللائق بالمواطن الحقيقي، أن يكون وعيه مرافقا لوعي الجيش، بحيث يكون هو نفسه حارسا للبلاد من المشروع الفرنسي، حتى ولو لم يوجد الجيش..